نبيل كحلوش: القانون والعرف والمبدأ كلها مع الحق الفلسطينى وليس عكس ذلك
موضوعات مقترحة
بهلولي أبو الفضل: هناك تطور كبير في المركز القانوني لدولة فلسطين
رابح زاوي: أي عمليات نقل قسري خارج القانون تعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني
لم يلتقط الشعب الفلسطينى أنفاسه بقرار وقف الحرب، حتى فوجئ بخروج الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بقرارات تحث الفلسطينيين على التهجير القسرى والخروج من أراضيهم بحجة تبنى الولايات المتحدة لعملية إعادة إعمار غزة من جديد، وهو التهجير التعسفى الذى يتناقض مع كل أعراف وبنود القوانين الدولية، بما فيها بنود اتفاقية جنيف وقانون روما الذى يحرم التهجير التعسفى والقسرى للمدنيين.
بداية يرى نبيل كحلوش، الباحث فى الدراسات الإستراتيجية بالجزائر، أن الإجبار التعسفى على نقل الأفراد والجماعات من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى، يعتبر انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان وللقانون الدولى الإنساني، كما أنه انتهاك للمواثيق والأعراف والعهود الدولية أيضا، ويستكمل حديثه قائلا: إذا جرى هذا الفعل فى إطار نزاع مسلح أو عنف جماعى، فإنه يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، فهو بالتالى مدان قانونا وعرفا ولا يمكن لمرتكبه إلا أن يكون محل إدانة ومتابعة وعقاب.
ويضيف: بعد الحرب العالمية الثانية كان لابد من معالجة الظواهر التى انتشرت فيها ومن بينها التهجير القسرى داخل أوروبا، ولهذا شهدت تلك الفترة طفرة قانونية دولية تميزت بالاهتمام الكبير بتدوين القوانين والمواثيق والتى أظهرت فيما بعد أهميتها المرجعية فى النزاعات الدولية لتكييف الظواهر تكييفا قانونيا حتى ولو كان التطبيق يختلف من مكان إلى مكان ومن نزاع إلى نزاع، فسمو القانون لا يسقطه انتهاكه.
ويمضى كحلوش فى حديثه: أولا التهجير فى القوانين والاتفاقيات الدولية بمقتضى اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) فإن المادة 2 منها تعتبر نقل الأطفال قسراً من مجموعة إلى أخرى كجزء من جريمة الإبادة الجماعية، وهذا يعنى أنه ما عدا الهلاك الممنهج الذى تسبب به الاحتلال بواسطة الجهد العسكرى والأمنى والذى تم تصنيفه كإبادة جماعية، فإن هذه الإبادة لن تفارقه بمجرد خروج الفلسطينيين بل ستلاحقه أيضا فى سياسة التهجير لأنها تشمل أساسا نقل الأطفال خارج القطاع المحاصر، لكى يتم إفراغه من النسل الفلسطينى مستقبلا، وهذا يصنف نوعا من أنواع الإبادة الجماعية. أما على مستوى القانون الدولى الإنسانى فإن التهجير القسرى جريمة حرب ضد الإنسانية أيضا، فقد أتت اتفاقيات جنيف الأربع مع بروتوكولاتها لتشكل الأساس القانونى لهذه الظاهرة، وتنص المادة 49 من الاتفاقية الرابعة على أنه يحظر التهجير القسرى الجماعى أو الفردى للأشخاص المحميين من الأراضى المحتلة إلى أراضى الدولة المحتلة أو أى دولة أخرى، إلا لأسباب تتعلق بأمن المدنيين أو لأسباب عسكرية قهرية، وتشير المادة هنا إلى أنه يحظر تهجيرهم ولو داخل أراضى دول الاحتلال، بينما الكيان لم يهجرهم داخل الأراضى التى احتلها، وإنما قد تسبب فى تهجيرهم حتى إلى قارات أخرى فى تناقض صارخ مع القانون.
ويؤكد خبير الدراسات الإستراتيجية، أن الحرب فى قطاع غزة قد تصنف كنزاع دولى مادامت فلسطين دولة قائمة منذ 1988 - مثلما قد تصنف كنزاع غير دولى ما دامت فلسطين لم تنل عضويتها، وبمقتضى القانون الدولى العرفى، فإنه ينص فى القاعدة 129 على أنه "تحظر المبادئ العرفية التهجير القسرى للمدنيين فى النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية"، مما يعنى أن الاحتلال لم ينتهك القوانين، فحسب بل تجاوزها حتى إلى أكثر الأعراف بداهةً وانتشارا.
وعن الجانب القانونى لتهجير الفلسطينيين، يتحدث د. بهلولى أبو الفضل، أستاذ القانون الدولى، قائلا: من الناحية القانونية فلسطين كانت تحت الانتداب البريطانى عملا بالفقرة الرابعة من الفصل العشرين من عصبة الأمم المتحدة والذى يسمح للمجتمعات التى تطورت أن تكون مستقبلا دولا مستقلة، وفلسطين ينطبق عليها هذا النص القانونى إلا أن بريطانيا نفذت ما يعرف بوعد بلفور وهذا الوعد الذى أخل بالتوازنات آنذاك لم ينص على إنشاء الدولة الفلسطينية، لذلك فإن حرب عام 1948 أثرت على توازن القوى بالإضافة إلى اعتراف البعض فى الأمم المتحدة بالشعب الفلسطيني، وهنا لابد من أن نشير أن هناك تباطؤا باعتراف الأمم المتحدة بالشعب الفلسطينى إلى غاية قرارات الجمعية العامة المتأخرة سواء فى عام 1960 أو 1970، حتى أن مجلس الأمن بدوره لم يعترف بالشعب الفلسطينى حتى قرار رقم 605 الصادر فى تاريخ 2 ديسمبر 1987، وهذا تباطؤ كبير حتى أن الجمعية العامة هى الأخرى استعملت مصطلح الدولة الفلسطينية إلى غاية عام 1988 بدلا من تسمية منظمة التحليل الفلسطينية .
ويشير أبو الفضل أن هناك تطورا كبيرا فى المركز القانونى لدولة فلسطين وبالتالى أخذها لحقها والمكان الطبيعى لها نقطة أساسية ومهمة لأن هناك تراكما للظلم فى المجتمع الدولى للشعب الفلسطينى وكأن القانون الدولى لا يطبق على فلسطين.
ويعلق أستاذ العلاقات الدولية على تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب قائلا: إنها تأتى فى أكثر من سياق، أولا فى ظل السياق المتعلق بالهدنة ومدى تنفيذها، والسياق الثانى وهو تنفيذ الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية بإنهاء الاحتلال، وكذلك اعتبار أن ما تقوم به إسرائيل غير قانونى ولا يتماشى مع القانون الدولى، وقد أوكلت الى الجمعية العامة ومجلس الأمن صلاحيات تنفيذ هذا الرأى الاستشاري، وبالتالى اليوم نحن فى مرحلة تنفيذ هذا الرأى وهو إنهاء الاحتلال، وهذا التزام قانونى يقع على عاتق المجتمع الدولى وعاتق الدولة الثالثة فيما يعرف بحق تقرير المصير وحق الاستعمار. ولذلك مثل هذا التصريح من شأنه أن يعرقل التنفيذ الميدانى والعملى للرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية، خصوصا أن فى هذه المرحلة هناك الكثيرين من وزراء الدول، يدرسون كيف يتعاملون مع الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية وكيف يتم تنفيذه وإنهاء الاحتلال لأن الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية جاء بنقاط قانونية مهمة أولها أن الاحتلال الإسرائيلى ينتهج قاعدة قطعية فى القانون الدولى، كذلك أن الاحتلال يمنع الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه فى تصفية الاستعمار، النقطة المهمة هى أن قرار محكمة العدل الدولية أشارت إلى ما يسمى الوحدة الترابية للأراضى الفلسطينية وهذا أمر مهم وأساسى نحتاجه فى قيام الدولة الفلسطينية.
