عالمية الرواية النسائية اليابانية.. رؤية شخصية (1)

11-2-2025 | 14:47

يحتل الأدب النسائي الياباني مكانة فريدة وبارزة في الساحة العالمية للأدب النسائي.. ففي النصف الثاني من القرن العاشر  وبالتحديد قبل الف عام من الآن.. كُتبت اول رواية نسائية في اليابان والأولى على مستوى العالم "رواية جنجي Genji-Monogatari" للروائية "موراساكي- شيكيبو Murasaki-Shikibu".. التي عاشت في الفترة من 973 إلى 1025م.. فقد عاشت في أزهى فترة في تاريخ الأدب النسائي الياباني وهى فترة هيآن "794-1192".. ويوجد على الساحة الأدبية اليابانية حاليًا جائزة أدبية تحمل اسمها "Murasaki-shikibu-bungaku-shou".. وفي الفترة الزمنية نفسها .. ظهر العديد من الأقلام النسائية في البلاط الإمبراطوري ساهمن في تطوير أدب عصر هيآن وبالأحرى ازدهار "الأدب النسائي الياباني Joryuu-bungaku".. امثال الكاتبات "سيشوناجون Seishonagon" و"ايزومي شيكيبو Izumishikibu". 

وقد نالت"رواية جنجي Genji-Monogatari" الشهرة المحلية والعالمية.. وهي بمثابة كتاب "الف ليلة وليلة" في عالمنا العربي.. و"رواية جنجي Genji-Monogatari" لها التأثير الكبير على الأديبات اليابانيات في العصر الحديث.. أمثال الروائية "يوسانو اكيكو Yosano Akiko1878-1942".. التي تأثرت بهذه الرواية تاثرًا شديدًا.. وترجمتها إلى اللغة اليابانية الحديثة.. وأيضا الروائية "هيجوتشي إتشيوHiguchi  Ichiyo1872-1897".. وترجمتها إلى اللغة اليابانية الحديثة.. والأديبة "اينتشي  فوميكو Enchi Fumiko 1905-1986" .. ترجمتها إلى اللغة اليابانية الحديثة.. والأديبة المعاصرة "كاكوتا ميتسويو KakutaMitsuyo 1967".. وأيضا من الكتاب الرجال الذين تأثروا بهذه الرواية الروائي"كاواباتا-ياسوناري Kawabata-Yasunari".. وأدباء آخرين تأثروا بها في كتاباتهم الروائية مثل الروائي"تانيزاكي جون إتيشر وTanizaki Junichiro 1886-1965" في العصر الحديث.. فقد قام بترجمتها إلى اللغة اليابانية الحديثة.. وعلاوة على ذلك قامت الروائية "تاكيه نيشي-هيروكو  Takenishi-hiroko1929".. بكتابة كتاب أدبي نقدي عن رواية "جنجي-مونوجاتاري Genji-monogatari"عام 1967م.. تحت عنوان "نظرية نقدية عن جنجي-مونوجاتاري Genji-monogatari-ron".. من أشهر أعمالها الأدبية النقدية.. وتعتبر قراءة نقدية حديثة للرواية، وهذا دليل على إعجابهم وولعهم بالأدب النسائي الياباني الكلاسيكي.. وذلك من أجل نقل روائع الأدب النسائي الكلاسيكي الياباني إلى الأجيال اليابانية المعاصرة.. هؤلاء جميعًا بذلن الكثير لإحياء الأدب النسائي الكلاسيكي المميز.. والجدير بالذكر أيضا أن هذا العمل الأدبي تحول إلى دراما تليفزيونية عام 1980م وكتب السيناريو الكاتبة الروائية "موكودا كونيكو Mukoda-Kuniko 1929-1981". 
 
وترجمت "رواية جنجي Genji-Monogatari أيضاً إلى مختلف لغات العالم.. وقام بترجمتها إلى العربية زميلي الدكتور أحمد فتحي وهذا يعنى انطلاق الأدب النسائي الياباني للعالمية. 

وبعد تراجع وانكماش الأدب النسائي الذي استمر ستة قرون من القرن الثاني عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر من الصمت الأدبي.. بسبب القيود والاتجاهات العدائية من الحكومات المتتالية وخاصة فترة ما قبل التحديث أي فترة حكم الساموراي والإقطاع.. والمجتمع الطبقي في تلك الفترة ما كان يتسم بالمجتمع الذكوري والهيمنة الذكورية والسلطة الذكورية ضد تعليم المرأة.. عاد الأدب النسائي الياباني في النهوض مرة أخرى بعد عام 1868م أي بعد فترة "ميجي Meiji-ishin".. فبعد ثورة ميجي ظهر العديد من الأقلام النسائية اللاتي استطعن تصوير مشاعر وأحاسيس المرأة اليابانية.. وتصور ما تعانيه المرأة في ظل الأوضاع الاجتماعية المختلفة.. مثل حرمان المرأة من التعليم وحق التصويت في الانتخابات.. وحق دخول الجامعات.. فمن خلال الرواية النسائية تٌعرض مشاكلهن والحلول لها.. ويطالبن من خلالها حق المرأة في المشاركة في الحياة السياسية مثل الرجل.

ومن خلال قراءتي عن الأدب النسائي الياباني الملفت للنظر.. ان معظم الكاتبات النسائية يكتبن عن عناصر متعددة داخل الرواية النسائية.. أهمها عنصر السيرة الذاتية للروائية وتجارب واقعية ذاتية والجوانب النفسية الخفية.. فشعرت أنني أتعلم أشياء عن عالمها الخفي.. عكس ما يكتب بأسلوب الرجال.. ويعجز الكُتاب الرجال الكتابة عن تلك العناصر وعن عالمها الخفي وصور عديدة.. فقدمت الرواية النسائية صورًا مختلفة للمرأة في المجتمع الياباني.. مثل صورة المرأة المحبة والعاشقة وصورة المرأة المستكينة المستسلمة وصورة بنت الأكابر التي تقع في غرام الشاب الفقير.. والمرأة المتمردة على التقاليد اليابانية.. وصورة حياة المرأة اليابانية المومس وصورة حياة المرأة اليابانية العاهرة والبغايا في أحياء المتعة.. وصورة فتاة الجيشا"Geisha"وغيرها من الصور الأدبية فصورة المرأة هنا في الأدب النسائي الياباني قد تكون مشابه لصور المرأة في الرواية العربية .. مثل صور المرأة التي ظهرت في أدب نجيب محفوظ.. مثل صورة "الست أمينة" في ثلاثيته الشهيرة التي تحولت إلى رمز للمرأة المستكينة الخانعة المنقادة.. التي تصب الماء على قدمي الزوج .. وتقف أمامه في حياء وتطيعه طاعة عمياء .. وترى أن الله في السماء و"سي السيد" على الأرض أي ظاهرة الهيمنة الذكورية. وعلى عكس "أمينة" نجد صورة "زنوبة" الراقصة المتمردة القوية في "قصر الشوق"التي ترفض الحياة المترفة التي وفرها لها "سي السيد" وتأبى الاستمرار معه.. فتقف في وجه جبروته وكبريائه.. ويخرج من عندها منكس الرأس ذليلا.. وما بين "أمينة" و"زنوبة" .. نجد صورة المرأة "نفيسة" في رواية "بداية ونهاية" التي تدفعها ظروفها المأسوية لاحتراف "السقوط "رغما عنها.. وتنتهي حياتها بالانتحار. وفي رواية "زقاق المدق" خرجت صورة المرأة "حميدة " المتمردة للبحث عن حياة جديدة.. واختارت أن ترسم طريقها بيدها لا بيد الآخرين، لكنها سقطت على يد "فرج" وضلت الطريق .. وفي رواية "اللص والكلاب" نجد صورة المرأة "نور" الفاضلة التي أنصفت "سعيد مهران" من خذل وخيانة الأصدقاء والأحباب.. فاتخذ من بيتها وقلبها مأوى له.. وذاق في رحابها طعم الوفاء وحلاوة الحب.. وفي رواية "القاهرة 30" كانت صورة المرأة "إحسان شحاتة" ضحية من ضحايا البؤس الاجتماعي.. التي لا تكف أمها عن تحريضها على الانتفاع بجمالها من أجل تعليم أخواتها.. وحاولت "إحسان شحاتة" أن تقاوم ،لكن ظروفها الاجتماعية دفعتها للسقوط مع الاحتفاظ بطهارة الروح. نساء الأديب نجيب محفوظ.. لسن زهورا صناعية.. ولكنها زهور حقيقية من قلب الواقع في المجتمع المصري.. توجد مثل هذه الصور النسائية في الروايات اليابانية . مثل صورة "سي السيد".. التي تُعرف باللغة اليابانية "Teishukanpaku".. أي الزوج المتسلط الحاكم الناهي في البيت.. .وتوجد غيرها من المصطلحات في المجتمع الذكوري الياباني "Nihon-Otoko-Shakai".

