على مدار أكثر من عقد، لعب كازوهيدي إينو دورًا غير ملحوظ لكنه حيوي في حماية أخلاق المراهقين في مدينة فوكوكا اليابانية، فمنذ سنوات، كان الرجل البالغ من العمر 73 عامًا يتردد بانتظام على ثماني صناديق بيضاء منتشرة في المدينة، يفتحها بمفتاحه الخاص، ويجمع محتوياتها في إحدى جولاته الأخيرة، جمع 16 كتابًا و81 قرص DVD في يوم واحد.
موضوعات مقترحة
وبحسب صحيفة الجارديان فإن هذه الصناديق لم تكن مخصصة لإعادة الكتب أو الأفلام المؤجرة، بل كانت مخصصة حصريًا للأشخاص – وغالبًا الرجال – الذين يرغبون في التخلص بسرية من المواد الإباحية غير المرغوب فيها، والتي قد تقع في أيدي الأطفال عن غير قصد.
انحسار دور الصناديق أمام المد الرقمي
في الماضي، كانت هذه المواد تُلقى في الشوارع، مما دفع السلطات إلى وضع "الصناديق البيضاء" لمنع انتشارها. لكن مع انتشار الإنترنت، أصبحت هذه الصناديق قديمة الطراز. فالهواتف الذكية باتت توفر وصولًا سهلًا إلى المواد الإباحية، مما أدى إلى تراجع الحاجة إلى صناديق التخلص التقليدية.
في ناغازاكي، أُغلقت عدة صناديق مؤخرًا بعد أن انخفضت كمية المواد التي يتم جمعها سنويًا من حوالي 6,000 مادة في بداية الألفية إلى 2,000 فقط حاليًا.
رحلة الصناديق البيضاء: من وسيلة للحماية إلى مجرد مظهر ثقافي
ظهرت هذه الصناديق لأول مرة في مدينة أماجاساكي عام 1963، بفضل حملات قادتها مجموعات من الأمهات اللواتي سعين لحماية أطفالهن من التأثيرات الضارة للانفجار الكبير في الكتب والمجلات الإباحية بعد الحرب.
وسرعان ما انتشرت الظاهرة إلى طوكيو، التي شهدت تثبيت أول صندوق فيها عام 1966، ليصل العدد إلى 500 صندوق خلال ثلاث سنوات فقط. غالبًا ما وُضعت هذه الصناديق بالقرب من محطات القطارات، حيث يمكن للأشخاص التخلص من المواد الإباحية بعيدًا عن أعين المعارف أو الزملاء.
ويقول أحد سائقي سيارات الأجرة في فوكوكا: "في الليل، عندما تكون الشوارع أقل ازدحامًا، يأتي رجال من جميع الأعمار للتخلص من هذه المواد بسرية".
هل تنقرض الصناديق البيضاء؟
على الرغم من تراجع أعدادها، إلا أن بعض المناطق لا تزال تستخدمها، مثل مدينة فوكوي التي أضافت صندوقين جديدين في عام 2018. كما أن بعض الصناديق لا تزال تحتاج إلى التفريغ كل ثلاثة أشهر.
لكن مع تغير العادات وانتقال استهلاك المحتوى الإباحي إلى العالم الرقمي، باتت هذه الصناديق مجرد شكل من أشكال النفايات العادية. تقول يوكو أوبي، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة طوكيو كيزاي: "لقد كانت فعالة عند ظهورها في الستينيات، لكن المجتمع الياباني تغير، والطريقة التي يستهلك بها الناس الوسائط تغيرت تمامًا".
التخلص من المظاهر الإباحية في الأماكن العامة
تتماشى إزالة الصناديق مع الجهود المستمرة في اليابان لتنظيف الأماكن العامة من الصور الفاضحة، خاصة قبل الأحداث الدولية الكبرى، فقد أوقفت سلاسل المتاجر الكبرى بيع المجلات الإباحية قبل كأس العالم للرجبي 2019 وأولمبياد طوكيو 2021، تجنبًا لأي تأثير سلبي على صورة البلاد أمام السياح. كما تم إلغاء العديد من آلات البيع التي كانت تقدم المجلات الإباحية منذ السبعينيات، رغم أن بعضها لا يزال موجودًا في البلدات النائية.
ومع تقدم سكان اليابان في العمر، قد تستمر الحاجة لهذه الصناديق لبعض الوقت، لكن يوكو أوبي تعتقد أن نهايتها قريبة، ليس فقط بسبب تراجع استخدامها، ولكن أيضًا بسبب تكاليف صيانتها. تضيف: "هذه الصناديق تصدأ وتحتاج إلى إصلاحات، وليس الجميع يوافق على إنفاق أموال دافعي الضرائب عليها. كما أن تفريغها يتطلب مسؤولين من مجلس التعليم المحلي، وأحيانًا بمرافقة الشرطة. لهذا السبب، أعتقد أن عدد الصناديق البيضاء سيستمر في الانخفاض حتى تختفي تمامًا".