ويمضى أبو الفضل فى حديثه قائلا: محكمة العدل الدولية أكدت على حق تقرير المصير وهو أمر لا نقاش ولا جدال فيه، كما أشارت إلى أنه لا يمكن أن يتحول الاحتلال إلى السيادة لأن نية إسرائيل واضحة وهذا يخالف المادة ٦٤ من اتفاقية جنيف وهو ما تشير إليه أيضا المادة ٩٤ من نفس الاتفاقية ومضمونها، أن الأفراد لا يجبرون على الخروج من أراضيهم، وإسرائيل تعمدت التهجير والامتداد والتطهير العرقى وهو أمر غير مشروع ومحظور حتى بالنسبة لمجلس الأمن، لذلك نلاحظ أنه من الناحية التاريخية كل قرارات مجلس الأمن منذ بداية النزاع تدعو لتسوية القضية الفلسطينية وليس إلى تصفيتها.
ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية، أن الرئيس الأمريكى يتبنى نظرية وضع اليد على الأراضى غير المملوكة لأحد، وهذه النظرية كانت موجودة سابقا فى القانون والمجتمع الدولى غير المتطور لكنها لم تعد لها أى وجود ميدانى لذلك اليوم كما نلاحظ أن قرار 18 الصادر عن الجمعية العامة وهو ما يسمى بخطة التقسيم هو ما ينشئ الدولة الفلسطينية ويحدد معالمها.
ويتفق مع الرأى السابق د. رابح زاوى، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قائلا: فى حقيقة الأمر توجد فقرات ونصوص فى القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى تجرم تهجير السكان القسري، سواء فى حالات النزاع المسلح أم الاحتلال أو حتى فى ظل الظروف الأخرى، ومن جهة أخرى نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية (خاصة ١٩٩٨) المادة ٧ والتى تصنف "إبعاد السكان أو النقل القسري" كجريمة ضد الإنسانية إذا ارتكبت كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجى ضد المدنيين، فيما تعتبر المادة٨ التهجير القسرى فى سياق النزاعات المسلحة الدولية "جريمة حرب"، خاصة إذا نفذته دولة الاحتلال بنقل سكانها إلى الأراضى المحتلة أو إخلاء سكانها الأصليين .
ويضيف: الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن البروتوكول الإضافى الثانى لاتفاقيات جنيف١٩٧٧ - المادة ١٧"تحظر إبعاد المدنيين" فى النزاعات المسلحة غير الدولية إلا لأسباب تتعلق بسلامتهم أو لضرورة عسكرية قصوى، كما تعتبر أى عمليات نقل قسرى خارج هذه الاستثناءات انتهاكا للقانون الدولى الإنساني. كما سبق لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ١٩٤٨ المادة ٢ والتى تدرج التهجير القسرى كأحد أفعال الإبادة الجماعية إذا نفذ بقصد تدمير جماعة عرقية أو دينية كليًا أو جزئيًا، خاصة عبر إلحاق أذى جسدى أو نفسى خطير، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى التدمير المادي. وعلى الرغم من إصدار الأمم المتحدة لثلاثة قرارات مهمة فى نفس الموضوع فإن العالم لايزال يعيش الكثير من الحالات المماثلة، على غرار القرار ١٩٤ لعام ١٩٤٨، والتى تؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم. والقرار لعام ٢٤٢ لعام ١٩٦٧، الذى ينص على عدم جواز الاستيلاء على الأراضى بالقوة، مما يجعل التهجير المرتبط بالاحتلال غير قانونى، وأخيرا القرار ٢٣٣٤ لعام ٢٠١٦، الذى يدين الاستيطان الإسرائيلى ويشدد على أن التهجير القسرى لسكان الأراضى المحتلة انتهاك للقانون الدولى .