"التكنولوجيا تغير وجه التعليم العالي"... هذا ما كشفت عنه دراسة عالمية حديثة شملت أكثر من 23 ألف طالب من 109 دول حول العالم، مسلطة الضوء على تأثير تطبيق الذكاء الاصطناعي الشهير "شات جي بي تي" في الحياة الأكاديمية.
موضوعات مقترحة
من غرف الدردشة إلى قاعات المحاضرات، هكذا أصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً رقمياً للطلاب في مختلف أنحاء العالم .. لكن كيف يرى الطلاب هذا المساعد الافتراضي الجديد؟
مساعد ذكي بإمكانيات متعددة
كشفت الدراسة التي نشرت المجلة العلمية "بلوس وان" نتائجها، أن 30% من الطلاب يستخدمون تطبيق الدردشة الذكية للعصف الذهني وتوليد الأفكار، بينما يعتمد عليه 27% في تلخيص النصوص، و25% في البحث عن المقالات الأكاديمية. وفي المقابل، يبدو أن الطلاب ما زالوا يفضلون الاعتماد على أنفسهم في الكتابة الإبداعية والمهنية، حيث لم تتجاوز نسبة استخدامه في هذين المجالين 11% و12% على التوالي.
أوضحت النتائج أن هذا الاستخدام الكثيف لم يخلو من الثقة مشروطة والاستخدام الواعي، فكما أظهرت النتائج التي نشرت في المجلة العلمية "بلوس وان" قبل أيام قليلة: يثق 68% من الطلاب في قدرة الذكاء الاصطناعي على تبسيط المعلومات المعقدة، و67% يرون فعاليته في تلخيص المحتوى، بينما يؤكد 69% دوره في تعزيز معرفتهم العامة.
واعتمد الفريق البحثي للدراسة علي فهم كيفية إدراكهم لاستخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي. من خلال جمع البيانات من خلال استبيان عبر الإنترنت، حيث تم طرح أسئلة حول استخدام التطبيق، وقدراته، والتنظيمات الأخلاقية، والرضا عنه، وتأثيره على التعلم، وتطوير المهارات، وسوق العمل، بالإضافة إلى المشاعر المرتبطة باستخدامه.
لكن هذه الثقة تقابلها مخاوف جدية، حيث يشكك 41% من الطلاب المشاركين في الدراسة في دقة معلوماته، ويقلق 66% من إمكانية استخدامه في الغش والانتحال الأكاديمي.
وتظهر الدراسة تبايناً واضحاً في الاعتماد علي تطبيق الذكاء الاصطناعي بين مختلف الفئات. فطلاب العلوم التطبيقية أكثر رضا عن الأداة، بينما يبدي طلاب العلوم الإنسانية تحفظات أكبر. كما أن الطلاب من المناطق منخفضة الدخل يرون فيه أداة دعم أساسية، في حين يركز طلاب المناطق مرتفعة الدخل على جوانبه الابتكارية.
مستقبل العمل في عصر الذكاء الاصطناعي
يتفاءل 61% من الطلاب بزيادة الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، ويتوقع 60% أنه سيسهل العمل عن بعد. لكن الأغلبية لا تعتقد أنه سيؤثر سلباً على معدلات التوظيف، حيث لم يتجاوز القلق من البطالة نسبة 37%. بين الطلاب المشاركين.
وبتعبير أخر يسيطر الفضول والهدوء علي مشاعر مستخدمي "شات جي بي تي" من الطلاب الجامعيين بنسب جاوزت 50%. بينما تنخفض النسبة إلي 13% فقط من الطلاب الذين يشعرون بالقلق، ونسبة مماثلة تشعر بالملل. كما يخشى 24% من أن يؤدي الاعتماد المتزايد على هذه التقنية إلى زيادة العزلة الاجتماعية.
في ضوء هذه النتائج، يدعو الخبراء المؤسسات التعليمية إلى ضمان التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على أصالة التعليم. فكما يبدو أن الذكاء الاصطناعي بدأ يكتب صفحة جديدة في تاريخ العملية التعليمية، لكن نجاحه سيعتمد على قدرة المؤسسات التعليمية على توجيهه نحو تحقيق أهداف تعليمية فعالة وأخلاقية.
