في عالم كهذا تشابهت فيه الأيام، تناثرت فيه الأحداث المتلاحقات، تغيرت فيه الأحكام، صالت وجالت في أروقته وساحاته المشاهد والكلمات، تجمدت فيه المشاعر حين خلعت عن نفسها رداء الإنسانية الفضفاض؛ نحن حقًا في حاجة لانتظار عودة تلك الأيام المباركات، تلك الأيام الممتلئات بالنفحات، بالنسمات الطيبات التي تصطحب معها فيض منح ربانية تم نشرها كزخات من عطر آخاذ ملأ بعبيره الأجواء، تفتحت كزهر نبت في حدائق الأمل الذي نستقي منه في كل عام المعنى الدقيق للإيمان، بزغت كفجر لاح لنا من بعد صبر طال علينا تحمله، جاءت كمطر منهمر يغسل سجايانا، يمسح عنا غبار سنوات ثقيلات ممتلئات بالصراعات.
في ظل هذه الأيام المباركات ستجد آمالًا تولد من جديد، حين يطرق الإيمان بمعناه الشامل كل الأبواب، حين تتمسك بشعور نابع من ثقة لا متناهية في الله، تنبعث بداخلك على أثرها روح جديدة، تدعوك لترى من خلالها مشاهدًا لم تكن لتمر يومًا في الحسبان، ستدرك لحظتها أنه مهما تعقدت القضايا وتشابكت المشكلات، فعند الله دائمًا المخرج لها ولكل أمر عضال، مهما تعاظمت وتوالت ستهزم بفضل إيمان صلب بقدرة الله الذي -لا يعجزه- شيء في الأرض ولا في السماء.
كنا في الماضي نحيا حياة أبسط من تلك التي نحياها الآن، لم تكن تشغلنا أحداث عالمنا الذي لم تكن متسارعة كالتي تمر بنا الآن، تلك الأحداث التي باتت ترهق قلوبنا، تستنزف طاقاتنا؛ في الماضي كانت الأحلام تطاردنا كأسراب الفراشات، تحلق في سمائنا كطيور مغردة، تسترسل في الطرب والغناء، وبرغم مرورنا بلحظات قلق، إلا أنها كانت تغادرنا سريعًا فهى لم يكن لها قبل بالبقاء أكثر من ذلك، فكيف لها أن تقيم في عمق مكان يظلله الحب ويكسوه الوئام؟
كنا أقوى حين كنا نرى في العائلة حصن الأمان بعد حصن أقوى اسمه الإيمان بالله، كانت حياتنا تشبه حدائقًا تحملنا برفق فوق أرضها، تحتضن فينا براءتنا، تضمنا إليها بكل محبة وحنان، كان الأمل يراقبنا حين نستيقظ، يداعبنا ويشاركنا الضحكات، يهدهدنا بعد ذلك كي نهدأ وننام، يمرر نسماته الرقيقة على وجوهنا الوضاءة، يملأ أرواحنا بالراحة والسلام، يفيض علينا بنور من هداية يمهد لنا سبل الحياة، يراقب لحظة تراقص الفرحة الكبرى بأعيننا، حين تغمرنا، فنعود منه لنرتب الأشياء، ونحصد الذكريات.
كنا في الماضي نتحين الفرصة، ننتظر عودة هذه الأيام المباركات، كنا نسابق أنفسنا للسعي نحوها، كنا لا نغفل عنها، فنتقرب فيها إلى الله، نتذلل إليه طامعين في عفوه ورضاه، نخفض هاماتنا مطمئنين، نسجد قارين الأعين سعداء حين تلامس جباهنا الأرض، نبكي بين يديه أملًا في غفران لكل ذنب اقترفناه، نتبرأ منه بتوبة خالصة لا يشوبها شك، كنا نرجوه بها، نطلب منه أن يرفع عنا ما وقع علينا من بلاء وما مسنا من ابتلاء، نناجيه، نوحده، نمجده، نجدد عهدنا له بتمام الإيمان والرضا بحكمه، عساه -جل جلاله- أن يمنحنا هداية تمكننا من تعديل المسار.