سيناريو اليوم التالي لحرب غزة لن تظهر ملامحه بشكل كبير الآن، فالطريق مازال طويلا، وستطل علينا المقترحات "الترامبية الأمريكية"، والإسرائيلية تلو الأخرى، ومدة الـ 100 يوم ستتبلور خلالها ملامح وإجراءات وقرارات دولية سيكون لها تأثيرات وتداعيات لهذه السيناريوهات التى تحكمها نزاعات "استعمارية"، و"تجارية"، و"شطحات متطرفة"!!
حلم سيناريو التهجير الذي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، ووأدته حرب أكتوبر 1973، ثم عاد التفكير فيه مجددًا بداية من عام 2000، بعدما اقترح الجنرال الإسرائيلي جيورا آيلاند تطوير مقترح تم تسميته باسمه، ولكنه فشل، وتم نسف كل المخططات التي على شاكلته من الأساس.
ثم كان مقترح اللاعقل واللا منطق من الرئيس الأمريكى "ترامب" بنقل سكان غزة إلى مصر والأردن، ثم بعدها تتسلم بلاده إدارة قطاع غزة لتعميرها، وهو سيناريو يهدف إعادة تشكيل غزة وفق المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ويخفي وراءه محاولات لفرض الوصاية على القطاع.
في مصر، لا تتقبل الدولة بمؤسساتها تقديم تنازل كهذا للإسرائيليين، لإن الأمر مسألة أمن قومي في المقام الأول، ومسألة كرامة وكبرياء، الداخل غير قابل للرضوخ لرغبات الإسرائيليين، والجميع –المفكرون أو الدبلوماسيون أو عموم الشعب- يعي جيدًا مدى خطورة مخطط كهذا.
صحيح من الصعب مواجهة الضغوطات الأمريكية، والأصعب مواجهة طموحات ترامب، رجل "الصفقات" غير المعتاد على سماع كلمة "لا"، وليس رجل "الأيديولوجيا والسياسة"؛ الذي يظن أن الأمور لا تحسم بمجرد الرغبة أو الصفقة.
الغريب في الأمر، أن تجد أبواقًا بالداخل المصري والعربي، تصف نفسها بالوطنية والقومية، ترفض وقفة مصر الشجاعة ضد هذه السيناريوهات الخبيثة، وتحاول بث سمومها، وخلق الأزمات وافتعالها، وزعزعة الأمن والاستقرار داخل الدولة، والنيل من كل من يدافع عن وطنه وولاة أمره، وهو ما يؤكد لنا أن الطابور الخامس مازالت له ذيوله التي تعبث وتنشر الشائعات والأخبار المفبركة.
إن استهداف مصر، واختراق شعبها، ودفع بعض أفراده للانخراط في أجندة معادية لبلدهم، مطمح إستراتيجي طويل المدى عملت عليه العديد من الدول والمنظمات والكيانات المعادية منذ زمن، عبر توظيف كافة الأدوات، بدءًا من ترويج الشائعات، واستغلال بث الماكينات الإعلامية وأبواقها التي لا تتوقف عن التحريض ليلًا أو نهارًا، والمغريات المادية، والمنافع الآنية لشباب تائه، عاطل، خاوٍ ثقافيًا ودينيًا ووطنيًا!!
ولعلنا نجزم بنجاح الإعلام المعادي -إلى حد ما- ومعه إعلام بعض الأنظمة العربية العميلة طوال سنوات ما قبل الربيع العربي، وما بعده، فى إشعال الفتن المذهبية (سنة وشيعة)، وغرس في العقول بأن إيران هي العدو، وأن كيان الاحتلال الإسرائيلي يمكن قبوله والتطبيع معه طالما ينشد السلام، وهو ما تقبلته بعض الشعوب العربية بهرولة حكوماتها نحو توقيع معاهدات التطبيع والصداقة والتجارة مع العدو الأزلي للبشرية جمعاء!!
ومن أسف أن النجاح الأكبر الذي يحسب للإعلام المعادي والموجه، هو إشعال الفتنة والاقتتال بين أكبر فصيلين للمقاومة (فتح وحماس)، وتقسيم الأراضي والشعب "ضفة وغزة"، وإيجاد سلطة ضعيفة محاصرة.
هذه الأدوات وغيرها، التي استخدمتها قوى الشر، ساعدتها سياسات حكومية غير منضبطة بمعايير الشفافية والحريات والمساءلة، وإسناد بعض المناصب لأهل الثقة من غير الشرفاء والمخلصين، واستبعاد أهل الكفاءة، مما يعني إطالة الرحلة للعملاء وخونة الأوطان وبائعي الضمير لينفذوا مخططات أسيادهم!!
ولعل أخطر أنواع الخيانة، تلك المستترة بغطاء الوطنية والشرف والدين، وتجار الشعارات الزائفة والزاعقة لاستمالة الناس وكسب تأييدهم، بالتضليل وخلق الفتنة، وعرقلة التقدم، فلم تسقط دولة عبر التاريخ إلا كانت خيانة بعض أبنائها أحد أهم عوامل سقوطها، فجواسيس اليوم ليسوا كجواسيس الأمس، لهم مسوح الثعالب وجلود الثعابين، وتحصين الدول يتطلب تخليصها من شرهم.
إن صمود محور المقاومة الفلسطينية، ودعم الشعوب، وخاصة الشعب المصرى، يعكس إرادة راسخة لا تقبل التفريط في الحقوق، وسيظل هذا الصمود نموذجًا يُحتذى به في النضال ضد كافة مشاريع التآمر والخيانة، ويرد بالفم المليان "لا" يا ترامب!!