12-2-2025 | 13:45

 خطابات وتصريحات ومواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تغلب عليها بصورة مستفزة للغاية، نبرة التهديد والوعيد بفتح أبواب جهنم، منذ استعادته وضعه المرموق بالبيت الأبيض، ولا يكترث قيد أنملة بتدبر ما يخرج منِ بين شفتيه وعواقبه، ويتصرف وكأنه الوصي على العالم، يتحكم فيه كيفما يبغي ويشتهي، دون اعتراض أو تدخل من أحد. 

والرجل يتحدث أينما ذهب بلغة التجار الجشعين، فكل ما يُصادفه قابل للبيع والشراء، رغمًا عن أنف المالك الشرعي للبضاعة، ووفقًا للسعر الذى يتكرم ويتعطف بتحديده، فهو يريد، من بين أشياء أخرى، امتلاك قطاع غزة والاستيلاء عليه، وكأنه قطعة أرض خالية بالولايات المتحدة مطروحة  للبيع في مزاد علنى للأعلى سعرًا، لإقامة مشروعات عقارية فخمة تباع للأثرياء والمقتدرين ماليًا من الأمريكيين والأوروبيين، أما عن الغزاويين الذين سالت دماؤهم دفاعًا عن أرضهم وممتلكاتهم فيجب ألا يُحدثوا ضجيجًا، وأن يوافقوا صاغرين على التهجير والتطهير العرقي في هدوء حتى لا يُزعجوا العم سام وفتاه المدلل، إسرائيل، ويحذو حذو الأمريكيين الأوائل في الماضي السحيق فيما فعلوه مع الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين. 

الأكثر من ذلك، أن ترامب لا يُنصت سوى للأصوات الصادرة من عقله وأفكاره التي تتسم بالشطط ومن دائرته المقربة من مستشاريه وخلصائه، ويُبدى استعداده الكامل لمعاداة الغالبية العظمى من الشعوب والأمم والهيئات والمنظمات الدولية، باستثناء إسرائيل، طبعًا، التي لا يجرؤ على إغضابها أو المساس بمشاعرها الرقيقة المرهفة، ويعطى ظهره لقضايا دولية ملحة وعاجلة ستحدد مصير البشرية وكوكبنا الأرضي التعيس، كالتغير المناخي، ومساندة كيانات تتركز أنشطتها كلها حول إغاثة المتضررين من الحروب والنزاعات المسلحة، الأونروا نموذجًا، ولا يُمانع ترامب فى إعطاء ظهره لمبادئ حقوق الإنسان واحترام سيادة الدول ومحاسبة مرتكبى جرائم الحرب، ومنهم المقرب لفؤاده بنيامين نيتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهى في نظره أمور ثانوية لا تستحق التوقف كثيرًا عندها. 

وبصراحة تامة، أرى أن الرئيس الأمريكي، الذى لم يمضِ شهر على جلوسه بالمكتب البيضاوى، يتعمد إشعال الحرائق في كل الاتجاهات دون أن يمنح نفسه فرصة للتفكير فيما يُقدم عليه ويعلنه من قرارات ومواقف، ويجد متعة غريبة في صنع ذلك. كما أرى أن مسلكه هذا خاطئ وإن ظن أن تلويحه بورقة قطع المساعدات ستجدى نفعًا فعليه إعادة حساباته قبل فوات الأوان، فالدول لن تفرط في أمنها القومي ولا كرامتها واستقرارها من أجل حفنة من المساعدات، ولن يقبل أى شعب تهديده من جانب قوة خارجية، حتى لو كانت أمريكا القوة العظمى الأولى، وسيعلن بكل ما لديه من قوة وعزيمة لا تلين رفضه القاطع لها ولتشبع بها الولايات المتحدة. 

ثمَّ ألا يرى ترامب أنه بأفعاله غير المنطقية المتتابعة، والتي جعلته محل انتقاد لاذع وواسع من قادة العديد من الدول والهيئات العالمية والشخصيات العامة وعامة الناس ووسائل إعلام محلية وخارجية، أنه يُقامر ويُغامر بالسلم والأمن العالميين، وهل ستكون بلاده مرحبة بدفع فاتورة تفجر مزيدًا من الحروب والصراعات وارتكاب الفظائع والمجازر بحق العزل من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، وهل قدر ـ بحكمة وتعقل ـ حجم ما ستخلفه من ضغائن ورغبات في الثأر والانتقام، وما سيتم إنفاقه لإعادة الإعمار ومداواة جروح المصابين وتعويض الضحايا؟ 

وهل يعتقد ترامب أنه بانكفاء أمريكا على نفسها وانعزالها عن العالم ستكون رابحة وآمنة ومستقرة؟!، وأين دور القوى الكبرى من المسئولية والالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه الآخرين منِ المستضعفين؟!

سيد البيت الأبيض يُشعرنا بأنه جاء لإطلاق الرصاصة الأولى في حروب اقتصادية وسياسية ودبلوماسية ستتواصل خلال فترة ولايته الممتدة لأربع سنوات، ومتابعة امتدادها لرقعة أكبر، ويحسب أن ذلك يصب في مصلحة بلده، ناسيًا أو متغافلا عن أنه منِ السهل إشعال فتيل حرب، لكن ما أصعب إخمادها وتطويق آثارها الفادحة والمرعبة! 

كلمة أخيرة لساكن البيت الأبيض: 
إن مصر قيادة وشعبًا لا تساوم على أمنها القومي ولا مصالحها العليا، ولا تقبل الضغوط أيًا كان مصدرها، ولا تتنازل عن ثوابتها ومواقفها المشرفة في مؤازرة ودعم القضية الفلسطينية، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة، تطبيقًا لمبدأ حل الدولتين الذي كانت أمريكا من المتحمسين والداعين له قبل أن تنقلب عليه، خاصة أن واجب الكبار المحافظة على السلام، وليس محاربته وتقويض أركانه.

كلمات البحث
الشائعات.. وخطوط الدفاع

يتعرض المجتمع المصرى لهجمات شرسة ومتلاحقة من فيروس الشائعات الخبيث والفتاك، الذى يستهدف بالأساس إضعاف جهاز مناعته وخطوط دفاعه الحصينة، وكبقية الفيروسات

الأكثر قراءة