أراد أحدهم أن يبيع بيته، وينتقل إلى مكان أفضل، فطلب من صديقه المتخصص في البيع والشراء، أن يساعده في كتابة إعلان لبيع هذا البيت، وكان الخبير ذا دراية بالبيت، ويعرفه جيداً، فكتب وصفاً بليغاً، أشاد فيه بالموقع الرائعِ، والمساحة الكبيرة، والتصميم المتميز، والحديقة الجميلة.. إلخ
ثم قرأ كلمات الإعلان، على صاحب المنزل، الذي كان يستمع بإصغاء وتعجب شديدين، ثم قال: أرجوك أعدْ قراءة الإعلان! ففعل صاحبه، فصاح الرجل: يا له من بيتٍ رائعٍ!!
عشتُ عُمريَّ كُلَّه أحلُمُ باقتناءِ مثلِ هَذَا البيتِ! ثم قالَ: لا تنشرِ الإعلان، فبيتي ليس للبيع!
هذا الرجل، قبل أن يفيق من غفلته، كان قد ألِفَ النِّعْمَةَ (اعتادَ عليها) ففقد الإحساس بها، حتى لم يعد يراها، إذ شغله المفقود، عن الموجودِ، فورِث الغفلة، وضاعتْ متعة هذه النِّعْمَةِ، كما ضاعتْ مُتعُ نِّعْمٍَ كثيرةٍ، بالطريقة نفسها: لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ *إِۦلَٰفِهِمۡ..
إِلْفُ النِّعْمَةِ، هو البداية لضياع السعادة المنشودة والمأمولة!
وبذلك يصبح لزاماً على الإنسان، أن يُرسخ في قلبه، وأعماق نفسه، معنى (الرضا) الذي يصنع (السعادة) فبغير الرضا، لا تتحقق السعادة: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى..
ولم يقلْ ربُّنا سُبحانَه، فتسعد، فالسعادة نفسها، في الرضا ذاته.
يقول المُعلم الأول (صلى الله عليه وسلم): عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ، فَكانَ خَيْرًا له.
السعادة هي ذلك الشيء الذي لا يمكن تحصيله في الدنيا، وستبقى وهماً يطارده الجميع! فالسعادة كلمة، لم تذكر للدنيا، وإنما للآخرة: وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ..
الإنسانُ بستطيع الرضا دوماً، لكنَّه لا يشعر بالسعادة باستمرار، فهي شعور مؤقت، مرتبط بواقعة آنية، لما يمضي زمنها، تمضي هي نفسُها!
أمّا الوصول لحالة الرضي، فهو وصول حتمي لحالة السعادة، سعادة رغم المشقة، سعادة رغم المعاناة، ربما سعادة رغم الألم!
أنا راضٍ محتسب، وأعلم أن ذلك محسوب ومُقدر عند الله، إذن ما الذي يدفعني إلى الحُزن؟ وما الذي يمنعنى من السعادة؟
ماذا لو لم يرضَ الإنسانُ؟
انقلبتْ حياتُه هماً وحُزنَاً، فَمَنْ لم يرضَ برزقِه، سرق، ومَنْ لم يرضَ، بزوجتِه، طلقَها، ومَنْ لم يرضَ بجيرانِه، قاطعَهم، ومَنْ لم يرضَ بأهلِه، عاداهم، ومَنْ لم يرضَ بمعيشتِه، هلكَ.
نحنُ البشرَ، نتعلقُ كثيراً بالنِّعْمَِ وننساها، وننسى كذلكَ المُنعمَ سُبحانَه! ونعيش العمر كله، في دوامة ودائرة مُغلقة، لا بداية لها ولا نهاية. إياكَ، حينَ تُسئلُ عن حالك، أن تقول: ماشية!! فذاكَ مُنتهى الجحودِ، إذ أنَّها، بفضل ربك، وبنعمه اللا محدودة، والتي لا يضُرها جهلك بها، ليست ماشية، والسلام، بل ماشية على مايُرام، ماشية، ونحنُ في أحسن حال، ونحنُ في زِحَام من النِّعْمَِ.
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الإِمَامِ أَحَمدَ بنِ حَنْبَلٍ، رضي اللهُ عنه، فقالَ له: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَصَدتُّكَ مِنْ خُرَاسَانَ، أَسْأَلُكَ عَن مَسْأَلَةٍ، فقالَ لَهُ: سَلْ، قالَ: مَتى يَجِدُ العَبْدُ طَعْمَ الرَّاحَةِ؟ قالَ: عِنْدَ أَوَّلِ قَدَمٍ يَضَعُهَا فِي الْجَنَّة..
صدق الإمام، وعندَها فقط، تتحقق السعادة الكاملة التامة الموصولة المستمرة..