موضوعات مقترحة
- د.عبدالحكيم القرالة: تؤكد الدور المحوري للملكة السعودية في حل النزاعات الدولية
- د. تمارا حداد: الفرصة الأخيرة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية وسط تحديات معقدة
- د.عمر حسين: الحرب كانت سبباً في الركود التضخمي الاقتصادي في الولايات المتحدة
في قلب التوترات الدولية التي تشهدها الساحة العالمية اليوم، تبرز قمة الرياض المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كأحد المحطات الدبلوماسية الأكثر ترقبًا على صعيد حل الأزمة الأوكرانية، فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أصبح الصراع بين القوتين موضوعًا رئيسيًا يهدد الاستقرار الأمني والاقتصادي على مستوى العالم، ولعلَّ التحديات العميقة التي تواجه الأطراف المعنية في هذه الحرب تجعل فرص النجاح في قمة الرياض تتطلب دراسة متأنية للعديد من العوامل المحورية التي قد تساهم في دفع العملية الدبلوماسية إلى الأمام، مع تسليط الضوء على التحديات التي قد تعيق التوصل إلى اتفاق دائم.
من الناحية السياسية، يعكس انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة خلال هذه الفترة نقطة مفصلية يمكن أن تغير مجرى الأحداث، حيث يعرف جيدًا كيفية المفاوضات، حيث يسعى دائما لتجنب الصدامات العسكرية ويميل إلى حل الصراعات عبر الصفقات التي يمكن أن تعود عليه بمكاسب ملموسة، وهو ما يعزز من فرص نجاح القمة في حال كانت هناك إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية، سواء في روسيا أو أوكرانيا، إضافة إلى ذلك، لعبت المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في تقارب العلاقات الأمريكية الروسية، وهو ما يعزز من فرص الرياض في أن تكون الوسيط المحايد الأمثل القادر على تقريب وجهات النظر .
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي خلال لقائه ماركو روبيو مع وزير الخارجية الأمريكي
لكن، على الرغم من وجود هذه الفرص، تبقى العديد من التحديات التي قد تقف حجر عثرة أمام النجاح الحقيقي لقمة الرياض، من أبرز هذه التحديات هو التباين الكبير في المصالح بين روسيا وأوكرانيا، حيث تسعى موسكو إلى تحقيق مكاسب استراتيجية ميدانية والاحتفاظ بالسيطرة على الأراضي التي استولت عليها في شرق أوكرانيا، بينما تصر كييف والغرب على أن أي تسوية يجب أن تتضمن انسحاباً روسياً كاملاً، أما على مستوى مواقف حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فهما يعتبران أي تسوية تتضمن تراجع روسيا عن المبادئ الأساسية مثل وحدة أراضي أوكرانيا غير مقبولة، وهو ما يعقد العملية التفاوضية ويزيد من صعوبة الوصول إلى نقطة تفاهم بين الأطراف.
علاوة على ذلك، لم يكن هناك أي اتفاق نهائي بشأن مستقبل أوكرانيا، حيث ترفض موسكو بشدة فكرة تبادل الأراضي مع كييف، الأمر الذي يزيد من تعقيد الأمور، كما أن الثقة بين الأطراف، وخاصة بين الغرب وروسيا، قد تآكلت على مدار سنوات الحرب، مما يضع عوائق كبيرة أمام أي محاولة للتهدئة.
وبينما تلوح الفرصة في الأفق لتحقيق تسوية سلمية، تبقى التساؤلات حول مدى قدرة قمة الرياض على تجاوز هذه التحديات الحادة، هل ستتمكن الأطراف من تجاوز مصالحها المتباينة، ومن ثم التوصل إلى اتفاق دائم يضع حدًا لمعاناة الشعوب الأوروبية والأوكرانية؟ أم أن التباين في الرؤى والمواقف سيظل عقبة أمام السلام المنشود؟، هذا ما يجيب عليه الخبراء في التحقيق.
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي خلال لقائه سيرجي لافروف مع وزير الخارجية الروسي
المصالح المشتركة
في البداية، قال الدكتور عبدالحكيم القرالة، أستاذ العلوم السياسية بالأردن، إن الحرب الروسية الأوكرانية الممتدة منذ سنوات كان لها تبعات وارتدادات على الأمن والسلم الدوليين، مشيراً إلى أنها أحدثت تغييرات سلبية على الاقتصاد الدولي، مما أثر على العديد من الدول، مضيفاً أن هذه الحرب تُعد من أبرز الأزمات الدولية وأكثرها تعقيداً، موضحاً أن هناك حراكاً كبيراً لإطفاء هذا النزاع، وصولاً إلى تسوية سلمية قائمة على التفاوض، بهدف إيقاف هذه الحرب.
وأضاف د.عبدالحكيم القرالة أن صعوبة وتعقيد هذا النزاع لا يرتبطان فقط بصراع روسي أوكراني، بل يبدو وكأنه صراع روسي أمريكي أو روسي غربي، في ظل وجود حلف الناتو والدعم الأمريكي للحكومة الأوكرانية، مؤكداً أن هذا الدعم عزز من تعقيد المشهد، مشيراً إلى أن النظام الدولي يشهد تنافساً محموماً على النفوذ والزعامة بين الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها القطب الأبرز، وروسيا التي تُعد أحد الأقطاب الرئيسية، مضيفاً أن هذا التنافس أدى إلى تعقيد الأزمة بشكل أكبر.
وأردف موضحاً أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن دعم أوكرانيا وحلف الناتو في مواجهة القوى الروسية الضاربة، لافتاً إلى أن قمة الرياض التي ستجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأتي في توقيت مهم.
وأكد د.عبدالحكيم القرالة أن ترامب، حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وخلال حملته الانتخابية الرئاسية، كان يتحدث عن إنهاء هذه الحرب، مضيفاً أنه ناقش عدة تفاصيل تتعلق بوقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، كما كان يساوم الأوروبيين على زيادة الدعم المالي لاستمرار المساعدات العسكرية وحماية أوكرانيا وأمن أوروبا، مؤكداً أن هذه التصريحات تعكس نهج ترامب القائم على الصفقات، مشيراً إلى أنه كان يسعى إلى الضغط على الأوروبيين لدفع المزيد مقابل الدعم الأمريكي غير المحدود لأمن أوكرانيا وأوروبا.
وحول اختيار المملكة العربية السعودية لاستضافة القمة، أوضح القرالة أن ذلك يدل على الدور المحوري الذي تلعبه الرياض في النظام الدولي والتسويات السياسية، مؤكداً أن اللقاء المباشر بين بوتين وترامب قد يحمل حلولاً محتملة، خاصة أنه يجمع شخصين قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة لإنهاء الحرب.
وتساءل أستاذ العلوم السياسية بالأردن عن موقف الأوكرانيين من هذا التفاوض، لاسيما أن الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لهم، مشيراً إلى أن واشنطن قد تتخذ قرارات نيابة عن أوكرانيا بحكم نفوذها في هذه الحرب، وهو ما يثير مخاوف لدى الأوروبيين الذين يفضلون مشاركة الأوكرانيين في أي مفاوضات، مضيفاً أن الأوكرانيين يعتبرون الطرف الرئيسي في هذا الصراع، إلا أن ترامب قد يتولى التفاوض عنهم، كونه الممول الأساسي للدعم العسكري لكييف، مستطرداً أن قمة الرياض قد تسفر عن مخرجات قابلة للتطبيق لوقف الحرب، بما يتوافق مع المصالح الأمريكية.
وأكد أن نجاح هذه المفاوضات ليس مضمونا، مشيراً إلى أن روسيا لن تتنازل عن مكتسباتها الميدانية، خاصة المناطق التي احتلتها، كما أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو يشكل معضلة كبيرة.
وأوضح القرالة أن هناك تساؤلات حول خطة ترامب لإنهاء الحرب، متسائلاً عما إذا كانت روسيا ستقبل بوجود قوات من حلف الناتو على حدودها، ومشيراً إلى أن هذه المسألة قد تكون من أبرز العقبات أمام أي اتفاق.
وأضاف أن أوكرانيا أيضاً لديها شروط وضمانات تريد الحصول عليها، مثل منع تكرار التهديدات الأمنية، وضمان عدم توسيع روسيا عملياتها العسكرية للاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية.
وتابع القرالة قائلاً إن جميع هذه العوامل تشكل محددات رئيسية لنجاح أو فشل المفاوضات، مؤكداً أن الروس قد يرحبون بأي اتفاق يحقق مصالحهم، على عكس الأوكرانيين والأوروبيين الذين لديهم مخاوف من أن يكون الاتفاق غير ملائم لهم.
وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب تمتلك إرادة واضحة لإنهاء هذا الصراع، موضحاً أن الولايات المتحدة، بحكم نفوذها ودعمها الكبير لأوكرانيا، تستطيع التأثير على القرار الأوكراني والأوروبي.
وختم د.عبدالحكيم القرالة حديثه قائلاً إن الأيام المقبلة ستكشف عن المزيد من التفاصيل، مشيراً إلى أن مخرجات قمة الرياض ستكون مؤشراً مهماً لمدى إمكانية تنفيذ وقف إطلاق النار، ومؤكداً أن هذه القمة تُعد خطوة أولى في التفاوض ومرحلة مفصلية في السياسة الأمريكية بقيادة ترامب، الذي يبدو أنه يمتلك رغبة جدية في إيقاف هذه الحرب.
فرصة دبلوماسية
من جانبها، أكدت الدكتورة تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية في الشأن الدولي، أن قمة الرياض بين الرئيسين الروسي والأمريكي تعد حدثاً دبلوماسياً مهماً لإنهاء الحرب الأوكرانية الروسية، حيث يترقب الجميع على المستويات الشعبية والرسميّة والإقليمية والدولية نتائج وتوصيات هذه القمة، وأضافت إن هناك فرصة كبيرة لنجاح القمة إذا توفرت الإرادة السياسية الفعلية من جميع الأطراف، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت معنية بشكل كبير بوقف هذه الحرب ، مشيرةً إلى أن الرغبة لدى ترامب لإنجاح وقف الحرب عالية جداً، خاصة أن أوروبا أصبحت معنية هي الأخرى بوقف الحرب نظراً لتداعياتها السلبية على الأمن القومي والاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي .
وأوضحت أن الرعاية السعودية تعتبر فرصة كبيرة لنجاح القمة، حيث تمتلك المملكة علاقات دبلوماسية مميزة مع كل من روسيا والولايات المتحدة، مما يجعلها وسيطاً محايداً قادراً على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة ، مضيفةً أن السعودية كانت قد لعبت دوراً مهماً في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، مما يعزز مصداقيتها كطرف قادر على المساهمة في حل النزاع، وأشارت إلى أن المملكة تمتلك أوراقاً سياسية وأمنية ودبلوماسية تستطيع استخدامها لضبط إيقاع العلاقات الأمريكية والروسية.
وتابعت من الفرص الكبيرة التي قد تساهم في نجاح القمة، اشتداد الضغوط الاقتصادية والسياسية على روسيا وأوكرانيا، حيث تعاني روسيا من العقوبات الاقتصادية الغربية، بينما تواجه أوكرانيا ضغوطاً عسكرية وأمنية نتيجة نقص الإمدادات من حلفائها الغربيين، موضحةً أن هذه الظروف قد تدفع الطرفين إلى النظر في حلول دبلوماسية توقف التصعيد العسكري أو على الأقل تهدئة الأوضاع.
وأكدت د. حداد أن هناك دعما أوروبيا للحل السياسي، حيث أعربت بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا عن قلقها من استمرار الحرب وتأثيرها السلبي على استقرارها الاقتصادي والسياسي ، مشيرةً إلى أن هذا الدعم الأوروبي قد يساهم في تعزيز مخرجات قمة الرياض بما يخص وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا .
واستطردت قائلةً رغم الفرص المتاحة، إلا أن هناك تحديات كبيرة قد تعرقل عملية وقف إطلاق النار، أبرزها تباين مصالح الأطراف المعنية وتعقيدات الصراع المستمر منذ عام 2022 ، موضحة أن غياب أوكرانيا عن طاولة المفاوضات المباشرة يشكل تحدياً، حيث أن كييف مصممة على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، مضيفة أن التحدي الآخر يكمن في تباين رؤية روسيا وأوكرانيا، حيث تسعى روسيا للاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها في شرق أوكرانيا، بينما تصر كييف والغرب على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن انسحابًا روسياً كاملاً .
