يتوارث أبناء قرية الحرانية بمركز أبو النمرس في محافظة الجيزة فن صناعة السجاد اليدوي بطريقة فريدة، لتتحول على أيديهم إلى لوحات فنية تسُر الناظرين. لا يمكن وصف إنتاج السجاد في الحرانية بأنه عملية صناعة تقليدية، بل هي قصة إبداع تتجاوز الحدود؛ حيث يبرع النساجون في رسم مشاهد مستوحاة من الطبيعة والحياة اليومية، بخيوط من الصوف وألوان طبيعية يستخرجونها من النباتات. بداية المسيرة الفنية لصناعة سجاد الحرانية قبل 73 عامًا بدأت المسيرة الفنية لصناعة السجاد في قرية الحرانية، بعد أن أطلق المهندس المعماري رمسيس ويصا واصف عام 1951 مشروعه الفني؛ على خلفية إيمانه بأن الإبداع يولد بالفطرة، وأن الأطفال قادرون على إنتاج أعمال فنية مذهلة إذا أتيحت لهم الفرصة. للإبداع قصص تروى أمام نول خشبي كبير، يجلس الحاج علي سليم 64 عامًا، نسّاج، داخل غرفة بالكاد تكفي وجوده امام نوله الخشبي، تتحرك يديه بخفة لنسج سجادة جديدة يعمل عليها. «شغال في الحرفة دي من وأنا عندي 8 سنين»، يحكي علي سليم لـ«بوابة الأهرام» عن بداية عمله في صناعة السجاد اليدوي بالحرانية، موضحًا عمله في نفس المكان، ولم تتغير طبيعة عمله الذي يؤديه ولا يعمل في أي مهنة أخرى. «باشتغل على حسب قدرتي.. ومش مرتبط بوقت في الشغل.. أنا باشتغل بعشق للمهنة دي وباعطي كل وقتي لها علشان أبدع فيها» بابتسامة لا تفارق وجهه يتحدث على سليم عن حبه لصناعة السجاد. وأشار إلى عمله حاليا على صناعة سجادة جديدة منذ 8 أشهر، وبحسب وصفه «كل لوحة فينة يصنعها لا يصممها مرة أخرى بل يبتكر لوحة فنية جديدة بفكر جديد على السجادة»، لافتا أنه يعمل حاليا على سجادة جديدة أبعادها مترين × 3 أمتار. وقال: إنه عمل على صناعة «لوحة» استغرقت 3 أعوام؛ بسبب مساحتها الكبيرة؛ وجرى صناعتها على 3 مراحل، موضحًا أنها كانت توضح معالم مصر السياحية والريفية الطبيعية. ألوان الطبيعة ترسم سجاد الحرانية وأكد علي سليم، أنه يرسم اللوحة من وحي خياله وليس من صور مرسومة، موضحًا أن ألوان الخيوط للسجادة مستخرجة من نباتات تزرع في القرية، حتى لا تقل درجة اللون بعد الصناعة والاستخدام. وأشار إلى أن النسّاج يحصل على ثُلث ثمن السجادة بعد بيعها. من الحرانية إلى الأسواق العالمية بمشاهد ملموسة على الأرض تحول حلم المهندس «ويصا» إلى حقيقة، فقد تعلم الأطفال فن النسيج، حتى صاروا أساتذة حرفتهم، التي أبهرت أسواق أوروبا وتتهافت المعارض العالمية على مشاركتهم. «باشتغل في صناعة السجاد من 50 سنة.. وبحب أرسم لوحة فيها شجر وزراعة وطيور» بابتسامة جميلة تتحدث الحاجة لطيفة محمد، من داخل إحدى غرف قرية صناعة السجاد في الحرانية عن عشق حرفتها. وأضافت أن صناعة السجادة الواحدة تستغرق نحو 6 أشهر، وتتحدث عن شعورها بالراحة في مكان عملها أكثر من منزلها، موضحت أنها تعلمت المهنة من صديقتها، مع تحفيز من مدير المركز على العمل منذ صغرها. لم يقتصر إبداع الحاجة لطيفة على وجودها في الحرانية، بل امتد إبداعها إلى الخارج؛ حيث سافرت إلى فرنسا؛ لعرض أحد أعمالها في معرض لعرض السجاد اليدوي. الحرانية قبلة لعشاق الفنون اليدوية ومزار للسائحين تحوّلت القرية الصغيرة إلى وجهة مفضلة لعشاق الفنون اليدوية، ومزارا للسائحين الذين يتوافدون عليها من مختلف الدول لمشاهدة إبداعات النسّاجين المصريين؛ الذين تحولوا إلى خبراء بموهبة فطرية دون دراسة أكاديمية؛ ليعزفوا على أنوالهم مقطوعات فنية تدهش كل من يراها. «باشتغل 6 ساعات في اليوم.. وباستريح يوم الجمعة» يتحدث محروس عبده 61 عامًا، نساج، عن روتين عمله اليومي، منذ 50 عامًا. وقال لـ«بوابة الأهرام» إنه تعلم المهنة في عمر 11 عامًا، حيث يرسم اللوحة الفنية على السجاد من وحي خياله، لافتا إلى مشاركته في العديد من المعارض التي أقيمت خارج مصر لعرض السجاد الذي صنعه.