وبعد الحرب العالمية الثانية خرجت الرواية النسائية اليابانية في إطار منظومة قيم مختلفة تدعو بالأساس للتحرر.. وتنادي بالتغيير وترفض القيود.. ففي خمسينيات القرن العشرين بدأت المرأة مشروعًا نهضويًا.. أصبحت المرأة شريكًا وليس تابعًا للرجل.. وصعود بعض الكاتبات النسائية وحصولهن على أرفع الجوائز الأدبية على الساحة الادبية اليابانية.. وتأسيسهن للصالونات الأدبية المشهورة في عالم الأدب الياباني.. وكان هذا بعد نتاج ونضال طويل للمرأة اليابانية بدأته مع بدايات ثورة ميجي عام 1868م.  

فأنا كباحث في الدراسات الأدبية اليابانية أرى أنه على الرغم من أن هناك العديد من الكتاب اليابانيين الرجال كتبوا عن الشخصيات النسائية.. لكن اعتقد الكاتبات اليابانيات هن الأقدر في الكتابة عن الشخصيات النسائية في الرواية اليابانية.. أي أنهم لديهم القدرة على رصد أغوار المرأة وأزماتها الداخلية.. وكشف عوالمهن الخفية وتصوير مشاعر وأحاسيس المرأة اليابانية.. وتصوير ما تعانيه من إهانات ووحشية الرجال في ظل الأوضاع الاجتماعية وبشكل من الصراحة المطلقة.. وتعالج مشاكل المرأة بشكل مقنع.. فمن خلال قراءتي للرواية اليابانية المكتوبة بقلم نسائي شعرت انني اتعلم أشياء عن عالمها الخفي عكس ما يكتب بأسلوب الرجال.. فمن هذا المنطلق تأتي اهمية الدراسة بوطننا العربي في مجال الأدب النسائي الياباني.. ولم يتطرق أحد لدراسته في العالم العربي.. والدافع الرئيسي لتقديم هذه الدراسة عن تاريخ تطور الأدب النسائي الياباني منذ القديم حتى الحديث والمعاصر، ومنه مستقبلا أرصد تحليل للرواية اليابانية النسائية.. وتأكيداً عكس ما يُقال في المجتمع الذكوري الأدبي ليس من الضرورة أن يكون هناك نوعا من الأدب يسمى بالأدب النسائي، فالأدب النسائي هو فرع من فروع الأدب الروائي تماماً كأدب ما وراء الطبيعة وأدب الخيال العلمي وادب الجريمة والرعب وغيرها من الأنواع الأخرى.. ويكون عملا واقعياً بطلته امرأة بحيث يعرض العمل مشاكلها النسائية كجزء أساسي في حبكة الرواية.. وما يؤكد نظريتي هذه كما ذكرت سابقا أن أول رواية نسائية في اليابان والأولى في العالم هى"رواية جنجي Genji-Monogatari"كُتبت بواسطة روائية يابانية "موراساكي-شيكيبو  Murasaki-Shikibu". 

ميل الكتروني:[email protected] 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة