ضريح أغاخان.. أسطورة البر الغربي في "ساحرة الجنوب"

9-2-2025 | 17:45
ضريح أغاخان أسطورة البر الغربي في ساحرة الجنوبضريح أغاخان .. أسطورة البر الغربي في " ساحرة الجنوب "

قصة الشيخ النوبي وشفاء السلطان.. وسر الوردة الحمراء على قبر زعيم الطائفة الإسماعيلية.. وعلاقة عشق بين "البيجوم" وأهالي النوبة

موضوعات مقترحة

خبراء السياحة: المقبرة من أشهر المعالم السياحية بأسوان.. الأهالى يناشدون الأمير "رحيم" بإعادة فتحها أمام السائحين

أسوان ـ عز الدين عبد العزيز

يعد ضريح أغاخان الشهير الذي يزين الربوة الغربية للجبل الذهبي بمدينة أسوان واحدًا من أهم المعالم السياحية بالمحافظة السمراء، حيث يضم الآن جثامين السلطان محمد شاه الحسيني الأغاخان الثالث، وزوجته البيجوم " أم حبيبة" التي لم تفارقه في الحياة والممات، وأخيرًا الأغاخان الرابع الأمير كريم الذي توفي منذ أيام قليلة عن عمر يناهز 88 عامًا.

وحتى وقت ليس بالقريب كان الضريح متاحًا للزيارة أمام الجميع، إلا أن الأمير الراحل وبناء على طلب من البيجوم "أم حبيبة" قبل رحيلها قرر إغلاقه أمام الزائرين حفاظًا على هيبة وجلال الموت من الضوضاء والإزعاج.

حكاية الشيخ النوبي وشفاء الأغاخان الثالث

يقع ضريح أغاخان على ربوة عالية بالبر الغربي لنهر النيل في مواجهة الجزء الجنوبي للحديقة النباتية، وقد اختار السلطان محمد شاه الحسيني هذا الموقع بنفسه بعدما جاء إلي أسوان في مطلع عام 1954وهو يعاني معاناة شديدة من آلام الروماتيزم والعظام، ووقتها لم تشفع له ثروته في العلاج، وفشل أعظم أطباء العالم حينها في علاجه، حتى نصحه أحد الأصدقاء بالتوجه إلي أسوان في جنوب مصر، فجاء بصحبة عدد كبير من حاشيته وأتباعه وهو جالسًا على مقعد متحرك. وفي المدينة الساحرة قابله شيخ نوبي فقيه بأمور الطب الطبيعي وقرر أن يعالجه من خلال دفن نصف جسده السفلي في الرمال الساخنة لمدة ثلاث ساعات يوميا،  وبعد أسبوع من هذا العلاج الطبيعي اليومي عاد الأغاخان الرئيس الـ 48 للطائفة الإسماعيلية إلى الفندق حيث محل إقامته سائرًا على قدميه وسط فرحة عارمة من زوجته وأنصاره ومؤيديه.

من هذه اللحظة التي شهدت شفاءه من الآلام المبرحة، واظب الأغاخان الأب الروحي للطائفة الإسماعيلية على زيارة أسوان كل شتاء من كل عام، وعشق السلطان المدينة عشقًا لا حدود له فبادلته العشق كل العشق، كما عشقتها زوجته ومحبوبته البيجوم  "أم حبيبة".

وعلى نيل أسوان أقام الأغاخان وزوجته فيلتهما الشهيرة "دار السلام"  بالبر الغربي، كما أوصى ببناء مقبرته الشهيرة التي نفذها شيخ المعماريين العرب ورائد العمارة الإسلامية الدكتور مهندس فريد شافعي أستاذ العمارة في مصر على التراث المعماري الإسلامى الفاطمي، ليتم دفنه بالمقبرة بعد وفاته في عام 1959 في جنازة مهيبة حضرها الآلاف من أتباع الفرقة الإسماعيلية وأهل أسوان.

وصف الضريح.. وهدية الرئيس عبد الناصر

 عقب طلب الأغاخان من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شراء جبل أسوان الغربي ليعيش ويدفن فيه، أهدى الزعيم الراحل قطعة أرض للسلطان الراحل فى الموقع ذاته تقديرًا منه لمكانته الدولية وأتباعه من طائفة الشيعة الإسماعيلية المسلمين المنتشرين حول العالم، وبالفعل تم تشييد الضريح على الضفة الغربية لنهر النيل بأسوان، حيث اختار السلطان محمد شاه الحسيني أن يُدفن في هذا الموقع على غرار جده المدفون على الضفة الغربية لنهر الفرات بالعراق.

وعقب أن رحل الأغاخان الثالث الرئيس رقم 48 للطائفة الإسماعيلية، وأحد مؤسسي رابطة مسلمي عموم الهند في 19 فبراير من عام 1959 بسويسرا، تم دفنه حسب وصيته بالضريح الذى تم تشييده على ارتفاع 50 مترًا.

وحول المحراب حفرت آيات قرآنية من سورتي النور والبقرة، وكل النقوش المحفورة منقولة من كتابات مسجدي الجيوشي بالمقطم والسيدة رقية بالقاهرة، والأعمدة والأرضيات تم تركيبها من جرانيت أسوان الوردي، أما غطاء المقبرة فهو من الرخام الإيطالي، ومنذ ذلك التاريخ تم حفر مقبرة لزوجته البيجوم " أم حبيبة " لتدفن بجواره في صيف عام 2000 .

ملك بلا مملكة

وصف بعض المؤرخين المعاصرين السلطان محمد شاه الحسيني الأغاخان الثالث بأخر أساطير ألف ليلة وليلة، نظرا لشعبيته وزعامته للطائفة الإسماعيلية التي يصل عدد معتنقيها حاليا لنحو 15 مليون شخص على مستوى العالم .

فإن الأغاخان الثالث الذي كان يدين له بالولاء هؤلاء الملايين من أتباع الطائفة بدا كالملك بلا مملكة، وهو زعيم وإمام قد جمع بين الدين والدنيا، فكان للدين إماما وفي الدنيا سلطانا، ولأن العشق ربط بينه وبين زوجته الراحلة البيجوم " أم حبيبة" فإنها وكما رافقته في الحياة ترافقه حاليا في العالم الأخر، حيث يرقد جثمانها إلى جواره داخل الضريح الشهير. 

سر " الوردة الحمراء " علي قبر أغاخان

ربما يندهش البعض ويتساءل عن سر تلك الوردة الحمراء التي كانت البيجوم الراحلة " أم حبيبة " تحرص علي وضعها فوق مقبرة زوجها الراحل داخل كأسا فضيا كل يوم، والحقيقة أن الأغاخان محمد شاه الحسيني كان من عشاق الورد الأحمر الذي دائما ما كان يملأ أركان الغرف التي يجلس فيها، والطريف أن ولعه وشغفه بالزهور قد لعب دورا كبيرا في التعرف علي معشوقته وزوجته بائعة الورود الفرنسية فيفيت لابروس  " البيجوم "، وهى زوجته الرابعة، حيث تزوجا بعد قصة حب وأشهرت إسلامها وأطلق عليها اسم البيجوم أم حبيبة، بما يعنى أم الطائفة الإسماعيلية، وكما جمعتهما وردة حمراء معا افترقا أيضا على حبها، وظلت تلك الوردة الحمراء "رونرا بكران" التي كانت البيجوم أم حبيبة تحرص على أن يتم وضعها في الكأس فوق المقبرة كل يوم بمثابة رسالة حب ووفاء من زوجة إلي زوجها، وعقب رحيلها  لم يخلف الورد الأحمر موعده مع المقبرتين، حيث يقوم أحد العمال بوضع وردتين في تمام التاسعة صباحا من كل يوم .

البيجوم " أم حبيبة " وعلاقتها بأهل النوبة

ارتبطت البيجوم " أم حبيبة " بعلاقات غير عادية مع أهل النوبة المقيمين حول فيلتها في جزيرة ألفنتين بغرب أسوان وجبل تاقوق، وعند وصولها للمدينة كانت تستقل مركبا ذو شراع أصفر يتميز عن المراكب الأخرى ذات الأشرعة البيضاء، حتي يعرف أهل أسوان أن" أم حبيبة" قد وصلت للمدينة، وأنها لاتزال على العهد وفية لاتنسى زوجها الحبيب .

ففي هذا الوقت وقبل مطلع الألفية الثالثة لم يكن هناك وسائل للتواصل الاجتماعي ولا إعلام منتشر بهذا الشكل، وحتى الأن لاتزال  أيادي الخير تنهل من نهر الأغاخان والبيجوم في العديد من المساهمات الخيرية، كبناء المستشفيات، والوحدات الصحية، والمدارس والعديد من المشروعات التي تتبناها مؤسستي الأغاخان و" أم حبيبة " في مجالات الزراعة والأمن الغذائي، والادماج الاقتصادي، وتمكين المرأة داخل المحافظة .

أنشطة غير مسبوقة

بخلاف ما تساهم به شبكة الأغاخان بالمشروعات الكبيرة في القاهرة فإن مؤسسة " أم حبيبة "، وهى إحدى المؤسسات غير الهادفة للربح تمارس نشاطا غير محدود في أسوان، ومن هذه الأنشطة، تنفيذ برنامج التمويل متناهي الصغر (FMS)، وكذا تنفيذ أنشطة زراعية وتعليمية ودورات تدريبية للغة الإنجليزية والكمبيوتر لشباب الخريجين، والعاملين بالشركات وقطاع السياحة بالمحافظة، بالإضافة إلى دعم برامج تنمية الطفولة المبكرة، ودعم برامج تحسين التعليم والمهارات العملية في مجال التمريض بالتعاون مع مديرية الصحة .

قالوا عن الأغاخان

يقول عبد الناصر صابر نقيب المرشدين السياحيين في أسوان سابقا إن مقبرة الأمير محمد شاه أغاخان التي تقع أعلى هضبة من الجهة الغربية للمدينة في جزيرة وسط النيل تعد واحدة من أهم المزارات السياحية الحديثة في " ساحرة الجنوب "، حيث تطل على قصر الملك فاروق ملك مصر والسودان قديما والذي أصبح حاليا فندق «كتراكت» صاحب الطابع التاريخي، كما تطل من الجهة الأخرى على مقبرة رومانية إغريقية ومعبد «ساتت» الذي شيدتة الملكة حتشبسوت .

كما ترقد بجوار الأغاخان زوجته البيجوم الشهيرة بـأم حبيبة، وهاهى المقبرة قد ضمت جثمان الأمير كريم الأغاخان الخامس، مشيرا إلى أنه دائما ما يتحدث مع السائحين الأجانب عن مقبرة أغاخان، التي تعد أحد المزارات الشهيرة في مصر، والتى تم وضعها على الخريطة السياحية، على الرغم من غلقها حسب طلب عائلة الأغاخان، مؤكدا أن معظم السياح اللذين يزورون أسوان دائما ما عن رغبتهم الشديدة فى زيارة المقبرة .

أيادي بيضاء

ويضيف حسن عبد القادر أمين غرفة السياحة ووكلاء السفر بأسوان أن أهالي أسوان وفي المناسبات المختلفة كانوا يحرصون على زيارة المقبرة التي تعد من أشهر المناطق الأثرية في أسوان، لافتا إلى أن مؤسسة وشبكة أغاخان للتنمية، وكذا مؤسسة " أم حبيبة " لها أيادي بيضاء على محافظة أسوان، حيث دشنت ولاتزال العديد من الأعمال الخيرية، مثل دعم الوحدات الصحية والمستشفيات، وتنفيذ برامج مواجهة الفقر، والقضاء على التسرب من التعليم، بخلاف ما تقدمه من قروض حسنة للمشروعات متناهية الصغر داخل القرى من أجل مساعدة الأسر الفقيرة والمرأة المعيلة، فكل التحية والتقدير للمؤسستين والقائمين عليها، ورحم الله الفقيد الأغاخان الرابع كريم الحسيني الذي أوصى بدفنه بجوار جده وزوجة أبيه الرابعة .

وناشد الريس علي هيبون "مراكبي "عائلة الأغاخان والأمير رحيم كريم الأغاخان الخامس العدول عن قرار غلق المقبرة والضريح أمام الزائرين من أجل إثراء الحركة السياحية بالبر الغربي على أن يتم التعهد باحترام قدسية الموت وهيبة الضريح .

اقرأ أيضًا: