ما أن وضعت الحرب أوزارها مؤقتًا -نعم مؤقتًا- فسيفتعل المحتل حيلة أخرى؛ ليجد مبررًا لينفذ مخططه المجرم الدنيء، وهو السيطرة على الأرض بعد إحراقها، فلسفة الأرض المحروقة.
والحجة التي يتبناها هؤلاء المجرمون ومن شايعهم، هي استحالة العيش وسط هذا الدمار، ومن ثم بناء مدن جميلة على أراضٍ تُخصصها بلدان الجوار.
لكن السؤال الذي تتفرع منه أسئلة كثيرة، من الذي حرقها ودمرها وأهلك حرثها ووأد نسلها؟!
من الذي قال لكم إن أهلها سيعملون بنصائحكم الخبيثة ويتركون أراضيهم التي رويت بدماء آلاف الشهداء الذين كانت غالبيتهم من الأطفال؟!
لا ولن يتركوا أرضهم لماذا؟!. لأن تلك عقيدة ثابتة عند كل ذي عربي أصيل، لسبب قد لا يتوافر لديكم، (الأرض عرض)، فالذي يفرط في عرضه وشرفه سيفرط في أرضه.
ثم من الذي همس في آذانكم أن بلدان الجوار ستفرط في شبر من أراضيها لبناء مستوطنات، حتى وإن كانت مؤقتة كما تدعون يا من استبحتم الأراضي واستوطنتموها وأخرجتم أهلها وغيرتم ملامحها وحاولتم طمس هويتها بغير وجه حق.
هل ظننتم أنكم ملكتم الدنيا فرحتم توزعون الأدوار وتقسمون المهام، هؤلاء يعطون، وهؤلاء يستقبلون، ومن يريد مخالفتنا أو يعصي أوامرنا، تُكال له التهديدات، بفرض عقوبات عسكرية أو اقتصادية تارة، وتارة أخرى بوقف المعونات، وتارة ثالثة بالتلويح بسياسة الاغتيالات بشتى صنوفها وأبشعها الاغتيال السياسي وتأليب الشعوب على حكامها، وإذا لم تجدِ، الاتجاه إلى سياسة القتل كما حدث مع قادة المقاومة سواء في غزة أو لبنان.
إن مبدأنا إعمار بلا تهجير، وتلك خطة عاجلة غير آجلة أطلقتها مصر على لسان رئيسها الذي يقف وراءه شعبه عن بكرة أبيه، وإن صدق حدسي، ستكون هذه الخطة عنوانًا لكل لقاءات القمم القادمة بين الزعماء العرب والمسلمين، بل وستكون عنوانًا لكل المؤتمرات والاجتماعات القادمة.
سواء على المستوى المحدود عبر اجتماعات مغلقة، أو على نطاق أوسع مفتوح عبر منصات شرعية عربية ودولية، سواء عن طريق عقد قمم عربية طارئة، تُرفع قراراتها إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعتمدة.
عبارة رصينة، إعمار بلا تهجير، ستجد قبولًا منقطع النظير محليًا وإقليميًا ودوليًا، وأركز على مصطلح دوليًا - إن صدقت النوايا - ولم توضع أمامها العراقيل، وإن كنت أرى أنه ستوضع أمامها مئات العراقيل، والجميع يعلم من سيعارضها.
فسيعارضها كل ذي مصلحة، وكل ذي منفعة، كل من يهمه أن يظل الوضع كما هو عليه، كل من مبدأه معكوسًا نعم للتهجير... لا للتعمير.
بُغية إكمال المخطط وإكمال مشروع التصهين وضم قطاع غزة إلى الضفة الغربية وجعله مستوطنات وجعله ملاذًا لهؤلاء المحتلين تمهيدًا لتحقيق حلمهم الذي سيصبح كابوسًا لهم وعليهم.
إن مبدأ إعمار بلا تهجير، هو في اعتقادي مبدأ أخلاقي، لماذا؟!. لأننا عندما نفرق بين الأفعال اللازمة والأفعال المتعدية، سيظهر أمامنا هذا المبدأ أنه فعل متعد أي لا يلازم صاحبه فقط، وإنما سيشمل الآخر أو سيتعدى حدود الفردية إلى الجمعية، نعم فالإعمار خلق محمود ففيه البناء والتشييد.
أما التهجير فخلق مرذول وهو فعل متعد أيضًا في جانبه السلبي، كيف؟! لأن التهجير إخلاء، وإملاء، إخلاء من أماكن بغير وجه حق، وإحلالها بأماكن أخرى بغير حق.
ومن ثم فهو يدخل ضمن الأفعال لا أقول اللاأخلاقية وحسب، بل الأكثر لا أخلاقية.
عندما وضع إيمانويل كانت القوانين الأخلاقية وفرق بين الأوامر المشروطة والأوامر المطلقة مفرقًا بين المبدأ والقاعدة قائلًا، المبدأ أساس لكل فعل أخلاقي، والقاعدة نقطة الانطلاق إلى تحقيق الفعل، فلا يمكن أن تكون هناك قاعدة انطلاق إلا إذا كانت مؤسسة على مبدأ رصين متين.
فالمبدأ ها هنا هو لا للتهجير، والقاعدة نعم للتعمير، فلا للتهجير، نعم للإعمار.
صدقت سيدي الرئيس في مقولتك التي سيخلدها التاريخ وسيسطرها بأحرف من نور شاهدًا لكم ولكل من سيسير معكم قدمًا في تحقيق هذه الخطة "إعمار بلا تهجير".
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان