يمر الإقليم العربي بمنعطف تاريخي، يستوجب وحدة الصف والوقوف على قلب رجل واحد، لبلورة موقف يخلد في التاريخ، وهناك دلالات متعددة لاستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، للأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية، أولها أن القاهرة وعمان تمثلان قيادة عربية متماسكة تؤكد وحدة الموقف العربي، وتتصديان بثبات لكل محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
موضوعات مقترحة
ثانيًا: جاء اللقاء تأكيدًا على مسار شراكة إستراتيجية راسخة عبر الزمن، تترجمها رؤية موحدة تجاه التحديات التي تعصف بالمنطقة، فموقف مصر القوي والصلب يتناغم مع الموقف الأردني في تأكيد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، وأن أي حل يتجاوز ثوابت الرابع من يونيو 1967 وعاصمة فلسطين القدس الشرقية، لن يكون سوى شرارةً لمزيد من الصراعات.
ثالثا: تدعم المملكة الأردنية الهاشمية، الخطة المصرية الرامية لإعادة إعمار غزة؛ حيث يعتبر الأردن هذه الخطة هو الخيار الأمثل والأكثر عدالة، الذي يحفظ حق الفلسطينيين في أرضهم، ويضمن إجهاض مخططات التهجير من خلال إعادة تأهيل البنى التحتية للقطاع ليعود كما كان قبل الحرب.
رابعا: إن القمة العربية التي تنعقد في الرابع من شهر مارس المقبل تعتبر محط أنظار العالم أجمع؛ حيث ستسعى مصر لتأكيد الموقف العربى الرافض للتهجير من خلال إصدار قرارات قطعية غير قابلة للتغيير، بشأن حفظ حقوق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
ولقد أكدت زيارة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، إلى واشنطن أن الموقف العربي الذي تقوده مصر بصلابة وحكمة، هو الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار العادل والشامل لجميع الأطراف بالمنطقة، فلن يكون هناك سلام حقيقى بمعزل عن اعطاء الشعب الفلسطينى حقوقه الكاملة، وهكذا تثبت القاهرة وعمان مجددا، بأن قوة القرار لا تكمن فقط في شرعيته، بل في وحدة من يحملونه.
تقف مصر والأردن بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله الثاني، سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر مخططات التهجير، تلك الخطط التي يسوّق لها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وكأن الأوطان تُباع وتشترى بمراسيم رئاسية أو أوامر تنفيذية، فلقد حاول في ولايته الأولي فرض ما عُرف بـ"صفقة القرن"، معتقدًا أن المال قادر على إسكات الشعوب، وإطفاء جذوة نضال الشعب الفلسطينى الساعى للحصول على حقوقه المشروعة، لكنه اصطدم بجدار صلب من الرفض كان في مقدمته رئيس مصر وملك الأردن، واللذان لم يفرّطا قيد أنملة في حقوق الشعب الفلسطينى.
واليوم، يعود ترامب ليحاول مجددًا تنفيذ مخططه القائم على تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، في خطوةٍ تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي يخدم المشروع الصهيونى على حساب حقوق أصحاب الأرض الشرعيين، معتقدا بأن الظروف تغيرت، وأن الإرهاصات الاقتصادية والصراعات الإقليمية، قد تجعل الطريق ممهدا نحو تحقيق مخططه، ولكن اصطدم مجددا بالرد المصري - الأردني والذي جاء حاسمًا كما كان دائمًا "لا مكان لمثل هذه المشاريع في حساباتنا، ولا مساومة على الأرض، ولا تفريط في الثوابت القومية".
إن موقف القاهرة وعمان ليس سياسيًا ظرفيًا، بل هو امتداد لثوابت راسخة لم تتغير عبر العقود، فمصر التي كانت دائمًا العمود الفقرى للقضية الفلسطينية، وقدمت في سبيلها الغالى والنفيس، من دماء زهرة أبنائها، إضافة إلى تكريس طاقمها السياسى والدبلوماسى لخدمة القضية الفلسطينية دون توقف أو ملل عبر سنوات عمر القضية، فمصر التي رسخت القضية الفلسطينية، كمبدأ مصرى ثابت، وغير قابل للتجزئة لن تكون طرفًا في أى مخطط، يستهدف تصفية القضية أو تفريغ الأرض من أهلها.
كما أن الأردن، والذى خاض كل حروب الدفاع عن فلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية في القدس وفلسطين عموما، وقدم الشهداء ودفع ضريبة مواقفه من قوت أبنائه، يدرك أن السماح بمثل هذه الخطط يعنى تهديد أمنه القومى واستقراره الاجتماعى، بل والقضاء على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
وبرغم الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تحاول بعض القوى الدولية استخدامها كورقة ضغط، فإن موقف الرئيس السيسي، والملك عبد الله، أعطى درسا لكل ساسة العالم، بأن القرار السيادى لا يُشترى، وأن الحفاظ على الاستقرار الداخلي لا يأتي بالتنازلات، بل بالصمود والتخطيط الإستراتيجي الذي يضع مصلحة الأمة فوق أي اعتبار آخر.
لم تكن معركة إفشال المخطط الترامبي مجرد صراع إرادات، بل كانت تجسيدًا لدور مصر والأردن كدول وازنة في المنطقة والعالم، فموقفهما الرافض لم يكن مجرد كلمات تُلقى في المحافل الدبلوماسية، بل كان بمثابة نداء استنهض الضمير العالمى، وأعاد توجيه البوصلة السياسية في القضية الفلسطينية، لقد استطاع الزعيمان "الرئيس السيسي، والملك عبد الله الثاني" من تعبئة الموقف العربى والدولى، وتحويل الرفض المصرى -الأردنى إلى موقف عالمى، حيث بدأت القوى الكبرى، تدرك أن تمرير هذا المخطط يعنى خلق بؤرة جديدة من عدم الاستقرار، وإشعال فتيل أزمة لا يمكن السيطرة عليها، فنجحت القاهرة وعمان في توحيد الصفوف، وكسب التأييد الدولي لموقفهما، في تأكيد جديد على أنهما ليستا مجرد دول تتلقى التعليمات، بل قوى مؤثرة تصيغ المعادلات السياسية، بما يخدم أمنها القومى ومصالحها الإستراتيجية.
يدرك صناع القرار في تل أبيب، أن أكبر عائق أمام مشروع "إسرائيل الكبرى" هو مصر والأردن، فهاتان الدولتان تشكلان حجر الأساس في استقرار المنطقة، وصد أى مخطط يستهدف تهجير الفلسطينيين أو تغيير خرائط الشرق الأوسط لصالح الاحتلال، ولذلك، لم يكن غريبًا أن نشهد خلال العقد الأخير، محاولات إسرائيلية ممنهجة، لإقحام مصر والأردن في صراعات إقليمية، واستنزاف مقدراتهما الوطنية.
ففي مصر، حاولت الجماعات الإرهابية المدعومة من قوى خارجية تنفيذ عمليات تهدف إلى زعزعة الأمن الداخلى، وإرباك الجيش المصرى بإشغاله في معارك داخلية تستنزف قدراته، كما حاولوا جر مصر إلى صراعات إقليمية، سواء في ليبيا أم السودان أم غيرها، لإرهاق الدولة المصرية وجيشها في معارك لا طائل منها.
أما الأردن، فتعرض لضغوط سياسية واقتصادية هائلة، في محاولة لدفعه نحو تنازلات تمس القضية الفلسطينية، كما سعت بعض الأطراف لتحريك ملفات حساسة تهدد استقرار المملكة، ولجأت العديد من القوى الخارجية الكارهة لمصر والأردن، إلى تحريك أذرعها الإعلامية لتجييش الأقلام الصفراء، وشن حملات التضليل والتشويه، بهدف التأثير على الرأى العام وإضعاف ثقة الشعوب بقيادتها.
وبرغم كل هذه المحاولات نجحت عبقرية الرئيس السيسي، والملك عبد الله الثاني في تجنيب بلديهما هذه الصراعات المفتعلة، وأفشلا كل محاولات الاستدراج إلى حروب دامية، كانت ستكلف شعبيهما الكثير، والأكثر من ذلك أن القاهرة وعمان لم يكتفيا بإفشال هذه المؤامرات، بل خرجتا أكثر قوة وتأثيرًا في ظل قادة يجمعون ما بين الفهم العميق للتاريخ والقدرة على استشراف المستقبل، وهو ما زاد في غيظ وذهول أعدائهما.
في ظل كل المؤامرات التي تحاك ضد مصر بهدف كسر إرادتها، وجعلها دولة راضخة للمشروع الصهيو - أمريكى، إلا أن هذا القائد الفذ قاد مصر لنهضة كبرى في جميع المجالات، وفي زمن قياسى وبأيد مصرية خالصة، فاليوم مصر تمتلك بنية تحتية توازى دول العالم الأول، وتمتلك جيشا متطورا يعد من الأقوى على مستوى العالم، وأصبحت مصر من أميز الوجهات الاستثمارية في الإقليم والعالم، وأعد الرئيس السيسي مصر لتصبح قلب العروبة النابض، والقوة الإقليمية التي تستمد منها العروبة قوتها.
وعلى الجانب الآخر، يستمر الأردن في ظل قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، في مسيرة النهضة والتقدم في كل المجالات، حتى أصبح الأردن ينافس دولا كبرى في مجالات كثيرة، حيث بات الأردن قصة نجاح ملهمة في ظل ظروف إقليمية يستحيل فيها قيام نهضة فعلية، لكن القيادة الهاشمية نجحت في عزل المملكة عن كل هذه الظروف، لتستمر مسيرة التنمية، ولم تزدها المؤامرات إلا قوة ووحدة بين القيادة والشعب.
هذان القائدان لم يبيعا الوهم لشعبيهما كما فعل غيرهم، بل قدما نموذجًا في القيادة الحكيمة، التي تضع الأمن القومى فوق كل الاعتبارات، واليوم برغم صعوبة الموقف، فإن الرئيس السيسي، والملك عبد الله الثاني نجحا في توحيد شعبيهما خلف قيادتهما، وثبت للجميع بأن مواقفهما المشرفة ستكون جزءا من التاريخ الذى سيضىء طريق الأجيال المقبلة، التي بالتأكيد ستنعم بحياة أفضل، نظير هذه المواقف التي مهدت الطريق لهم ليعيشوا في بلدان تمتلك قرارها السياسى والاقتصادى والإستراتيجى.
لقد أثبتت الأحداث، أن القرار في المنطقة ليس بيد ترامب أو نتنياهو، بل هو بيد قادة يدركون أن أوطانهم ليست مجرد خرائط، تُعاد صياغتها وفق أهواء القوى العظمى، فكبار المفكرين السياسيين والاقتصاديين في الولايات المتحدة يدركون قبل غيرهم أن اقتراح ترامب لعب بالنار، وأن مصر والأردن يمتلكان من القدرة، ما يكفي لحماية جغرافية وديمغرافية المنطقة.