غزة تعمير دون تهجير.. الكلمة لمصر

16-2-2025 | 16:06

قدر مصر بالتاريخ والجغرافيا أن تكون دائمًا في الصدارة.. في المواجهة.. وفي طليعة الأمة.. مصر تتطلع إليها الشعوب العربية في المواقف المصيرية، ويستمع إلى كلمتها العالم في الأزمات الإقليمية..هي رمانة الميزان في المنطقة.. وحافظ الأمن والاستقرار في الإقليم.. قدر مصر أن تكون الشقيقة الكبرى للعرب تحمل الأمانة وتصون الحقوق.. تتصدى للظلم وتدافع عن الحق.. واليوم تخوض مصر معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية، تلك القضية التي ضحت مصر من أجلها بالدم والمال على مدى عقود، وخاضت من أجلها الحروب حتى تظل حية في وجدان كل شعوب الأرض.

منذ أن شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة قبل 15 شهرًا تنبهت مصر للمخطط الإسرائيلي في تهجير سكان القطاع، وكشفت نوايا المحتل في تصفية القضية الفلسطينية، ووقفت ضد هذا المخطط بالمرصاد، وأعلنت صراحة أنها ترفض ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من إبادة وتدمير وتخريب في القطاع للدرجة التي تستحيل معها الحياة ويجبر السكان على النزوح والهجرة خارج القطاع.

معركة مصر اليوم هي الحاسمة وكلمتها هي الفاصلة، وتحركاتها هي النافذة.. مصر تواجه المخطط الأمريكي الذي يتبناه الرئيس ترامب بتهجير كامل سكان غزة خارج القطاع، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك، وأعلن أن أمريكا ستقوم باحتلال غزة بعد تهجير السكان، وهو ما بادرت مصر بكل قوة وجرأة ورفضته وحشدت ضده موقف عربي ودولي، بل واقترحت وضع خطة مصرية تتبناها القمة العربية التي دعت إليها مصر في السابع والعشرين من الشهر الجاري بالقاهرة؛ لتكون هذه الخطة بمثابة خارطة طريق لتعمير غزة دون تهجير، وكذلك اقتراح إدارة فلسطينية للقطاع بالتوافق بين الفلسطينيين جميعًا، وقد أبدت حركة حماس على لسان عدد من مسئوليها أنها لا تمانع في ترك حكم غزة، وإتاحة الفرصة لإدارة وطنية أخرى يجرى التوافق بشأنها، ولعل هذا الموقف ينزع عن إسرائيل وأمريكا حججًا كثيرة وذرائع عديدة طالما رددوها عند الحديث عن اليوم التالي لوقف الحرب، وفي مقدمة هذه الذرائع وجود حماس في السلطة.

مصر اليوم تكتب شهادة ميلاد جديدة للقضية الفلسطينية؛ لتظل حية في وجدان كل من له ضمير في العالم، تلك القضية التي لن ولم تموت طالما مصر هي الراعي وهي المدافع عنها.. مصر اليوم تدافع -نيابة عن العالم كله- عن القانون الدولي، وعن قوانين حقوق الإنسان، الذي طالما تغنت بها أمريكا وإسرائيل، بينما أثبتت الوقائع في غزة أن أمريكا وإسرائيل ارتكبوا أبشع الجرائم ضد الإنسانية، ونسفوا كل القواعد والمواثيق الدولية، وانتهكوا كل حقوق الإنسان في أكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ.. فمجرد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كان من أولى قراراته فتح خزائن الأسلحة المحرمة لإسرائيل، واليوم خرج وزير الدفاع الإسرائيلي؛ ليزف للإسرئيليين خبر وصول أول شحنة من القنابل الثقيلة التي تزن ألفي رطل والمحظور استخدامها في المدن من أمريكا.

 مصراليوم بقيادتها الحكيمة وجيشها العظيم تحمل رسالة سلام في المنطقة، وتسابق الزمن من أجل وقف الحرب نهائيًا والحفاظ على القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وعاصمتها القدس الشريف، وحين تمارس هذا الدور التاريخي، فإنها تحركها دوافع وطنية عروبية، فهي تدرك أن المخطط الأمريكي - الإسرائيلي في التهجير له مخاطر جسيمة، ليس فقط على تصفية القضية الفلسطينية برمتها، بل على الأمن القومي المصري والعربي، وهو ما لا تسمح به مصر تحت أي ظرف من الظروف.

الموقف المصري الثابت والمشرف يقف اليوم على أرضية شعبية مصرية وعربية صلبة، وربما من المرات القلائل أن يحتشد الرأي العام العربي خلف قضية واحدة مثل هذا التوحد اللافت، والذي يوفر عناصر قوة وحسم في التعاطي مع الطرح الأمريكي بشأن مستقبل غزة.

الموكد أن الأيام القادمة ستكون صعبة، والمؤشرات تشير إلى أن هناك ضغوطًا أمريكية شديدة على مصر ودول المنطقة، إلا أن صلابة وحكمة القيادة السياسية المصرية، ومعها قيادات السعودية والأردن والإمارات وقطر، ستفسد تلك الضغوط، وتفشل كل المحاولات والمؤامرات التي تستهدف مصالح ومستقبل وأمن الدول العربية..

وكما قلت في مقالي السابق "قمة عربية.. أفعال لا أقول" فإن الأمة العربية اليوم في منعطف تاريخي خطير يتطلب كل تحرك وطني مسئول يحفظ للأمة حقوقها ومقدراتها، وأحسب أن التحرك الوطني الذي تقوده مصر بالدعوة إلى اجتماع قمة عربية بالقاهرة، وما تقوم به حاليًا من اتصالات مكثفة عربيًا ودوليًا هو قمة المسئولية وقمة العمل الدبلوماسي، ويقينًا أنه سيتوج بموقف عربي تاريخي يقطع الطريق أمام ترامب وأصدقائه الصهاينة..

حفظ الله مصر وجيشها العظيم 

 [email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: