منذ نكبة فلسطين، وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وقيام إسرائيل على أنقاض الشعب هناك، ظهرت وكالة غوث اللاجئين “الأونروا”، رسالة من العالم، وهى ليست إلا تعبيرًا عن أزمة حادة في عالم اليوم، إلغاؤها دليل ساطع على سقوط كل القيم الإنسانية، وظهور التوحش العالمي.
فاللاجئون في عالمنا اليوم بعد إلغاء الأونروا سوف يعانون كارثة إنسانية فظيعة، لا سيما الشعب الفلسطيني الذي هو في حاجة إليها.
حتى قيام دولته التي تحمي شعبه، وهم كلهم لاجئون، حتى الموجودون في الأرض المحتلة، لعدم تساويهم في الحقوق والواجبات مع الإسرائيليين.
الأونروا ليست مجرد مزود خدمات، بل هي شاهد دولي على قضية اللاجئين، ودورها الأساسي يشمل الدفاع عن حق العودة، والتعويض، وإعادة التأهيل. وقف عملها يمثل محاولة واضحة لإلغاء هذا الدور، وتحميل الفلسطينيين أعباء مضاعفة، إن إغلاق الأونروا لا يشكل تهديدًا فقط للخدمات الإنسانية، بل هو خطوة ضمن خطة أكبر، تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وطمس حقهم في العودة.
تتعرّض «الأونروا»، وهي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بين فترة وأخرى لأزمات مادية؛ بسبب امتناع الدول المانحة أو الراعية عن تسديد حصصها، ومعظمها أعضاء في الأمم المتحدة.
غالبًا ما يكون الامتناع لأسباب سياسية، تهدف إلى الضغط على الفلسطينيين لقبول مشروعات محدّدة أو تسويات معيّنة، أو للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، والقبول بالنتائج قبل إقرارها، وهذا يوضّح سبب الأزمات التي كانت تسبّبها الولايات المتحدة الأمريكية، فتمتنع عن سداد حصّتها، فتخلق أزمة، حتى تقوم الدول العربية، إضافة إلى بعض الدول الأوروبية، بسد العجز المالي، وتواصل الأونروا عملها في تقديم الدعم والإغاثة إلى اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي نزحوا إليها، مثل الأردن وسوريا ولبنان، وللمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزّة، وقد ازداد الضغط على هذه الوكالة منذ بدء ما يسمى (الربيع العربي) جرّاء النازحين والمهاجرين من سوريا إلى لبنان والأردن.
لكن يبدو أن الأونروا تتعرّض حاليًا لأزمة جديدة مختلفة، وذلك حين أمرت إسرائيل في الخامس والعشرين من يناير الماضي، «الأونروا» بإخلاء مبانيها في القدس الشرقية المحتلة، ووقف عملياتها فيها بحلول 30 يناير الماضي.
قالت «الأونروا» في بيان توضيحيّ: «إن هذا الأمر يتعارض مع التزامات القانون الدولي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك إسرائيل، التي تلتزم بالاتفاقية العامة لامتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها؛ لأن مباني الأمم المتحدة مصونة، وتتمتع بالامتيازات والحصانات بموجب ميثاق الأمم المتحدة..».
وهذه ليست المرة الأولى التي تعتدي فيها إسرائيل على «الأونروا»، فقد سبقت أن اتهمت مكاتبها العاملة في قطاع غزة، أثناء الحرب، التي انتهت منذ أيام، بأنها تتعامل مع المسلحين الفلسطينيين وتقدّم الدّعم إليهم، وهي بذلك، أي إسرائيل، لم تفرّق بين الفلسطينيين المدنيين، الذين يتلقون المساعدات من «الأونروا»، وبين التنظيمات المسلحة، وأعطت لطائراتها الحق في تدمير مكاتب «الأونروا» في قطاع غزة، ومن بينها المدارس التي لجأ إليها الفلسطينيون، وتحوّلت إلى مراكز إيواء.
وقد قُتل العشرات من العاملين في مدارس ومكاتب «الأونروا» بغزة، وتعمل إسرائيل الآن على وقف عمل «الأونروا» في القدس الشرقية والضفة الغربية، وحجب المساعدات والخدمات عن 19 مخيمًا، يعتمد سكانه على «الأونروا»، في تعليمهم وتطبيبهم وتأهيلهم.
إغلاق الأونروا يعني إغلاق نافذة أمل رئيسية، لملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة، فالتخلّص من «الأونروا» إستراتيجية إسرائيلية - أمريكية، والهدف هو التخلّص من قضية اللاجئين، وليس المقصود أن يسقط الفلسطينيون حقّهم في العودة إلى وطنهم، بل عليهم الاستعداد لأي احتمال، في ظل المخططات الحالية والمستقبلية.