يخطأ من يعتقد أن مؤامرة تهجير شعب فلسطين خارج أرضه مجرد فكرة أو طرح أو رغبة شخصية ظهرت فجأة على لسان الصهيوني "ترامب"، وأن هذه الفكرة ذهبت أدراج الرياح أمام عاصفة الرأي العام الرسمي والشعبي في الدول العربية خلال الأيام الماضية.
الحقيقة التي لا يجب أن ننساها أو نغفل عنها كعرب وكمسلمين، هي أن الكيان الصهيوني نشأ كمشروع ديني قائم على أساطير دينية تقول إن أرض إسرائيل المباركة التى كتبها الله لهم من النيل إلى الفرات، وأن على "شعب الله المختار" أن يقيموا دولتهم على كل هذه الأراضي، ويطردوا منها سكانها حتى لو عن طريق الإبادة الجماعية لهذه الشعوب، وعلينا أن نعرف أن أطماع الصهاينة في الأراضي العربية -وليس في أرض فلسطين فقط - "عقيدة" ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير المسئولين أو القيادات في هذا الكيان، كما تتلاقى مع "عقيدة" و"معتقدات" الإنجيليين والبروتستانت التي ترى أن عودة المسيح لن تتحقق إلا بعودة اليهود لأرض فلسطين، وبإقامة إسرائيل الكبرى، وهذا يفسر الدعم اللامحدود البريطاني-الأمريكي لإسرائيل.
المخطط الصهيونى طويل الأمد، لكنه قائم ويسير للأمام، لا يفرق معهم عنصر الوقت، فما حققوه منذ عام 1948 حتى الآن وخلال 75 عامًا فقط يعتبرونه إنجازًا كبيرًا على طريق إسرائيل الكبرى "المزعومة"، على أن تكمل الأجيال القادمة باقي حلمهم المزعوم.
هذا يتطلب منا كأمة عربية -شعوبًا وحكومات ونخبة- أن يكون لدينا وعي تام بهذا المشروع الشيطاني ونواجهه جيلًا بعد جيل، وكل جيل يسلم الراية للأجيال التي تليه؛ حتى تظل المواجهة لهذا المشروع -ليست أمنيًا وعسكريًا فحسب- ولكن وعيًا وثقافة وعقيدة عند كل مواطن عربي ومسلم، من أول أبنائنا في المدارس، الذين يجب توعيتهم بخطورة هذا المشروع الصهيوني في المناهج الدراسية.
ورب ضارة نافعة، كانت "هرتلة" ترامب الخاصة بالتهجير القسري للفلسطينيين إلى مصر والأردن وإخلاء غزة لتستولي عليها أمريكا سببًا ودافعًا لتتوحد كلمة العرب جميعًا على استنكار ورفض المؤامرة الصهيونية الأمريكية بكل قوة، وتطابق الموقف الشعبي مع الموقف الرسمي للدول العربية ضد هذه المؤامرة، وضد تصريحات ترامب التي لا تخضع لأي أعراف سياسية أو دبلوماسية ولا تحترم أي قوانين دولية.
وكان موقف الرئيس السيسي تاريخيًا وفخرًا لكل مصري وعربي برفضه تصريحات ترامب والمؤامرة الشيطانية برمتها، ليس فقط لأخطارها على الأمن القومي المصري، ولكن أيضًا لأن تنفيذ المؤامرة يعني تصفية نهائية لقضية فلسطين والقدس، وهذا الموقف المصري الرسمي يتسق مع دورها التاريخي ومسئوليتها القومية في الوطن العربي، وبعد إعلان مصر موقفها تبعها العديد من الدول العربية، حتى تشكل رأي عربي، ثم رأي عام عالمي رافض لما "هرتل" به ترامب، ولأول مرة منذ سنوات طويلة يشعر العالم بأن هناك رأيًا عامًا عربيًا موحدًا على المستويين الرسمي والشعبي، لذلك أقول رب ضارة نافعة.
ولكن ما زال جس النبض الصهيوني الأمريكي حاضرًا حول قبول العرب تنفيذ هذا المخطط الشيطاني، وقد تشهد الفترة القادمة ضغوطًا متنوعة على بعض الدول العربية لقبول المشروع، في مقدمتها مصر والأردن، ولكن هذه الضغوط لن تحقق أيًا من أهدافها في مواجهة صلابة الموقفين الرسمي والشعبي للدول العربية، وفي القلب منها مصر والأردن.
يبقى هناك دور مهم على الشعب الفلسطيني في غزة، بعد الدور التاريخي المشرف لمصر والدول العربية الأخرى، وهو عدم خضوع المواطن الفلسطيني للإغراءات الأمريكية؛ بتوفير فرص هجرة مميزة لهم إلى دول أوروبية أو آسيوية، فإن الاستجابة لهذه الإغراءات معناها ضياع الوطن للأبد، ولن يكون لهم حق العودة مرة أخرى لغزة أو الضفة، وسيتبدد حلم إقامة دولة فلسطينية، وعلى حركات المقاومة في غزة أن تتوقف عن الارتماء في حضن إيران والائتمار بأوامرها، ولا تسمح لنفسها أن تتحول إلى ذراع إيراني بالمنطقة، وأن تسمح لإيران بالتدخل في الشأن العربي، وأن تعمل وبسرعة على توحد الفلسطينيين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تسمح للسلطة الفلسطينية بأن تمارس دورها في غزة، حتى تقضي على أي ذرائع صهيونية-أمريكية بعودة الحرب مرة أخرى، أو عرقلة إعمار القطاع.
وفي مصر، ولمواجهة المشروع الشيطاني بجعل سيناء وطنًا بديلًا للفلسطينيين على المدى البعيد، لا بد من الإسراع في تعمير سيناء؛ تعميرًا بمفهوم مختلف جذريًا عما سبق، لقد تأخرنا في تعمير سيناء و"زرعها" بالبشر منذ تحريرها عام 1982، وأرى أنه حان الوقت لمشروع قومي له أولوية مطلقة لتعمير كل شبر في سيناء، بداية من امتداد حدودنا مع فلسطين المحتلة، ولا أعني مشروعًا لإنشاء منتجعات سياحية على الشواطئ -وهو مطلوب ومهم- ولكن أتحدث عن تعمير سيناء بعدد سكان لا يقل عن 20 أو 30 مليون مواطن؛ من خلال مشروعات سكنية عملاقة على غرار العاصمة الإدارية الجديدة، تشمل انشاء ملايين الوحدات السكنية مختلفة المستويات والمساحات، وإنشاء مئات المدن الكبرى الحديثة الراقية، وآلاف المدارس والجامعات والمصانع؛ لتتحول سيناء بسكانها إلى سنغافورة جديدة تستقبل ملايين السياح سنويًا، ويعيش على أرضها عشرات الملايين من المواطنين، هذا المشروع الذي قد يستغرق أكثر من 50 عامًا -وهو زمن قليل في عمر الأمم- سيقضي تمامًا على المشروع الشيطاني لاستقطاع جزء من أرض مصر الصحراء للفلسطينيين؛ لأنه لن ينظر لفلسطين على أنها صحراء، كما أن هذا المشروع سيكون جزءًا أصيلًا من الأمن القومي المصري، وسيعيد حسابات جيش الكيان الصهيوني في أي مغامرة عسكرية مستقبلية، ولن تكون سيناء أرضًا صحراوية مفتوحة يسهل اختراقها عسكريًا بالدبابات، بل ستصبح مدنًا "مزروعة" بـ30 إلى 40 مليون مواطن مصري مستعدون لفداء ترابها بدمائهم إلى جانب قواتهم المسلحة.