وأكدت د. حداد أن موقف حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لن يقبل بأي تسوية تضر بمبادئهم الأساسية مثل وحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها ، مشيرةً إلى أن استمرار الدعم العسكري الأوروبي لكييف قد يُضعف من فرص أي اتفاق محتمل ، وأوضحت أن هناك تحديات أخرى مثل انعدام الثقة بين الأطراف المعنية، حيث أن روسيا لم تُظهر استعداداً حقيقياً للالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار في السابق .
وفي الختام، أكدت د. حداد أن قمة الرياض قد تحمل فرصاً لتهدئة الصراع في أوكرانيا، لكن نجاحها يتطلب تقديم تنازلات متبادلة بين الأطراف المتفاوضة، وهو أمر يبدو صعب التحقيق في ظل المصالح المتباينة ، مضيفةً أن الوصول إلى سلام دائم سيظل تحدياً كبيراً حتى إذا تم التوصل إلى هدنة مؤقتة.
آفاق التسوية
من جانب آخر، يرى د. عمرو حسين، الباحث في العلاقات الدولية، إن احتمالات نجاح قمة الرياض بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين كبيرة جداً، خاصة أن ترامب يعتبر رئيساً أمريكياً استثنائياً، فهو دائمًا يتجنب الصدامات العسكرية ويبحث عن الصفقات بطبيعته كرجل أعمال ومطور عقاري. وأضاف حسين أن الوضع الحالي على الساحة الأوكرانية منذ بداية عام 2024 يُظهر أن الكفة تميل لصالح الجيش الروسي، الذي استولى على العديد من البلدات في منطقة دونيتسك، ففي سبتمبر الماضي، شهدت الحرب أكبر عملية استيلاء على الأراضي الأوكرانية منذ بداية النزاع في فبراير 2022، وخاصة في مدينتي سيليدوف وبوكروفسك، التي تُعتبر الأكبر في منطقة دونيتسك. كما شمل التقدم الروسي مناطق دونباس ولوجانسك.
وأوضح حسين أن هذه الحرب كانت سبباً رئيسياً في الركود التضخمي الاقتصادي في الولايات المتحدة، الذي دفع إدارة بايدن لرفع الفائدة 11 مرة، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 10%. ورغم هذا، لا تزال الولايات المتحدة تعاني من آثار الحرب، وهو ما يراه ترامب نتيجة للإفراط في الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وأشار إلى أن في الأيام الأخيرة، قامت إدارة بايدن بإمداد أوكرانيا بطائرات F-16 وصواريخ بعيدة المدى من طراز أتاكمس ، إلا أن ذلك لم يوقف التقدم الروسي، حيث باتت روسيا على وشك السيطرة بالكامل على منطقة دونباس.
وتابع حسين قائلاً: إن فكرة تبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا مرفوضة تماماً من قبل الكرملين، ولم تكن أبداً حلاً للوصول إلى السلام، وأكد أن ترامب اتخذ خطوة إيجابية من خلال محادثاته مع الرئيس بوتين واتفاقه على عقد قمة في الرياض، تمهيداً لعرض خطة السلام التي يملكها، والتي يعتقد أنها تحمل رؤية كبيرة للوصول إلى سلام دائم.
واستطرد حسين قائلاً: لقد استمرت هذه الحرب طويلاً، وكلفت أوروبا تضحيات ضخمة نتيجة المواجهة مع روسيا، مما أدى إلى انخفاض رفاهية الشعوب الأوروبية، حيث اضطرت الحكومات الأوروبية إلى استيراد الغاز الأمريكي بديلاً عن الغاز الروسي بتكلفة تزيد عن أربعة أضعاف.
وأشار حسين إلى أن روسيا قد حققت معظم أهدافها في الحرب، وخاصة في الشرق الأوكراني، كما استطاع الرئيس بوتين الحصول على ضمانات إضافية من ترامب بشأن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. وأضاف أن ترامب يعارض بشدة الإنفاق الأمريكي الكبير على حلف الناتو، ويعتبره استنزافاً للاقتصاد الأمريكي.
وأختتم حديثه قائلاً: إن القمة المرتقبة في الرياض قد تُسهم في جعل التفاوض أكثر مرونة، لأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لم تحقق النتيجة المتوقعة من الجانب الأمريكي والأوروبي.