حذر مبكرًا من الأطماع الصهيونية في سيناء.. جمال حمدان.. خبيئة الأمة العربية

18-2-2025 | 20:10
حذر مبكرًا من الأطماع الصهيونية في سيناء جمال حمدان خبيئة الأمة العربيةجمال حمدان
خالد عبد المحسن
الأهرام العربي نقلاً عن

مشروعه الثقافى أهم ركائز الفكر الإستراتيجى العربى
موضوعات مقترحة
الولايات المتحدة تصارع الآن للبقاء على القمة
«حمدان» التجسيد الحى للخصوصية المصرية عبر الوحدة فى التنوع

وراءنا «ماض» نفخر به، ونحيا «حاضرا» نسعى إلى أن يكون ما نبتغيه، لكن أمامنا «مستقبل»، لابد أن نعبر إليه، بهذه العبارة شديدة الدلالة، التى تلخص الحالة المصرية أوضح ما يكون، يبدأ الكاتب الزميل د. السيد رشاد برى، كتابه «جمال حمدان..خبيئة مصر»، الذى صدر حديثا عن مركز الحضارة العربية، برئاسة المفكر على عبد الحميد، وافتتحه مؤلفه  بإهداء موجع للراحل العظيم جمال حمدان، هو فى حقيقته اعتذار عن خطيئة أجيال متعاقبة فى حق هذا العبقرى المتفرد، الذى يقول فيه :«إلى د. جمال حمدان، لقد خذلناك بقدر ما أنصفتك الجغرافيا»، وأسأنا إلى أنفسنا بتجاهل أفكارك، بقدر ما خلدك التاريخ، فسامحنا وأنت فى عالمك البعيد.

بتقليب أوراق الكتاب، الذى يضم ستة فصول، سنجد المؤلف يفاجئنا بعنونة الفصول باسم مغاير للنمط التقليدى، حيث يستبدل كلمة «فصل» بلفظ «ملمح»، ربما ليقول لنا مبكرا، هذا كتاب غير تقليدى، لأنه يقترب من ملامح المشروع الفكرى والإنسانى لعبقرية مصرية وعربية وإنسانية غير تقليدية، هو جمال حمدان.

