حكمة صينية قديمة للفيلسوف "صن تزو" تقول: إن من الأفضل مهاجمة عقل عدوك بدلًا من مهاجمة مدنه المحصنة، وحتى نتأكد من صدق حكمة صن سنقرأ أحداث فنزويلا في عام 2019 من خلالها، فقد تعرضت مساحات كبيرة منها لانقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة، وأدى إلى وفاة 43 مواطنًا فنزويليًا نتيجة توقف الخدمات الصحية، خلافًا على التأثير السلبي على قطاعات النقل والتعليم والصناعة وغيرها من مرافق الدولة.
ووجه الإعلام الغربي التقصير إلى حكومة مادورو الرئيس الفنزويلي في إدارة الدولة، بينما مادورو وجه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف شبكة الكهرباء عبر هجمات سيبرانية، تهدف إلى إشاعة الفوضى في البلاد وتشويه شعبية مادورو.
غير أن إدعاءات حكومة مادورو قد تحتمل الصواب أو الخطأ، لكن "ديفيد سانجر" الصحفي الأمريكي نشر بيانات تثبت صحتها، وكشف عن امتلاك الولايات المتحدة برنامجًا سيبرانيًا اسمه "نيزو زيوس"، والبرنامج مصمم لقطع التيار الكهربائي للدول المعادية لواشنطن.
ويرجع المراقبون تلك الهجمات إلى رفض فنزويلا الانصياع للهيمنة الأمريكية، وسبق أن امتنعت حكومة مادورو عن منح شركات النفط الأمريكية الحصة الأكبر من الاكتشافات البترولية، وتشتهر فنزويلا بامتلاكها أكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم.
ولم تقتصر هجمات أمريكا السيبرانية على فنزويلا، إنما استخدمتها من قبل في تعطيل برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، وكذلك عطلت هذه الهجمات برنامجًا للصواريخ في كوريا الشمالية، وهو ما أعرب عنه مستشار الأمن السيبراني الأمريكي "ثورنتون ترامب" بضرورة توجيه حروب نفسية للدول المعادية، وهذا من خلال تعطيل مفاصل الحياة بداخلها من كهرباء ومياه وغيرها، ويرى أنها تساعد على إشاعة الفوضى في البلاد وفي زلزلة النظام الحاكم.
ويوضح ثورنتون طريقة أخرى لنشر الحروب النفسية على الدول المعادية، وذلك بواسطة حرب المعلومات المضللة، ويعتبرها من أيسر وأفضل وسائل الحروب النفسية، واستطاع ترامب ترويج تصريحات ومعلومات منافية للواقع قبل دخوله البيت الأبيض، وأدعى أن قناة بنما يجب خضوعها لسيطرة أمريكا بالإضافة إلى سعيه لضم كندا.
وتعد الحروب النفسية أسلوبًا قديمًا استعانت به أمبراطوريات لبث الرعب للطرف الآخر حتى يسهل السيطرة عليه، والحروب النفسية كانت سببًا في اتساع مملكة المغول في عهد هولاكو وتيمورلنك، واعتمدا الاثنين على نشر الفزع قبل اقتحام قواتهما أي بلد، ونجحا في تقويض معنويات جيش الخصم، وتمكنوا من السيطرة عليه بدون مقاومة.
وفي عام 1918 ادعى القائد الألماني "ألبرتشيت بلاو" أن الحروب الحديثة تعتمد على 3 أقسام، وهي الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية والحرب النفسية، وأتقن الألمان وسائل الحرب النفسية، ومارسوا فنون الدعاية بمهنية، ونشروا معلومات عن امتلاكهم لأسلحة لا تقهر، وعرفوا هذه الدعاية بعلم النفس العسكري.
واستخدمت الصهيونية نفس نهج الحروب النفسية قبل احتلالها لفلسطين، لكي تبرر وجودها على الأراضي الفلسطينية، وكان أهمها مقولة "أرض بلا شعب.. لشعب بلا أرض"، وثانيًا أكذوبة إعادة هيكل سليمان، التي فضح زيفها خبراء آثار إسرائيليين.
ومنذ زمن بدأت وزارات الدفاع على مستوى العالم تلحق إدارة للحرب النفسية إلي تشكيلاتها العسكرية، تضم خبراء في صناعة الشائعات، تستعين بها في تدمير معنويات العدو وفي إثارة الفتن، وأثبت كثير من الخبراء بتفوق الحرب النفسية على الحرب العسكرية، وذلك بفضل تسلل آثارها المخيفة إلى النفوس دون أن تدري، أما الحروب العسكرية فيمكن مقاومتها.
[email protected]