بين الوسائل السياسية المتعددة ومفردات القوة الرشيدة، تتعامل القيادة المصرية بشجاعة لمواجهة دعوة الرئيس ترامب بتهجير أبناء غزة إلى مصر والأردن لتصفية القضية الفلسطينية، استكمالًا لأهداف نكبة 1948. لا يساورني شك في إدراك مصر أبعاد هذا المخطط الشيطاني، ومن ثم لن أتطرق إلى أمور يدركها الجميع فيما يتعلق بخطورة دعوة الرئيس ترامب والرد الحاسم من الرئيس السيسي برفض ذلك، وتحرك الدولة على جميع المسارات لإفشالها.
الأمر الذي يجب أن ننتبه له هو ما بعد هذه الدعوة؛ لأنه من السذاجة الاعتقاد بأن الرئيس ترامب، حين أعلن خطته، كان يتوقع أن ينال موافقة مصر والأردن، هو يدرك تمامًا أن المواجهة سوف تكون طويلة وأن هناك سيناريو يحتمل أن يمارس فيه ضغوطًا على مصر؛ لقبول تهجير الفلسطينيين من غزة.
هذه الضغوط يمكن أن تكون سياسية واقتصادية وعسكرية، والتأثير على دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمنح والمساعدات والاستثمار بمصر، وكذلك التأثير على الشركات الأمريكية والأخرى متعددة الجنسية للحد من استثماراتها بمصر، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والتكنولوجيا، علاوة على توجيه الرأي العام العالمي، من خلال وسائل الإعلام الغربية، للتشكيك في سياسات مصر بالداخل والخارج.
الضغوط السابقة، بغض النظر عن احتمالات وتوقيتات حدوثها، يحتاج التغلب عليها إلى عاملين أساسيين، أولهما تتولاه الدولة بأجهزتها المختلفة، واثق أنها تدركه وقادرة على إنجازه، سواء ما يتعلق باللقاءات المباشرة بين الرئيس السيسي والرئيس ترامب وغيره من الرؤساء، أو بوضع إستراتيجية متكاملة لمواجهة انعكاسات هذه الضغوط، حال حدوثها، على الاقتصاد والمجتمع المصري بدعم الصناعات المحلية، وتنشيط التعاون الاقتصادي مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، وإدارة حملة إعلامية دولية؛ لتوضيح موقف مصر للرأي العام العالمي، والاستفادة من الجاليات المصرية والعربية في الخارج؛ لدعم الموقف المصري، بتنظيم فعاليات وأنشطة تضامنية لتوضيح مخاطر التهجير القسري على استقرار الشرق الأوسط.
أما العامل الثاني، وهو الأخطر، فهو فرض عين على كل مواطن مصري باستمرار رفضه الصارخ لتهجير الفلسطينين، وتمسكه الصلد بلحمته الوطنية، والتفافه حول قيادته. قد يظن البعض أن الرئيس الأمريكي يتصرف وكأنه سيد العالم، يأمر فيطاع، ولكن حقيقة الأمر أن تحقيق أهداف ترامب يتوقف على قوة صمود من يواجهه، ومدى إيمانه بقيادته ودعمه لها.
بكل تأكيد يدرك أبناء الوطن ذلك، ويعرفون أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعني تخلي مصر عن جزء من أرضها، والأرض لنا عرض، ومن يدافع عن عرضه يحق له علينا دعمه وشد أزره، ليعلم ترامب وغيره أننا لا نبيع دماء شهدائنا على أرض الفيروز، أو أرض فلسطين؛ لأن الأوطان لا تباع ولا تشترى.