الذى يعلن المؤلف انحيازه التام لمشروعه، من خلال تقديم مجموعة من الاستشهادات المنتقاة بعناية دلالية فائقة، ليفتتح بها مداخل الفصول، مشيرًا  إلى أن إحياء مشروع جمال حمدان، فى مصر والعالمين العربى والإسلامى، هو الواجب الثقافى‮ (‬المقدس‮)، ‬الذى‮ ‬غفل عنه الكثيرون‮ - ‬باستثناءات محدودة،‮ ‬محترمة - ربما لمشقته،‮ ‬أو لصعوبة البحث فيه، برغم أنه من أهم المرجعيات الحقيقية لذاتنا الثقافية، وأبرز مقومات وجودنا الحضارى،‮ ‬وقدرتنا فى المستقبل على مواجهة تداعيات مخططات تجريف هويتنا الثقافية والحضارية، فتتخلى الأمة شيئا فشيئا عن موروثها الحضارى وخصوصيتها الثقافية، أو تتركه يذبل ويندثر مع مرور الوقت، فتنشأ أجيال متتابعة على فراغ قيمى وحضارى هائل، تشغله على الفور قيم وتشوهات العولمة الاستهلاكية الشائهة التى تجتاح فى طريقها أى شىء، وكل شىء من أجل هدف واحد هو الهيمنة الثقافية، وتفتيت أمتنا - راجعوا خرائط برنارد لويس ومخطط الشرق الأوسط الجديد وغيرها - إلى جزر من المرايا المكسورة لا تعكس سوى الفوضى والتشوهات والتشرذمات، وإذا كان قد فات علينا تقدير هذا المشروع،‮ ‬وتكريم صاحبه‮ «‬القيمة والقامة» فى حياته ولم يكن، باستغنائه، فى حاجة إلينا، فنحن الآن فى أشد الحاجة إلى الاقتراب منه وتأمل مشروعه بعد رحيله، وتحاول  هذه الأوراق، مجرد الاقتراب من ملامح مشروع «د. جمال حمدان «الفكرى‮ - ‬الإنسانى،‮ ‬دون أى ادعاء بالإحاطة الشاملة لمعطيات هذا المشروع،‮ الذى يحتاج إلى آلاف الدراسات والأبحاث بما يليق بضخامته وعمقه واتساع روافده وخصوصيته، وفرادة وعبقرية صاحبه،‬ وهى محاولة للفت انتباه، وإثارة وعى الأجيال الحالية والقادمة، عبر ملامح هذا المشروع، إلى فكرة القدوة فى أرقى، وأسمى، وأزهى سماتها‬، ممثلة فى «جمال حمدان»، وهى أيضا بهذا المفهوم رسالة إلى القائمين على أمر هذه الأمة، بإعادة قراءة أفكار خبيئتها العبقرية، واتخاذ تحذيراته على محمل الجد، وتأمل رؤاه وأطروحاته، ودراسة حلوله وآلياته للمزمن والطارئ من مشكلاتنا وأزماتنا، والأهم تدريس كتبه ومؤلفاته، وفى مقدمتها رائعته الموسوعية» شخصية مصر»، فى مدارسنا وجامعاتنا كخطوة حقيقية وجادة نحو إصلاح مناهجنا التعليمية، وفى ختام مقدمته يوجه المؤلف رسالة أراها شديدة الأهمية والخطورة، لأنها تستهدف منطقة الوعى الجمعى العام من ناحية، والضمير الوطنى العام من ناحية أخرى، حيث يقول: «يبقى التأكيد أن مستقبل أمتنا، ومكانتها بين الأمم، قضية مصير مرهونة بموقع وقيمة العلم والمعرفة والإبداع والفكر، فى أولويات منظومة القيم الأساسية لها، وفى هذا السياق يقدم المؤلف ربطًا تاريخيًا ضافيًا بين جمال حمدان وآبائه وأجداده من بنائى مجد، وحضارة أمته، وذلك تحت عنوان «بدء» قائلًا: حينما لخص أحد أجداده من المصريين القدماء قبل ثمانية آلاف عام جوهر الحكمة قائلًا: كن كاتبًا فالكاتب سيد نفسه، كان بناءً عظيمًا، وعندما نجح أحد آبائه من الجغرافيين العرب المكتشفين، نهاية الألفية الأولى من الميلاد، فى فصل الوهم عن الحقيقة، ورسم أول خارطة لموانئ الأرض التى تحدثت عنها مغامرات السندباد كان بناءً عظيمًا.. وها هو «خبيئة مصر» والتجسيد الحى والمبهر لتفرد جيناتها الإبداعية المتراكمة عبر آلاف السنين.. وبشارتها العبقرية للأمة العربية والإنسانية كلها «د. جمال حمدان»، يواصل فى الألفية الثانية بعد الميلاد مسيرة أجداده من البنائين العظام، باعتبار مشروعه الفكرى واحدًا من أهم ركائز الفكر الإستراتيجى لأمته المصرية والعربية، بل الإنسانية كلها فى هذا العصر.. حيث قرر «حمدان»، مبكرًا، الانحياز إلى الاختيار الصعب، فاختار الجلوس فوق جسر معلق فى المسافة بين الجغرافيا والتاريخ، السياسة والاقتصاد، الفلسفة والشعر، الموسيقى والرسم، مجسدًا بحق تلك الخصوصية المصرية المتفردة، «الوحدة فى التنوع»، فتوجته «جغرافيا الحياة» ملكًا لها بلا نظير، وخلّده تاريخ العبقرية الوطنية دون جدال، وأصبحت مصر لديه المعادل الموضوعى لوجوده، فأوقف مشروعه الإنسانى ونبوغه العلمى عليها.. وصار موقدًا لضوئها حتى فى أحلك لحظات تراجعها وعزلتها، واستغنى بها «وحدها» عما عداها حتى نفسه، فصارت له «وحده» وطنا فى عزلته، يشعله ويشتعل فيه، لكى يضئ لنا طريق التأمل.. تحاور معها، لتحمله على خاصرة نيلها وتبوح له بأسرار عبقرية موقعها، وموضعها، وهى فى ذلك كله تحمّله مسئولية تحريضنا، بعبقرية رؤاه وأفكاره وإبداعاته، على اكتشاف خارطة «موقعنا» وجوهر «موضعنا».. والأهم أن يمنحنا حلمًا لا يملك «أحد»، من أعداء الداخل أو الخارج، أن يمنعه مهما احتشد واقعنا بالارتباك أوالاختلال، أوأحاطت بنا وانهمرت علينا تداعيات الأطماع من هنا وهناك فى الأرض والدور والمكانة والحضارة وحتى التاريخ، على قساوتها وفداحة أثمانها.. وفى هذا الإطار يطرح المؤلف فى الملمح الأول، الذى جاء بعنوان «موقد الضوء.. ملمح إنسانى»، بلغة أقرب إلى الشاعرية، قراءة فى مسيرة د. جمال حمدان، منذ إرهاصات ولادته فى الرابع من فبراير 1928، حيث حط مثل سهم بارق فوق فرن ساخن بقرية “ناى” بمحافظة القليوبية، فى جنوب دلتا النيل، حتى رحيله، ويا للغرابة محترقا أيضا بنيران البوتاجاز فى السابع عشر من إبريل 1993م.

