6-2-2025 | 15:57

ذاقت الأمتان العربية والإسلامية الأمرين، ولا تزالان، جراء "وعد بلفور" المشئوم الذى قدمه المحتل البريطاني لليهود عام 1917 لإقامة كيانهم المسموم، إلى أن جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليعيد الكرة بتقديمه وعدًا مشابهًا في 2025، حتى يخلص إسرائيل، التي استباحت وسفكت دماء الفلسطينيين لعقود، من صداع الأزمة الفلسطينية، بإعلانه ليس فقط تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة وتفريغه، بعد أكثر من عام من المجازر والمذابح الإسرائيلية، بل والاستيلاء عليه ليحوله إلى "ريفييرا" سيقيمها الأمريكيون بأرجائه، دون أن يحدد لنا بالضبط مَن الذي سيقطنها، وبكل تأكيد لن يكونوا أبناءها من الفلسطينيين.

فترامب، الذي لم يمض على عودته مظفرًا إلى البيت الأبيض سوى أسبوعين، لم يخجل منِ طرح عرضه وخطته لاحتلال غزة، وكأنها بلا صاحب ومشاع للقاصي والداني، وإخراج أهلها منها مؤقتًا، حسب قوله، دون أن يعبأ بالنظر إلى ردود الفعل العربية والعالمية الغاضبة من مخططه، المرادف حرفيًا للفوضى وإشاعة الاضطرابات في جنبات الإقليم والعالم، فهو لا يرى إلا ما يروق له، معتقدًا أنه على الكل تنفيذ رغباته، دون نقاش أو اعتراض على ما ستجلبه من مخاطر ونكبات.
 
ودعك من النرجسية الطاغية والمتفجرة في تصرفات وأداء وتصريحات ترامب، واستخفافه واستهزائه الواضح بأبسط قواعد ومقتضيات العلاقات الدولية والدبلوماسية، ومعها نصوص القوانين والمواثيق الدولية، وركز فقط في تشجيع رئيس القوة العظمى الأولى في عالمنا على التعدي على سيادة الآخرين دون ضابط ولا رابط، وكأننا في غابة يستأسد فيها الأقوى على الأضعف، ومعاقبة المجني عليه بقسوة -الفلسطينيين- وحرمانه حتى من حقه الأصيل في التمسك بأرضه، والشكوى مما يتعرض له من ظلم بَيّن، ومكافأة الجاني -إسرائيل- وصنع مزيد من بؤر التوتر والاحتقان، ستقود حتمًا لموجات من العنف، قد تطال الداخل الأمريكي نفسه.
 
وأشك أن ترامب درس خطته، الفوضوية تلك، مع دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة، فهذه قاعدة راسخة وأساسية في النظم الديمقراطية، التي تبشر بها وتدعو إليها الولايات المتحدة دول العالم لكي تحذو حذوها وتطبقها، لكنه اكتفى بدائرته المقربة التي زينتها له، على أنها فكرة عبقرية لم يسبقه إليها أحد من العالمين، وكفيلة بإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دفعة واحدة، وإغلاق ملفه، وما هو المانع في استقبال دول أخرى أكثر من مليون فلسطيني على أراضيها، لكي تنعم تل أبيب براحة البال وطيب الخاطر ولا تقلق مستقبلًا.
 
أهذه وصفة للسلام والاستقرار، أم سبيل مضمون لإشعال النيران المستعرة، التي ستلتهم ما يصادفها، مثلما أتت حرائق كاليفورنيا على منتجعات وقصور علية القوم من الفنانين والشخصيات العامة في غمضة عين، دون أن يستطيع أن يوقفها كائن من كان؟ 

ولماذا لا يتدبر ترامب الأمر وينظر للحقائق المجردة من حوله، ويدرك أن المعضلة ومفتاح الحل يكمن في إزالة الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الفلسطينيين من تأسيس دولتهم، وفقًا للقرارات والمعاهدات المبرمة بهذا الخصوص، وكانت أمريكا طرفًا رئيسًا مشاركًا في الإعداد والتخطيط لها وصياغتها، فهو يتغافل عن عمد عن تلك الحقيقة الناصعة والواضحة وضوح الشمس، ولا يلزمها إثباتات ودلائل شارحة، ولم لا يفرمل إسرائيل قليلًا عن اندفاعها صوب الدمار والتخريب والقتل، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا ضد شعب أعزل، كل جريمته أنه يدافع عن وطنه وحقه المشروع في الحياة الآمنة واحترام آدميته؟ 

إن وعدي "بلفور" و"ترامب" ليسا سوى وجهين لعملة واحدة، ومقدمًا على الرئيس الأمريكي أن يدرك استحالة تنفيذه بالكيفية والتصور الذي عرضه، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو في واشنطن قبل يومين، الواجب محاسبته كمجرم حرب، وعليه أن يعي ويستوعب أن إستراتيجية مستشاره السابق ستيف بانون، وملخصها إطلاق النار بأسرع معدل، بحيث لا تعطي لأحد فرصة لالتقاط الأنفاس، لن تؤتي أُكلها، وستكون وبالًا عليه قبل غيره.
 
ولعل أبلغ رد على "وعد ترامب" ورد على لسان طفلة غزاوية اسمها "ماريا حنون"، لا يتجاوز عمرها السنوات الست، حينما تساءلت ببلاغة وفصاحة تفوق عمرها الصغير بكثير، موجهة كلامها للرئيس الأمريكي قائلة بعفوية وذكاء: "إذا قلت لك اخرج من بيتك، هل ستخرج؟! إذا كنت ترفض مغادرة منزلك، فلماذا تطلب مني أن أترك بيتي ووطني؟!".

ياسيد ترامب إن "لا" تعني "لا" وليس "نعم".

كلمات البحث
الشائعات.. وخطوط الدفاع

يتعرض المجتمع المصرى لهجمات شرسة ومتلاحقة من فيروس الشائعات الخبيث والفتاك، الذى يستهدف بالأساس إضعاف جهاز مناعته وخطوط دفاعه الحصينة، وكبقية الفيروسات

الأكثر قراءة