"صفحات الحوادث" تطرح سؤالا عاجلا: ماذا يحدث فى المجتمع المصرى؟
موضوعات مقترحة
د.وليد رشاد أستاذ علم الاجتماع: نعيش وقائع لا يمكن للعقل أن يصدقها تكشف عن انفلات مجتمعى مرعب
د.جمال فرويز استشارى الطب النفسى: فى زمن الانحطاط السلوكى... استمتعوا بالسيئ لأن القادم أسوأ!
د.لميس النجار أستاذة الإعلام: السوشيال ميديا نشرت ثقافة "وأنا مالى"
فى فيديو "مشاجرة الطالبات".. الذين كانوا يقفون لتصويرهم يحتاجون لعلاج نفسى
دراسة بالمركز القومى للبحوث: جرائم المجتمع المصرى سببها الأول ضعف العلاقات بين العائلات والزملاء والجيران
ثقافة الشير والتريند تنشر الجرائم.. والعنف يولد المزيد من العنف
إذا كنت ممن يتابعون باستمرار صفحات الحوادث أو يجلسون أمام التليفزيون أو يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي، ستجد العناوين الرئيسية وبرامج التوك شو أو "التايم لاين" على السوشيال ميديا أو حتى حديث الناس في الشارع عن حوادث بشعة وغريبة وقعت خلال الفترة الماضية.. والأعجب أنها متكررة، فمنذ أيام وخلال ساعات قليلة انشغل الجميع بمشاجرة طالبات بمدرسة دولية بالقاهرة، وبعدها كانت هناك واقعة مأساوية أخرى في الإسكندرية بسبب تعدي طالب على 3 من زملائه بسكين، وبعدها استشهاد عقيد شرطة على يد عميل داخل أحد البنوك بالفيوم، ومن هنا وبدون تجميل للكلمات لابد وأن نسأل: "هي الناس جرى لها إيه؟
تحقيق فى الجريمة
في حديث طويل مع أساتذة علم الاجتماع والنفس والإعلام حاولنا التحقيق ليس في الجريمة نفسها ولكن في أصل المشكلة وجذورها، فما الذي يدفع طالبات- بعيدا عن مستواهن الاجتماعي- للاعتداء على زميلتهن بهذا الشكل؟ وما الذي يدفع طالبا لحمل آلة حادة من الأساس لطعن زملائه بها، وما الذي جعل رجلا يذهب لقضاء مصلحة بالبنك يخرج منه ويده ملطخة بالدماء.
"وقائع مؤسفة لا يمكن للعقل أن يصدقها لكنها تكشف عن حالة انفلات مجتمعي مرعب"، بهذه الكلمات وصف الدكتور وليد رشاد أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المشهد وقال: إنه في الفترة الأخيرة شهدنا عددا كبيرا من الجرائم، والتأثير الأكبر والقاسم المشترك بين هذه الجرائم هو الوسيط الإعلامي "السوشيال ميديا" التي انتشرت من خلالها هذه الجرائم، فتجد الجريمة أصبحت تريند، وهنا لا أقلل من حجمها، لكن السوشيال ميديا تعمل على زيادتها في المستقبل، وفي دراسة أجريناها بالمركز بعنوان "الجرائم البارزة في المجتمع المصري.. الأسباب والتداعيات وسبل المواجهة"، توصلنا إلى أن انتشار مثل هذه الجرائم في المجتمع بشكل متتابع له مجموعة من الأسباب أولها وَهَن أو ضعف العلاقات الاجتماعية، حيث بدأت العلاقات تضعف بين العائلات والزملاء والجيران حتى داخل الأسرة نفسها والسبب الثاني انتشار بعض الاضطرابات النفسية والضغط الذي بدأ يسببه السوشيال ميديا على الأفراد والوحدة والضغوط التي يتعرض لها الفرد كل هذه الأسباب خلقت حالة سلبية وبدأت تضغط على بعض الأفراد وجعلتهم يتجهون إلى أحداث العنف المتطرف والذي يصل إلى حد القتل في بعض الأحيان.
د.لميس النجار
إدمان مخدرات وسوشيال ميديا
وأضاف "رشاد" أن السبب الثالث في اتجاه البعض لمثل هذه الجرائم العنيفة هو تعاطي المخدرات، لأن الشخص يكون تحت تأثير المخدرات، وخاصة المؤثرة علي الأعصاب التي تجعله لا يستطيع السيطرة على نفسه، وهذا ما حدث مع المتهم بقتل مواطن وفصل رأسه بسكين فى الأقصر، إذ قال شهود عيان بالمنطقة: إن الشاب القاتل مضطرب نفسيا منذ سنوات ويتعاطى المواد المخدرة، إذا لدينا سبب اجتماعي مرتبط بضعف العلاقات الاجتماعية وسبب نفسي مرتبط بالتحديات أو الأمراض النفسية التي تواجه بعض الأفراد وسبب عضوي مرتبط بفكرة تعاطي المخدرات.
د.وليد رشاد
وإجابة على سؤال: ما الذي جعل هذه الجرائم تطفو على السطح؟ قال أستاذ علم الاجتماع: إنه التناول الإعلامي الرقمي من خلال السوشيال ميديا مع انتشار صحافة المواطن وثقافة الشير والتريند لتأخذ هذه الجرائم مساحة وحيزا من الرأي العام إذ إن انتشار الجرائم ونشر أحداث العنف له تأثيرات سلبية؛ لأن نشر العنف يولد المزيد من العنف أحيانا، كما أن هناك بعض الأسباب غير المباشرة لأحداث العنف وهي التعرض لمشاهد العنف نفسها سواء في الإعلام أو السوشيال ميديا وهذا يتسرب إلى نفس بعض الأفراد ويتجهون لممارسة هذا السلوك دون وعي أحيانا.
د.جمال فرويزر
استمتع بالسيئ فالقادم أسوأ!
كان العنوان الذي بدأ به الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي وطب المخ والأعصاب بجامعة عين شمس مُرعبا إلى حد ما لكنه يحمل الكثير وراءه، فبمجرد أن تحدثت معه عن الحوادث التي يشهدها المجتمع في الفترة الأخيرة قال: استمتع بالسيئ فالقادم أسوأ!، نحن في زمن المسخ الثقافي فنجد القيم الاجتماعية انحدرت وأصبحت هناك ازدواجية دينية وانهيار في العلاقات الأسرية وانحطاط سلوكي وأخلاقي ونتساءل: لماذا تحدث هذه الجرائم؟ بالطبع الضغوط الحياتية التي يتعرض لها الناس والحالة الاقتصادية والأحداث والتوترات الجيوسياسية جعلت الناس وكأنهم قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في أي موقف انفعالي بسيط تجد الأمور تحولت للأسوأ، ناهيك عن دور الدراما والمسلسلات والسوشيال ميديا التي تعزز من السلوكيات السلبية، وعندما كنت في إنجلترا منذ فترة جامعة أكسفورد اعتبرت 2025 عام التعفن الدماغي بمعنى أن الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية والسوشيال ميديا للأطفال والمراهقين يسبب تلف الخلايا العصبية في الصبغ الأمامي من المخ وبالتالي الأطفال سيكون عندهم مشاكل في التركيز والانتباه والعصبية المفرطة والفرط الحركي والتحصيل الدراسي سيقل إلى جانب التأثير على العصب البصري والخلايا العصبية.
صورة تعبيرية
ما الحل؟
مادامت هناك مشكلة فلابد من وجود حل، لذلك أكد استشاري الطب النفسي أن الحل في عودة الثقافة والقيم والأخلاق لمجتمعنا مرة أخرى، قائلا: الشخصية المصرية طوال عمرها شخصية تتسم بالحب والخير والسلام وأقصى ما كنا نفعله كأجيال قديمة في مباريات كرة القدم هو العصبية والضيق والغضب ولكن بمجرد أن نخرج من الاستاد فنحن أخوة، لكننا الآن نسمع ألفاظا بذيئة وإهانة وسبابا ومعارك حتى وصل الأمر للقتل، والحل أنه يجب التقليل من استخدام السوشيال ميديا ونبحث لأولادنا على بدائل للسوشيال ميديا ونجعل الآباء والأمهات يجلسون مع أبنائهم يسمعون للأولاد ويصاحبونهم ويعرفون منهم ما الذي يجعلهم غاضبين وما الذي يعكر مزاجهم ويعلمون كيف يتعاملون مع التنمر وغيره من السلوكيات السلبية.
وتابع: لابد للأسرة أن تلعب دورها الذي لطالما سمعنا عنه ولا نراه في مثل هذه الأيام، فالأب اختفى دوره والأم المنشغلة بعملها، زمان كان الأب يعود من العمل الثانية ظهرا والأولاد يعودون من المدرسة ويجتمعون على الغداء الثالثة عصرا ثم يشاهدون المسلسل الدرامي الخفيف ويذاكرون وينامون من الساعة 8 أو 9 مساء، لكن اليوم الأب يعمل في وظيفتين أو أكثر ويظل 24 ساعة خارج المنزل لا يعلم شيئا عن أولاده والأولاد أمام التيك توك وانستجرام والإسراف في استخدام الهواتف الذكية يثير الخلايا العصبية داخل المخ ويجعل الإنسان أكثر قابلية للاستثارة والعصبية.
عقاب وفصل
واستكمل فرويز: من الحلول الضرورية أيضا أن تخفف وسائل الإعلام من مشاهد العنف أو الاضطرابات، وإذا أحكمنا السيطرة على التيك توك أو قمنا بإلغائه مثلما فعلت أمريكا وبعض الدول حول العالم سنكون وضعنا الحل لجزء كبير ومهم من المشكلة، بالإضافة إلى أن المؤسسات التعليمية يجب أن تقوم بدور فعال ولا تأخذ موقفا سلبيا لحل المشكلة إرضاء للرأي العام، وفي الفيديو المنتشر على مواقع التواصل للطالبات اللاتى اعتدين على زميلتهن والآخرون الذين صوروا جميعهم في حاجة للعلاج النفسي، لكن وزارة التربية والتعليم اكتفت بالحل الأسهل وفصلت الطلاب من المدرسة بدلا من معالجتهم نفسيا ومعرفة الدوافع التي قادتهم إلى هذا الفعل العنيف.
صورة تعبيرية
البحث عن التريند
من جانبها علقت الدكتورة لميس النجار الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة على ما يحدث قائلة: "للأسف وصلنا لمرحلة كل واحد بيقول وأنا مالي" والسوشيال ميديا عززت بداخلنا تصوير اللقطة بدلا من التصرف لحل المشكلة، ففي أي واقعة سمعنا عنها كان من الممكن أن يتدخل أحد لفض الاشتباك ومنع أي جريمة من الحدوث لكن الأطفال والكبار يفضلون فتح هواتفهم وأخذ وضعية "الفوتوجرافر" لنشر مقطع فيديو على السوشيال ميديا والبحث عن التريند والمشاهدات بالملايين، هذا بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بتصوير مثل هذه الوقائع ولكن هناك أشخاص لا يصورون ولا يمنعون ما يحدث وتقف كأنها تشاهد فيلما ومن الممكن أن يكون عدم التدخل هنا هو الخوف من التربص أو التنمر أوالتعرض لنفس الأذى الذي تعرض له المجني عليه في هذه الحالة، كما أن السوشيال ميديا عززت جملة "أنا مليش دعوة".
صورة تعبيرية
وأكدت أستاذة الإعلام أن الأشخاص الذين يرتكبون أفعال عنف يكونون على علم بأنه يتم تصويرهم وأن هناك كاميرات لكنهم يتجاهلون العقاب، لا أستطيع لوم الأهل وحدهم رغم أنهم يتحملون ذنبا كبيرا بسبب تربيتهم لأولادهم ولا يمكن لوم المؤسات التعليمية ووضع المسئولية كاملة على عاتقها رغم غياب دورها التربوي، متسائلة: أين الأخصائيون الاجتماعيون، على أيامنا كان في أخصائي اجتماعي ونفسي يستهدف الطلاب الذين يعانون من مشاكل نفسيه ولديه قائمة بأسماء الطلاب الأيتام أو الذين انفصل والديهم، وكان يصاحبنا ويستمع لمشكلاتنا ويحاول أن يكون صديقا قبل أن يكون مسئولا لكن الآن هذا الشخص اختفى بالرغم أنه يوجد لدينا كلية الخدمة الاجتماعية والتربية التي تخرخ الآلاف كل عام، فإلى أين يذهبون؟.
صورة تعبيرية
شماعة السوشيال ميديا
وتضيف: السوشيال ميديا عامل رئيسي لتكرار مثل هذه الحوادث، فالأولاد أصبحوا يقضون ساعات من وقتهم على تطبيقات التيك توك وغيرها وكأنها كافيه وأصبحنا نسمع الألفاظ البذيئة وكأنها حديث عابر والمشاهد أو اللقطات العنيفة كأنها مقطع كوميدي يضحكهم أكثر ما يثير الخوف في أنفسهم، ولكن هناك نقطة مهمة وهى لا يجب أن نعلق كل شيء على شماعة السوشيال ميديا، فالأهالي يستطيعون أن يمنعوا هذا الأمر ويتحكمون فيما يشاهده أطفالهم ويصبحون أكثر قربا منهم ويستمعون لمشكلاتهم، خاصة في فترة المراهقة التي أصبحت تبدأ في سن مبكرة جدا.
وواصلت: زمان كانت فترة المراهقة تبدأ من سن 13 أو 14 سنة ولكن في الوقت الحالي تبدأ من 8 أو 9 سنوات نتيجة كمية المعلومات غير الطبيعية التي يتلقاها الأطفال من السوشيال ميديا بالإضافة إلى أن غياب دور المؤسسات الدينية لسنوات طويلة عزز من كل هذه الأسباب السلبية وإن كانت تحاول المؤسسات الدينية في الفترة الأخيرة أن تنتشر وتستغل السوشيال ميديا للوصول للشباب والمراهقين لكنها بحاجة إلى انتشار أكبر من ذلك بكثير، من وجهة نظرى الموضوع ليس مجرد حادثة عابرة ولكنه يتكرر بصور مختلفة ملخصها غياب التربية وإهدار التعليم، وتلك هى نتائج سنوات مضت تعطلت فيها أمور كثيرة.