فيما يتناول الملمح الثانى، قضية التفكر الإستراتيجى واستشراف المستقبل كأبرز سمات مشروع حمدان، فقد تنبأ بمشاكل المياه بوادى النيل.

كما أدرك مخاطر الشحّ المائى الناتج عن الإستراتيجية الجديدة لدول منابع النيل، حيث قال: «من المتغيِّرات الخطرة التى تضرب فى صميم الوجود المصرى، ليس فقط من حيث المكانة لكن المكان نفسه، إنه لأول مرة يظهر لمصر منافسون ومطالبون ومدعون هيدرولوجيـاً (مائيـاً)»، تنبؤات كأنها كانت حين تسطيرها قبل نيِّف وثلاثين عامـاً قراءة فى كتاب المستقبل.

ويلفت ”حمدان” نظرنا إلى أن “‏الولايات المتحدة تصارع الآن للبقاء على القمة، لكن الانحدار لأقدامها سارٍ وصار والانكشاف العام تم، الانزلاق النهائى قريب جدًا فى انتظار أي ضربة من المنافسين الجدد ـ أوروبا، الصين، روسيا”‏‏، حيث تتحول أمريكا تدريجيًا إلى عملاق سياسى وقزم اقتصادى‏”،‏‏ وتلك الرؤية تبدو فى طريقها إلى التحقق - ولو ببطء - وتدل على ذلك الآلاف من حالات الإفلاس والركود التى يعانى منها الاقتصاد الأمريكى، هذه القدرة على استشراف المستقبل تبدو واضحة أيضا، فى توقع جمال حمدان، لسعى الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات، حيث أكد أنه “بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتى، أصبح العالم الإسلامى هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد‏.

 فيما يتناول الملمح الثالث الذى جاء تحت عنوان “الناصرية”، بوصلة مصر، رؤيته لقضايا محيطه الداخلى، متمثلا فى إيمانه بناصرية مصر ، باعتبارها حاصل جمع التاريخ والجغرافيا، وقاعدة انطلاق مصر للمستقبل، فالناصرية “بوصلة مصر الطبيعية”، مع احتفاظ كل مصرى بحقه المطلق فى رفض عبد الناصر، وقد دافع د. جمال حمدان بشدة عن دوائر الاهتمام الناصرى الثلاث، وهى: العالم العربى، والقارة الإفريقية والدائرة الأوسع العالم الإسلامى، من منطلق أن الاهتمام بهذه الدوائر ناتج عن فهم كبير مستمد من علم الجغرافيا السياسية.

 أما الملمح الرابع، فقد تناول رؤية د. جمال حمدان للعالم الخارجى، متمثلة فى إستراتيجيته واضحة، المعالم لتفنيد ودحض ومقاومة المشروع الصهيونى، محذرًا من الأطماع الصهيونية فى سيناء، فالذى يسيطر على فلسطين يهدد أي خطوط دفاع عن سيناء، وقبيل رحيله، رسم ”حمدان” ملامح حلم التعمير السيناوى، حيث تطلع إلى أن يكون الساحل الشمالى غنيا بالزراعة، والغربى نشيطا فى مجال التعدين والشرقى فى مجال الرعى، وأن تكون قناة السويس مزدوجة، ويتجمع العمران الكثيف حول ضفتيها، وأن تكون هناك سلسلة من الأنفاق تحت القناة تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية. ويطوف الملمح الخامس مع قراءات ورؤى بعض الكتاب عن جمال حمدان.

وفى الختام يقدم الملمح السادس بانوراما عن جمال حمدان وبعض مؤلفاته، وتبقى الإشارة إلى أن الكتاب، يعد إضافة مهمة للمكتبة الثقافية المصرية والعربية، خصوصا فى هذا التوقيت المفصلى من حياة الأمة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: