Close ad

مصر لديها مطالب من ترامب

5-2-2025 | 14:42

يبدو أننا أمام ماراثون طويل من المفاوضات، والحوار الصريح مع دونالد ترامب وإدارته بشأن العديد من القضايا الملتهبة في الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن تختلف طرق معالجة القضايا، ولكن الاهم ان يدرك ترامب ورفاقه أن مصر هي التي قدمت أكثر من أي قوة أخرى لاستقرار المنطقة، وأن دورها محوري ولايمكن استبداله.

وأبرز ما يستوقف المرء هو قول ترامب إنه فعل الكثير لمساعدة مصر والأردن، وإنه يجب أن يساعدوه في ترحيل الفلسطينيين من غزة. 

وهنا تبدو قضية دور مصر وما قدمته، ووزنها الإستراتيجي، وفي النهاية حالة العلاقة المصرية-الامريكية ومستقبلها، وفي الأغلب أن علينا الاستعداد للمساومة المضنية مع "ملك الصفقات".

ولعل الخطوة الأولى في الطريق الطويل أمامنا في التعامل مع ترامب أن نوضح حجم ما قدمناه، وأن تتوقف بعض النخب المصرية عن الحديث المضر بشأن "تراجع الوزن الإستراتيجي لمصر"، وأعتقد أن ذلك يبخس مصر قدرها، والأهم قيمة أوراقها، وقدرتها التفاوضية.. 

وأحسب أن مصر عليها أن تزيد من اشتباكها وتفاعلها مع الولايات المتحدة، وألا تكون خجولة بل جريئة، وان تتقدم "بقائمة مطالب" طويلة من الإدارة الجديدة، وأن ترفع سقف مطالبها بقوة، وأن تبرز عدم رضاها عن ماتلقته من واشنطن، وأنها تقدم أكثر مما تأخذ، وحان الوقت لحصولها على صفقة أفضل بكثير، وأن واشنطن عليها أن تدرك أن مصر لديها عروض أكثر جاذبية من قوى أخرى تخطب ودها، وأن خسارة الفرص البديلة لا يمكن تجاهلها كثيرًا.

وحان الوقت للتفاوض بصورة جادة، ولابد من إبراز نقطة حيوية، وهي أن أي تحول ولو طفيفًا في موقف مصر من "دعم الاعتدال"، سوف يغري بتفجر المنطقة، ويهدد مصالح الغرب وواشنطن بشدة، وضرورة ألا يساء فهم صبر القاهرة، ولا حرصها على عدم فتح أبواب الجحيم في المنطقة، وأنها تتصرف بعقلانية، ولكن في نهاية المطاف مصر دولة كبيرة لها مصالح، ولديها قضايا تتعلق بالأمن القومي، ولديها تاريخ حضاري طويل، وشعب يفخر بتاريخه المشرف، ولايقبل تلميحات أو استفزازات أو تهديدات لبلاده أو قيادته السياسية، ويكفي هنا الإشارة إلى الموقف الشعبي الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.

وأحسب أن القاهرة الرسمية تتعامل بصبر وهدوء مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولكن ربما حان الوقت لتعديل مناسب في المطالب، وأن يصل لإدارة ترامب "عدم رضا القاهرة" عن وضع العلاقة الحالي، وأن تظهر امتعاضها، وأن تشتبك نخبتها غير الرسمية، وتتفاعل، بل وتساعد في الحصول على صفقة أفضل لمصر خلال فترة ترامب، وأن تظهر دعمها بقوة للموقف الرسمي المصري وتقويه.

وأحسب أن علينا تذكير واشنطن بأن هناك العديد من التساؤلات التي مازالت تنتظر الإجابة بصورة مرضية بشأن الموقف الأمريكي تجاه مصر، فمثلا هل العلاقات المصرية-الأمريكية قيمتها الحقيقية تقتصر على 1.3 مليار دولار سنويًا؟ وأين هي اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين؟ وأين الاستثمارات الأمريكية الضخمة في مصر بعيدًا عن الطاقة؟ وأين التعاون في مجال نقل التكنولوجيا، والتعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، ومجالات علوم المستقبل؟ وهل تلك العلاقة تقدم لمصر الدعم الكافي في قضايا إستراتيجية مثل سد النهضة أو الأزمات في السودان وليبيا؟ وهل النزاعات والحروب التي تشهدها حاليًا منطقة الشرق الأوسط سيكون لها دور في تشكيل العلاقات من جديد بين البلدين؟

 ومما لاشك فيه أن دولا مثل الصين وروسيا وتركيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية وإيران تقدم عروضًا مغرية، كما أن أوروبا تتحرك ولكن في مجال الطاقة المتجددة بصورة أكبر. 

إلا أن السؤال يظل قائما وهو هل واشنطن حريصة على "العلاقة الإستراتيجية الأهم" مع القاهرة الدولة المحورية، إذا كانت الإجابة بنعم فمصر لها مطالب أولها: تسهيل الحصول على قرض بشروط ميسرة من الصندوق ومساعدات من البنك الدولي بقيمة 70 مليار دولار، وتبني واشنطن مبادرة لتخفيض ديون مصر، والتعاون مع مصر لحل ازمة سد النهضة، والاسراع بعودة الاستقرار في السودان وليبيا.

وبالرغم من اتفاق الكثير من الخبراء على أن وصول ترامب البيت الأبيض لن يغير كثيرًا في أنماط التعامل الدولي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص، إلا أن مصر يمكنها المساعدة في دعم ترامب في رغبته المعلنة في صنع السلام، ووقف الحروب التي لا نهاية لها، وذلك في محاولة لتحقيق الاستقرار الإقليمي بما يدعم المصالح المصرية والأمريكية، وهذا يتطلب حوارًا وثيقًا بشأن رؤية مصر لتحقيق ذلك بعيدًا عن وصفات تفجر المنطقة، وفي ذات الوقت التفاهم حول مطالب مصر من الولايات المتحدة، وهنا لابد من إبراز حيوية مطالب مصر الاقتصادية، وتعزيز التعاون الثنائي بدلا من أن تركز العلاقات على ساق واحدة تتعلق "بالأمن فقط".

ولعل من الحكمة الإقرار بأن ثمة حاجة لمراجعة العلاقة المصرية-الأمريكية، فمن الواضح أنه لم تعد الأهداف المباشرة التي قامت العلاقات المصرية-الأمريكية لتحقيقها قبل أربعين عامًا ذات صلة كبيرة بالواقع الدولي والإقليمي الحالي، ويحتاج البلدان إلى صياغة أسباب جديدة لاستمرار علاقات التحالف بينهما، كما يحتاجان إلى اقتراح أهداف مشتركة جديدة يسعيان لتحقيقها معًا، وإلى إضفاء معنى جديد على التحالف بينهما بعد أن تبدل الخصوم وتغيرت العدائيات. 

وفي هذا السياق، سوف يكون على مصر تجهيز إجاباتها عن عدد من الأسئلة الرئيسية:

-نقطة البداية هل تشعر مصر بالرضا عن علاقتها مع واشنطن بعد هذه المدة الطويلة؟

- ما هي السياسات التي تريد مصر من الولايات المتحدة تطبيقها في الشرق الأوسط؟

- ما هي المطالب التي يمكن لمصر بشكل عملي توقع استجابة الولايات المتحدة لها؟

- ما هي الأشياء التي يمكن للولايات المتحدة أن تقدمها لمصر في الشرق الأوسط؟

- ما هو الشكل الذي ستكون عليه العلاقات بين مصر والولايات المتحدة فيما تقيم مصر علاقات تعاون وثيق مع الصين وروسيا؟

- هل لمصر أن تتوقع استمرار المساعدات الأمريكية عند نفس مستوياتها السابقة في ظل التعدد في تحالفات مصر الخارجية؟ وهل هي كافية بالنظر لما تحصل عليه إسرائيل؟

- إلى أي مدى يمكن لمصر الاستغناء عن المساعدات الأمريكية؟ وهل باتت عبئًا أو بلا قيمة حقيقية؟

- ما الذي سوف يتغير في سياسة مصر تجاه الولايات المتحدة إذا أوقفت واشنطن مساعداتها لمصر، أو إذا قامت بتقليصها إلى مستوى شديد الانخفاض؟

بالطبع لا توجد إجابة واحدة لهذه الأسئلة، ولكنها أسئلة متجددة تتغير الإجابة عنها بتغير الظروف. وعلى مؤسسات صنع القرار والمؤسسات البحثية في مصر مواصلة التباحث حولها.

وفي تقدير د. جمال عبدالجواد الخبير في الشئون الأمريكية أن بناء علاقة مصرية-أمريكية ذات محتوى وشكل شديد التحديد -كما كان عليه الحال حتى نهاية التسعينيات- لم يعد أمرًا ممكنًا، ومن ثم يصبح على مصر تطوير أداء ديناميكي يسمح لها بالاحتفاظ بعلاقة تعاون وثيق مع الولايات المتحدة رغم تغير الظروف وتغير توجهات الرؤساء الأمريكيين.

ويقول عبدالجواد إنه كلما كانت مصر متفقة على الأسباب التي من أجلها تريد الاحتفاظ بعلاقات تعاون وثيق مع الولايات المتحدة، استطاعت القاهرة إدارة علاقاتها بواشنطن بطريقة فعالة، ولعلنا في مصر نتفق على أن مصر تريد من الولايات المتحدة نافذة مفتوحة على التكنولوجيا العسكرية الحديثة، وأن مصر تريد مواصلة الحصول على المساعدات العسكرية الأمريكية كمقياس لوزن مصر الإستراتيجي لدى واشنطن، وكمصدر إضافي للإنفاق الدفاعي يخفف الضغط عن المالية العامة المثقلة، وأن مصر تريد لعلاقتها بالولايات المتحدة أن تكون رصيدًا إضافيًّا يحسن وضع مصر التفاوضي في علاقتها بالقوى الإقليمية والدولية الأخرى، وأن مصر تريد من الولايات المتحدة أن تكون مصدرًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة كبيرة الحجم الضرورية لنمو الاقتصاد المصري، وأن مصر تريد للولايات المتحدة أن تكون حليفًا متفهمًا عندما يجري عرض قضايا تخص مصر على مؤسسات دولية سياسية أو اقتصادية.

وبالتأكيد فإن مصر لا تريد أن تجد واشنطن في صف أعداء مصر، كما أن مصر حريصة على ألا تكون في أي تحالف معاد للولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي يعلن ترامب رغبته في السلام فإنه يطرح أفكارا من عينة تهجير أهالي غزة، وهنا يبدو من الصعب للمراقب المحايد تحديد الأهداف الحقيقية التي يريد الرئيس ترامب تحقيقها في الشرق الأوسط، وما يعقد المشكلة هو أننا لا نعرف ما الذي تريد الولايات المتحدة تحقيقه في المنطقة، بعد الانقسام العميق الذي ضرب المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة. ويكفي الاشارة إلى قبول الديمقراطيين لحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية فإن موقف الجمهوريين لازال غائمًا، بل منحاز بصورة غير بناءة الى جانب اسرائيل.

ومن ناحية أخرى فإن الدول العربية ترغب في السلام العادل، إلا أن إسرائيل لا ترغب في ذلك؛ مما يفجر الموقف، ويهدد الاستقرار بشدة.

وفي الوقت نفسه وفيما يتفق الأمريكيون باتجاهاتهم المختلفة على محاربة الجماعات المتطرفة المسلحة، فإن الموقف من الإسلام السياسي في عمومه ليس موضوعًا لإجماع أجنحة النخب الأمريكية. فأمريكا الحالية لم تعد موحدة، لكنها منقسمة بشدة حول كل شيء تقريبًا، ولعل الخلاف الراهن حول الهجرة واللاجئين يبين هذا، وسوف يكون على مصر في السنوات القادمة اعتياد التعامل مع إدارات أمريكية متعاقبة تختلف كل منها عن سابقتها بدرجة كبيرة.

ويبقى أن مصر أمامها طريق طويل، ولابد من تشكيل "خلية أزمة" لدراسة وإعادة تقييم للعلاقة مع واشنطن، واستخدام القاهرة لجميع أوراقها، وتحريك قوتها الناعمة، وإرسال وفود غير رسمية لشرح مطالب مصر ورؤيتها، والاستعانة بوجوه مصرية بارزة في المجتمع الأمريكي، وتنشيط دور رجال المال والأعمال للتفاعل القوي مع القوى الاقتصادية المؤثرة والقريبة من ترامب. 

وعلى الأرجح هذه واحدة من أخطر اللحظات في تاريخ المنطقة، والدور المصري مطلوب وبشدة، ولكن ترامب يجب ان يفهم ان لمصر رؤية أخرى لتحقيق السلام، وأنها لها مطالب، وأن الوقت حان " لوقفة مع الصديق الأمريكي".

كلمات البحث
الأكثر قراءة