حقا.. إنها "فاتورة باهظة الثمن"!!

17-2-2025 | 10:48

ساقتنى حاجة البيت إلى التسوق، وشراء بعض المستلزمات والمواد الغذائية الضرورية، ومن أسف وقفت فى طابور طويل خلف عربات مملؤة بكل أنواع السلع والمواد الغذائية، وكأن المجاعة تقف على الأبواب، وليس  شهر"الصوم" عن الأكل  والشرب!!

ما نراه فى هذه الفترة من كل عام يتعارض بشكل صارخ مع روحانية الشهر الكريم، وفي صورة لا تشير إلى أي من أنواع الحكمة التي يحملها ذلك الضيف، يندفع جموع الناس نحو المحلات والجمعيات التعاونية والأسواق، يحملون كل ما تقع عليه أعينهم، مما يحتاجونه وما لا يحتاجونه، مما يرفع فاتورة طعام المصريين  في شهر رمضان فقط إلى 100 مليار جنيه؛وفقا لتصريحات مساعد أول وزير التموين ورئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية السابق إبراهيم عشماوي!! 

احتفالنا كمصريين، ومعنا معظم شعوب البلدان العربية والإسلامية، بشهر رمضان كسر إطار السنن المتواترة عن الرسول وصحابته، وتحولت طقوس الشهر الكريم إلى عادات، ليصبح موسمًا لـ«الفجعة» والتفاخر، بدلاً من كونه أيامًا معدودات للمران على مواجهة الاحتياج بالصبر والقليل من الطعام.

المنازل تعلن "حالة الطوارئ" داخل البيوت استعدادًا وتحضيرًا وتجهيزًا لإقامة العزائم والولائم،   التى يجتمع عليها الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء، وهي من الأمور "المحمودة" لاشك، التي تساعد على لمِّ شمل الأسر وتدعم التواصل وتحقق الألفة بين أفراد العائلة الواحدة، إلا أن البعض قد يهتم بغذاء الجسد "على حساب" غذاء الروح. 

كل الناس يغدو في أهداف وآمال ورغبات وأماني، تتلخص فى كيفية تدبير نفقات هذا الإسراف المبالغ فيه على الأكل والشرب، فى أيام معدودات تعرف بـ "الصيام".   

ففيما بشرنا النبي "صلى الله عليه وسلم" بقدوم شهر رمضان عندما وقال: (أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)... 

رأينا الاستعداد له بتخزين كل أنواع الطعام، مع قرب أيامه لتغص الموائد بأنواع مختلفة من الطعام، بعضه لم ينل حظه من الأكل، وستكون عاقبته في حاوية القمامة! 

كلنا نعرف أن رمضان هو شهر"التوبة"، ومع ذلك لم نتب عن عادات الإسراف في المأكل والمشرب، رغم الحالة الاقتصادية الرهيبة التى تحاصرنا بارتفاع غير مسبوق في الأسعار واستغلال وجشع تجار بلا ذمة ولادين!! 

الناس عندما يرتكبون الذنوب يستصغرون شأنها، وتكون في أعينهم غير ذات بال، أو ذات شأن، ويفتقدون ثقافة الإعتذار للخالق عن تلك الذنوب، رغم إن  إظهار الضعف والمسكنة لله عز وجل، وأنك لم تفعل الذنب عن استهانة بحقه سبحانه وتعالى، ولا جهلاً به، ولا إنكارًا لاطلاعه، ولا استهانة بوعيده، وإنما كان ذلك من غلبة الهوى، وضعف القوة عن مقاومة الشهوة، وطمعًا في مغفرته سبحانه وتعالى، واتكالاً على عفوه، وحسن ظن به، ورجاء لكرمه، وطمعًا في سعة حلمه ورحمته، بلا شك سيغفر لك، ويقبل توبتك.
 
فالتوبة هي إحدى أعظم النعم التي منَّ الله بها على عباده، بعدما جعلها سبيلًا للنجاة، وسبيلًا إلى الرحمة والمغفرة، فهي مفتاح الراحة النفسية وراحة البال، وهي  ليست مجرد شعور بالندم، بل هي عملية إصلاح وإعادة بناء للروح والقلب والمعيشة.

ومن أسف  بتنا نعيش مع حلول كل شهر رمضان حالة غريبة وهجينة نتيجة "ضوضاء الفتوى الفضائية"، فارتبط الإفتاء بين "الحداثي والتراثي"، وتسابق "شيوخ الإفتاء" كل من وجهة نظره فاتيًا في أمر أو قضية؛ غالبيتها من القضايا التافهة، ونسي أعظم الفتاوى شأنا في عصرنا هذا، بعدم "الإسراف" فى كل مناحي الحياة، واكتفتوا بفتاوى أشبه بالأكلات السريعة بعدما تحولت فتاوى عدد من الدعاة بـ180 درجة مقابل ملئ حساباتهم المصرفية بملايين الدولارات، وخصوصًا الذين كانوا في خانة التشدد والقاعدة والتكفير!!

إنه شيء محير فعلا، ...لا ندري ماذا حدث لشعبنا الذي غير بسببه الإمام الشافعي ٣٠ مسألة فقهية حتى يتناسب فقهه مع طبيعة معيشة أفراده، حيث أصبح من الصعب أن تتوقع منه ردود الفعل المناسبة للموقف، أو الاستجابة لدعوات التقشف، ففي الوقت الذي تبدو فيه الأحوال المعيشية صعبة وخانقة تجده يتعايش معها ويسايرها بسلاسة، ويخلق منها «إيفيهات»، وعندما تكون هادئة رغم التجاوزات، تجده يثور بلا أى مقدمات! 

لا تتردد في الرجوع إلى الله حتى إن كثرت معاصيك ..فَالذي سترك وأنت تحت سقف المعصية لن يخذلك وأنت تحت جناح التوبة.

فمن فضلك توقف عن الإسراف.. لأن الإسراف ذنب يتطلب المغفرة عليه من الله تعالى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة