أحمد أبوالغيط: ظهور تطبيق صينى فى هذا المجال أحدث هزة مفاجئة فى الأسواق وشركات التكنولوجيا
موضوعات مقترحة
محمد أحمد اليماحى: بناء منظومة ذكاء اصطناعى عربية يتطلب شراكة بين الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص
عمرو طلعت: التصدى للتحديات يحتاج رؤية موحدة وحضورا دوليا يعبر عن إرادة شعوبنا وتطلعات حكوماتنا
إسماعيل عبد الغفار فرج: تعزيز التعاون العربى والدولى فى مجال الذكاء الاصطناعى عبر إنشاء شبكات بحثية ومراكز متخصصة
فى إطار البحث عن وسائل أمنة وهادفة نحو الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، لتحقيق التنمية فى مختلف ربوع العالم العربى، مع الاهتمام بالتحديات الأخلاقية التى تواجهنا فى طريقنا لتحقيق ذلك، فضلا عن وضع التشريعات المناسبة للوصول إليه، ولصياغة وثيقة تاريخية، تدعو إلى الحفاظ على الهوية العربية فى ظل التقدم التكنولوجى، انطلقت أعمال دائرة الحوار العربية حول «الذكاء الاصطناعى فى العالم العربى: تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية»، التى ناقشت تحديات الذكاء الاصطناعى وكيفية مواجهتها.
فى مستهل جدول أعمال دائرة الحوار العربية، طالب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، العلماء العرب، بوضع وثيقة لتنظيم الذكاء الاصطناعى، بما يتماشى مع القيم والمصالح العربية، ويضمن احترام تراثنا الثقافى وإثراءه، مشيرا إلى أن عددًا كبيرًا من الدول العربية، تسعى وبقوة لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الذكاء الاصطناعى، ومواكبة تطورات ومتطلبات العصر الحديث فى هذا المجال المهم، واستغلال الطاقات والفرص الكامنة لديها، وهو ما وضح خلال الفترات الأخيرة، حيث أطلقت العديد من الدول العربية مبادرات لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعى، فى الكثير من القطاعات الحيوية.
وذكر أبو الغيط، العديد من التطورات المتسارعة فى مجال الذكاء الاصطناعى، خصوصا على صعيد ما يعرف بـ “النماذج اللغوية الكبيرة”، والذكاء التوليدى، لافتا النظر إلى أن المشهد أقرب إلى “سباق التسلح”، بين القوى الكبرى فى ابتداع منظومات وتطبيقات جديدة لهذه التكنولوجيا الخطيرة، بكفاءة وإمكانيات أكبر وتكلفة أقل، كما كشف عن أننا أخيرا تابعنا كيف أدى ظهور تطبيق صينى جديد فى مجال الذكاء الاصطناعى إلى هزة مفاجئة فى الأسواق، ولدى الشركات التكنولوجية الكبرى، ذلك أن هذه المنافسة الضاربة، سوف تزداد حدتها فى المرحلة المقبلة، فلا أحد يمكنه تحمل تكلفة التخلف فى هذا المضمار، لاسيما أن له انعكاسات عسكرية مباشرة.
وأوضح، أن ثمة تخوفات واضحة لدى الكثير من الأوساط، من تأثير هذه المنافسة على القواعد والقيم الإنسانية والاعتبارات الأخلاقية، وما يمكن أن تفضى إليه من نتائج كارثية على البشرية، ورأينا على حد قوله: بالفعل بعض التطبيقات الشريرة التى استخدمها ووظفها الاحتلال الإسرائيلى خلال الحرب الوحشية على غزة، التى كان من شأنها مضاعفة الخسائر بين المدنيين، وارتفاع حصيلة الشهداء الفلسطينيين، بينما ندين هذه الجوانب غير الأخلاقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعى، فإننا نشدد فى الوقت نفسه، على ما تتيحه من إمكانيات غير مسبوقة للنمو والازدهار البشرى، وإيجاد التوازن المناسب بين المخاطر المحتملة والمنافع المنتظرة، هو سؤال كبير فى عصرنا الراهن.
وأضاف أبو الغيط، قائلا: إنه يجب ألا تتأخر المنطقة العربية عن ملاحقة ومواكبة هذا التطور المهم، ويتعين أن يكون علماؤنا وسياسيونا ومفكرونا مواكبين لكل ما يدور بشأن الذكاء الاصطناعى فى العالم، خصوصا أنه ملف سيشمل جميع جوانب الحياة بلا استثناء، حيث ستعيد هذه التكنولوجيا ذات الأغراض العامة، تشكيل الطريقة التى نعمل ونتفاعل ونعيش بها، بشكل يدفع نمط الحياة إلى التغير بوتيرة، لم نشهدها منذ انتشار استخدام المطبعة قبل ستة قرون مضت.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعى ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل هو ثورة فى طريقة التفكير والعمل، ومنصة لإنتاج التكنولوجيا والأفكار الجديدة فى جميع المجالات، ويجب استخدامها بحكمة ومسئولية فى جميع المجالات المتاحة، وأكد أن التحديات الناتجة عن الذكاء الاصطناعى، تتطلب تضافر الجهود لتطوير أطر تشريعية تضمن حماية حقوق الأفراد، وتضمن الحفاظ على القيم الإنسانية والأخلاقية، ولن يكون الوصول إلى هذا الهدف ممكنا، إلا من خلال التعاون البناء بين جميع مكونات المجتمع، وعلى جميع المستويات، فضلا عن تعاون عالمى ندعو إليه وننشده، من أجل إدخال الذكاء الاصطناعى ضمن منظومة العمل متعدد الأطراف، وعدم تركه لقوى المنافسة العالمية.
توطين الصناعة
وفى السياق ذاته، أكد محمد أحمد اليماحى، رئيس البرلمان العربى، ضرورة توطين صناعة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى الدول العربية، ووضع الخطط وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لذلك، من أجل مواكبة السباق العالمى المحموم فى هذا المجال، وبما يضمن فى الوقت ذاته التوظيف الآمن لهذه التكنولوجيا على نحو يتناسب، ومنظومة الأخلاق والثقافة فى المجتمعات العربية، وأضاف أن بناء منظومة ذكاء اصطناعى عربية تتسم بالابتكار والاستدامة، يتطلب شراكة قوية بين الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص، إلى جانب وجود منظومة قانونية وتشريعية قوية، تضمن تحقيق التوازن بين الإبداع التقنى والمسئولية الأخلاقية، وأوضح أن البرلمان العربى أدرك مبكرا أهمية حوكمة استخدامات الذكاء الاصطناعى، ووضع إطار قانونى منظم لها بما يتناسب مع خصوصية دولنا العربية، ومنظومة القيم والأخلاق الخاصة بها، حيث صدر قبل ثلاثة أعوام أول قانون عربى استرشادى فى مجال الذكاء الاصطناعى، بهدف وضع إطار قانونى وتنظيمى، يساعد الدول العربية على الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعى، مع ضمان الاستخدام الآمن والمسئول لهذه التكنولوجيا، لذا خصص البرلمان العربى مؤتمره السادس مع رؤساء البرلمانات، والمجالس العربية العام الماضى، حول موضوع “التوظيف الأمن للذكاء الاصطناعى”، وإصداره وثيقة تتضمن عددا من المرئيات البرلمانية التى تهدف إلى تعزيز التعاون العربى فى هذا المجال، وتوفير خارطة طريق واضحة، لتطوير سياسات وطنية تدعم الابتكار وتحد من المخاطر.
وأشار اليماحى إلى أن البرلمان العربى على استعداد تام، لمواصلة جهوده لتعزيز التعاون العربى المشترك فى هذا المجال، ودعم جميع المبادرات التى تسهم فى وضع الدول العربية، فى مصاف الدول الرائدة فى مجال الذكاء الاصطناعى، ليس فقط تقنية متقدمة، بل أداة للنهضة التنموية التى نتطلع إليها جميعا فى عالمنا العربى، خصوصا إذا ما تم تسخيرها بالشكل الصحيح، وضمن إطار أخلاقى مسئول.
تحديات جديدة
كما أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن التطورات التكنولوجية أدخلت تحديات جديدة على الحكومات العالمية، لاسيما المتعلقة بالمنافسة الجيوسياسية فى السباق الرقمى، إزاء الريادة فى قضايا الذكاء الاصطناعى، وسد الفجوة الرقمية ودرء المخاطر السيبرانية، وطالب الدول العربية بالتصدى لهذه التحديات برؤية موحدة، تضمن حضورا دوليا فاعلا يعبر عن إرادة شعوبنا، وتطلعات حكوماتنا، ذلك أننا خلال العامين الماضيين، شهدنا حراكا وتحولا غير مسبوق فى دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على الساحة الدولية، الذى بات يعيد تشكيل الاقتصاديات، ويحدث ثورة فى الصناعات ويغير المجتمعات بصورة مطردة، ربما منذ بضعة أعوام كنا نتحدث عن التكنولوجيات البازغة مثل الذكاء الاصطناعى وسلاسل الكتل والحوسية الكمومية وإنترنت الأشياء، بنظرة استشرافية للمستقبل متطلعين لما ستحدثه من آثار فى شتى القطاعات، ولكننا الآن نقر جميعا أن هذه التكنولوجيات لم تعد وعودا مستقبلية، بل أضحت القوى الدافعة لعالمنا اليوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتتداخل مع قطاعات الزراعة والصحة والتعليم والقطاع المصرفى.
التعاون العربى
ولم يبتعد الدكتور إسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، عن هذه الرؤية، من حيث أهمية تعزيز التعاون العربى والدولى فى مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال إنشاء شبكات بحثية ومراكز متخصصة، لدعم تبادل الخبرات والتجارب، ووضع إطار أخلاقى وتشريعى، يضمن الاستخدام المسئول للذكاء الاصطناعي، بما يحمى القيم الثقافية والخصوصية، ويحد من المخاطر المرتبطة بهذه التقنية. لافتا النظر أن هذا الحدث الذى يجمع نخبة من المسئولين، وصناع القرار، والأكاديميين، والخبراء، ورواد الأعمال، يأتى فى لحظة فارقة، تشهد تحولات عالمية متسارعة فى مجال الذكاء الاصطناعى.
معالجة المخاطر
فى حين طالب عبد المجيد بن عبد الله البنيان، رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، بضرورة معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعى خصوصا فى ظل استخدامه فى التصدى للجرائم، موضحا أن السباق حول تطوير الذكاء الاصطناعى، سوف يستمر فترة من الزمن، لكن هذا يستوجب التعامل مع مخاطره، حيث إن الجرائم الإلكترونية استفادت من تقنياته، لذا فإن هذه التحديات الكبيرة تتطلب اهتمام الجميع للتعامل معها، ووضع التشريعات اللازمة للحد من الأخطاء ومنع وقوعها، والمساعدة على التنبؤ بها فى المستقبل. وأكد أن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تقوم بتنفيذ قرارات مجلس وزراء الداخلية العرب التى تؤكد أهمية ملف الذكاء الاصطناعى، ولذلك وضعته على رأس أولوياتها الإستراتيجية، وتم إنشاء مركز متخصص للذكاء الاصطناعى، تستقطب فيه عددا من الخبراء لتقديم برامج متخصصة لإعداد الكوادر العربية فى هذا المجال.
التحول الرقمى
وفى السياق ذاته، أكد الدكتور محمد الجمني، مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، أهمية دعم التحول الرقمى فى التعليم، وتعزيز استخدام التقنيات الذكية لتطوير المحتوى التعليمى باللغة العربية، مع ضروة وضع ميثاق عربى لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، يضمن الاستخدام المسئول لهذه التقنيات، مع مراعاة حماية البيانات وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتقليل التحيز فى النماذج اللغوية. وطالب بضرورة التعاون بين الحكومات والجامعات والشركات الناشئة، لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى التى تحترم القيم الثقافية العربية، وتسهم فى تعزيز التنمية المستدامة فى المنطقة.