ترددت في البداية لكن المشهراوي أقنعني بالمشاركة
موضوعات مقترحة
لفت مشروع أفلام «من المسافة صفر» انتباه العالم بعد تأهله للقائمة القصيرة لجائزة الأوسكار، وهى مبادرة تحت إشراف المخرج الفلسطينى الكبير رشيد مشهراوي، تضم 22 فيلما قصيرا تم تصويرها فى غزة خلال الحرب الدائرة حاليا.
حصدت الأفلام عدة جوائز من مهرجانات دولية من بينها ثلاث جوائز فى الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي. تمزج أفلام المشروع بين الروائى والوثائقى والتسجيلى والرسوم المتحركة، إلا إن الرابط بينها هو الصدق والعفوية والإنسانية.
تحمل رؤى وحكايات لمخرجين فلسطينيين، وتسرد قصصاً غير محكية وغير مرئية للعالم، جرى إنتاجها فى ظروف قاسية وإمكانات محدودة تحت وطأة حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، لتكون بمثابة مشروع للذاكرة وللمقاومة الثقافية.
حاورت «الأهرام العربى» المخرج الفلسطينى تامر نجم، مخرج فيلم «المعلم»، أحد الأفلام المشاركة بهذا المشروع، الذى كشف عن كواليس وتحديات تصوير تلك الأفلام خلال الحرب.
< اخترت اسم «من المسافة صفر» للمشروع.. ما دلالة الاسم ورمزيته؟
لأنه كانت القصة منه «من المسافة صفر» يعني. فى الحقيقة من الحياة التى نعيشها، فقد أخذ فكرة الاسم «مسافة صفر» يعنى من اللحظة الآنية، من أن ما يحدث مما يجرى حاليا.
< كيف بدأ التواصل حول مشاركتك بالمشروع؟
تواصل معى المخرج الكبير رشيد مشهراوى، وأخبرنى أنه يريد مشاركتى معه فى مشروع لإنتاج أفلام قصيرة، تقدم قصصا غير محكية فى الأخبار عن الحياة فى غزة أثناء الحرب. بالطبع ترددت بالبداية وأخبرته أنه لا مانع لدى للمشاركة، لكن كنت أفضل إرجاءها لما بعد انتهاء الحرب، لأننا فى حالة نزوح نحاول النجاة بحياتنا، لكن مشهراوى أقنعنى أن هذا هو الوقت مناسب تماما لإيصال صوت فلسطين إلى العالم عبر الاضطلاع بدورنا كفنانين، وكشف حقيقة ما يحدث فى تلك الحرب، وأنه سيدعمنا فنيا بكل ما يستطيع مما أعطانى دافعا كبيرا، وتحمست للمشروع وقررت المشاركة.
< أنت مخرج فيلم «المعلم» حدثنا عن الفيلم كيف جاءتك فكرته وما الزاوية التى سعيت لإبرازها من خلاله؟
حاولت من خلال فيلم «المعلم» تتبع يوما فى حياة الأستاذ علاء، الذى يغادر خيمته حاملا وعاء على أمل العودة ببعض الطعام. إلّا أن الطوابير الطويلة تحول بينه وبين الخبز والمياه وشحن الهاتف.فى نفس الوقت الذى يحاول فيه الحفاظ على قدر من كرامته وكبريائه ومساعدة تلاميذه رغم احتياجه هو شخصيا لكل شيء. وجاءتنى الفكرة من مخيم النازحين الذى كنت أعيش فيه عندما لاحظت خروج كل رجال المخيم فى الصباح الباكر وعودتهم بالمساء، فبدأت أتأمل حياتنا فى ظل الحرب كيف ضاع جزء كبير منها وسط الوقوف فى طوابير المؤن أثناء محاولتنا للنجاة والعيش فى ظل الحرب.
< كم استغرق تصوير الفيلم، وما المعدات التى تم استخدامها فى المشروع؟
استغرق التصوير نحو 15 يوما، وبالتأكيد هذه فترة طويلة لتصوير فيلم قصير، لكن ظروف الحرب ومخاطرها والنزوح المستمر، كل ذلك جعلنا نعيد تصوير الكثير من المشاهد لأكثر من مرة. حاولنا استخدام الموارد المحدودة المتاحة مثل كاميرات الموبايل والكاميرات ذات الجودة المعقولة. بالطبع ساعدنا أكثر فى ذلك أننا كنا نقدم عملا تجريبيا، يركز على الحكى ونقل الواقع كما هو دون الإخلال بالمعايير الفنية الأساسية.
< كيف تعاملتم مع عمليات ما بعد التصوير وإرسال الأفلام خارج غزة؟
بالطبع كنا ننتظر توفرالكهرباء والاتصال بالإنترنت لنتمكن من إرسال المقاطع لرشيد مشهراوى، الذى كان يرسل لنا ملاحظاته الفنية حول المشاهد، واستعنا بزملائنا الصحفيين فى ذلك، وأحيانا كنا ننتظر يومين أو ثلاثة لإرسالها أو لتلقى الرد بشأنها. وكل منا كان يؤمن ما أنجزه للآخرين، كى يكملوا المهمة إذا ما استشهد أحدنا، فلقد فقدنا بالفعل عددا كبيرا من فريق العمل بانتهاء المشروع.
< التصوير وسط الحرب ليس سهلا بكل تأكيد، ما الصعوبات التى واجهت صناع الأفلام، وكيف تغلبتم عليها؟
بالتأكيد تعرضنا لمخاطر كثيرة. مثل صعوبة التنقل فى قطاع غزة والنزوح المستمر، وسقوط الصواريخ بجوارنا فجأة أو انهيار مبان من حولنا فى نفس المكان الذى نقوم بالتصوير فيه، بالإضافة إلى الوجود المستمر لطائرات التشويش التى تستخدمها إسرائيل، وهى طائرات صغيرة أشبه بالدرون تصدر أصواتا مرتفعة مزعجة مثل صراخ الأطفال كنوع من الحرب النفسية التى تمارسها إسرائيل علينا، كنا نحاول تلافيها. فى النهاية كانت ثقة أهل غزة وزملائنا الذين استشهدوا أثناء المشروع، والمخرج رشيد مشهراوى حافز قوى لنا للتغلب على تلك الصعوبات لأنهم حملونا مسئولية كبيرة أردنا الوفاء بها.
< ألم يتردد أهل غزة بالمشاركة فى ظل معاناتهم من أهوال الحرب؟
بالطبع كانت هناك مناقشات ومحاولات إقناع كثيرة لأن كل بيت فى غزة لديه جرح مفتوح، ولكن إذا لم نحك قصتنا للعالم لن يتم كشف الحقيقة ونحن الأحق بسرد حكايتنا، لأن الآخرين لن ينقلوا واقع ما يحدث لأننا من نعيشه، كما كانت هناك رغبة بتحدى السردية الإسرائيلية التى تسعى لتجريدنا من إنسانيتنا وكرامتنا.
< وماذا كانت ردود فعل أهل غزة على نجاح المشروع؟
بالطبع كان الأمر كله مفاجئاً للجميع خاصة مسألة التأهل للأوسكار، ولكن كان الاتفاق على أن مشروع «من المسافة صفر» نجح فى كشف جرائم إسرائيل وأوصل صوت غزة للعالم.
< ما الزوايا التى كنتم تريدون تصويرها ولم تتمكنوا من ذلك؟
هناك حكايات كثيرة نحتاج لتوثيقها، لذلك فإن المشروع مازال مستمرا، ولايزال يتم تصوير العديد من الأفلام الأخرى فى غزة حاليا لتوثيق ما يحدث خلال تلك الحرب، ولكن هناك حكايات ومآسى آخرى تحدث داخل خيام النازحين، فالأمهات تطهى لأولادها الحصى لإلهائهم حتى يناموا، وهناك أطفال اعتادوا على مشاهد الجثث المبتورة، والآلاف الذين ينزحون حفاة ويمشون لمئات الكيلومترات فى محاولة للعودة لمنازلهم أو النجاة بحياتهم. إسرائيل تسعى لتجردنا من كرامتنا ولكننا سنظل صامدين لنؤكد للعالم أن هناك بشرا فى فلسطين يستحقون الحياة أحرارا فى وطنهم.
< علمنا بانضمام المخرج الأمريكى الشهير مايكل مور كمنتج تنفيذى إلى فريق فيلم «من المسافة الصفر» حتى يوفر له فرصة الوصول إلى القائمة النهائية . حدثنا عن ذلك وتأثيره العالمى؟
فى البداية لم نصدق جميعا، ولكن مشاركة مور أسعدتنا وأشعرتنا أن «من المسافة صفر» نجح بإيصال صوت غزة وخلق تعاطف عالمى وتضامن إنسانى مع أهلها، ونتمنى فعلا أن يكتمل الحلم ويفوز المشروع بالأوسكار.
< ما أبرز العراقيل والتحديات التى تواجه السينما الفلسطينية بشكل عام سواء فى الداخل أم الخارج؟ وكيف تحاولون التغلب عليها؟
هناك عقبات كثيرة يتعمد الاحتلال الإسرائيلى وضعها فى طريقنا دائما، لمحاولة كتم صوتنا. منذ بدء الحرب على غزة كان هدف الاحتلال تدمير المراكز الثقافية مثل مسرح رشاد الشوا، ودور السينما والمكتبات. ولكن لم ندع ذلك يوقفنا مما دفع الناس هناك للابتكار من اللاشيء، أصبحوا يرسمون لوحات باستخدام الرمال ويشكلون مجسمات من مخلفات الحرب، من خلال كل ذلك نحن نعرى تلك الحرب، ونكشف خداع ذلك العدو وتضليله بسلميتنا، لأننا طوال تاريخنا نحن أصحاب ريشة وقلم وكاميرا ولا نرد على العدو بقتل الأطفال والنساء كما يفعل هو. وأهل غزة صامدون وسيظلون صامدين مهما كانت فداحة الخسارة.
بالتأكيد وجود المنصات وانتشارها مثل «نيتفليكس» كانت تطورا مهما، منح السينما الفلسطينية قدر أكبر من الانتشار، وإن لم يكن هذا قد تم بسهولة مثل الجدل الذى حدث مع فيلم فرحة لدارين سلام عام 2022 وردود الفعل الإسرائيلية بذلك الوقت.