أراء الطلاب المصريين
تفاعل الطلاب المصريين مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، يوضحه الدكتور أشرف عطا سالم عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية بالإسكندرية، في إطار مشاركته كباحث المشارك بالدراسة العالمية، خريطة طريق للتعرف على المزايا والعقبات المحتملة المرتبطة بدمج الذكاء الاصطناعي في البيئة التعليمية، وصياغة استراتيجيات أكثرمرونة وواقعية.
حيث شملت الدراسة مشاركة 1000 من الطلاب المصريين، غالبيتهم من الإناث وهي السمة السائدة لعينة الدراسة كلها. مع تركيز ملحوظ في تخصصات العلوم الاجتماعية والعلوم التطبيقية، في حين كانت المشاركة أقل في مجالات العلوم الطبيعية وعلوم الحياة والفنون والعلوم الإنسانية.
ويلفت الانتباه إلي المعدلات المرتفعة لاستخدام روبوتات الدردشة الذكية بين الطلاب المصريين مقارنة بنظرائهم في الدول مرتفعة الدخل. حيث يستخدمه الطلاب بشكل مكثف في أربع مجالات رئيسية هي، العصف الذهني وتوليد الأفكار، تلخيص النصوص الطويلة، المساعدة في كتابة البحوث، والدعم في الكتابة الأكاديمية والبرمجة.
وما يثير الاهتمام في النتائج أن الطلاب المصريين أظهروا تكراراً أعلى في استخدام ChatGPT للأغراض الأكاديمية مقارنة بالطلاب في الدول مرتفعة الدخل. كما امتد استخدامهم للمساعدة الشخصية والترفيه بمعدلات تفوق نظراءهم في المناطق الأخرى، مما يجعل شات جي بي تي أداة متعددة الاستخدامات في حياتهم اليومية.
تحول جذري في طريقة التعلم
كما كشفت الدراسة عن تأثير واضح للعامل الاقتصادي، حيث يميل الطلاب من الخلفيات ذات الدخل المنخفض لاستخدام ChatGPT في الدراسة والتعلم الشخصي أكثر من تطوير المهارات المهنية. في المقابل، أظهر الطلاب ذوو الدخل المرتفع ثقة أكبر في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
ومن النتائج اللافتة بحسب قول الدكتور أشرف إن الطلاب المصريين أبدوا مخاوف قوية بشأن القضايا الأخلاقية، خاصة فيما يتعلق بالغش الأكاديمي والمعلومات المضللة. وقد طالبوا بوضع إجراءات وسياسات لتنظيم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم، مع التأكيد على أهمية التعاون بين الجامعات والجهات الحكومية لتطوير استراتيجيات شاملة.
وفيما يتعلق بالثقة في الذكاء الاصطناعي، فقد أظهر الطلاب المصريون ميلاً أكبر للثقة في قدرته على تبسيط المعلومات المعقدة وتلخيص المحتوى مقارنة بنظرائهم في الدول مرتفعة الدخل. لكنهم في الوقت نفسه أبدوا حذراً ملحوظاً بشأن موثوقية المعلومات وإمكانية التحيز.
ويري الدكتور أشرف إن نتائج الدراسة تفتح نافذة حول مستقبل التعليم العالي في مصر والعالم. والتحدي الآن هو كيفية الاستفادة من هذه النتائج لتطوير منظومة تعليمية تواكب العصر الرقمي مع الحفاظ على جودة التعليم وأخلاقياته.
ناصحا بالاتجاه إلي تطوير سياسات واضحة للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في الجامعات المصرية. وضع الأطر المنظمة لدمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، خاصة في العلوم الاجتماعية والتطبيقية. الاهتمام بتدريب أعضاء هيئة التدريس على الاستخدام الفعال لأدوات الذكاء الاصطناعي. وضع آليات لضمان الوصول العادل لهذه التقنيات في المناطق الريفية. وكذلك تطوير برامج توعية حول الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي.