دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، يعيش خارج النص، يرتجل ويقفز فى مياه عميقة بعيدًا عن خشبة المسرح، على متن طائرته الرئاسية، تقمّص دور الجدة الحكيمة، فجأة خطرت له فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، طرح الفكرة أمام الصحفيين المرافقين، وفى ثوانٍ انتشر الخبر فى جميع أنحاء العالم.
الجمهور والمخرج والمؤلف فوجئوا، أخذوا شهيقًا وأطلقوا زفيرًا، ثم هتفوا بضجر: «يا رجل، ليس هذا ما اتفقنا عليه! لا تكشف أسرار ما هو معلوم بالضرورة، التهجير يُدار ببطء، على مدى زمني طويل، بعيدًا عن الأضواء، نحن صبورون، حافظنا على وجودنا البيولوجي النقي تحت مقاصل الموت لأكثر من ثلاثة آلاف عام، فلماذا العجلة؟».
يرى المرتجفون أن ترامب غير مضمون العواقب، كاد يكشف أسرار بلاده في حواره المنفرد مع كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، المؤسسة الأمريكية فكرت في محاكمته، لكنها تراجعت لأنه رئيس، ومحاكمته ستكون سابقة. نفس المؤسسة تتهمه بعلاقة خاصة مع قيصر روسيا، فلاديمير بوتين، دون أدلة دامغة، فيما يعتبر بوتين «عدو الإدارة الديمقراطية». الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون كشف أن إدارة بايدن خططت لاغتيال بوتين.
قنبلة ترامب الواثقة كانت معدّة للشرق الأوسط، لكنها انتهت صلاحيتها، زعماء ومحللون إستراتيجيون سبق أن أسقطوها، وفشلوا في تحقيق نتائج رغم دراساتهم المحكمة. هذه المرة، دُحرجت القنبلة إلى ترامب، الذي اشتهر بصراحته حتى حدود كسر الخطوط الحمراء، أسقطها بثقة، لكن الردّ جاء قاسيًا وساخرًا، اكتشف لاحقًا أنها سلاح فاسد، لا يصلح للترهيب.
قنبلة دخانية لا تقتل، لكنها تحمل سبع فوائد:
أولًا، تكشف ما تحت الطاولة.
ثانيًا، تغيّر نظرة الشرق الأوسط إلى نفسه.
ثالثًا، تكسر لغة الدبلوماسية الخشبية.
رابعًا، تعيد النظر في المبادرات والاتفاقيات.
خامسًا، تُفقد السياسة الغربية، الأوروبية والأمريكية، مصداقيتها.
سادسًا، تجعل القوى العالمية تُحصى أصابعها قبل تصديق الغرب.
سابعًا، تمنح العرب فرصة للتفكير فى مكامن قوتهم، بعد أن أفقدهم ترامب وهم الغرب.
تصريح ترامب، الذى بدا كحلم ليلة صيف، أعاد ذاكرة الفلسطينيين إلى نكبة 1948، حين تركوا بلادهم للعصابات الصهيونية، معتمدين على مدد أشقائهم، المدد جاء، لكن فى سياق تاريخي غريب، وكانت النتيجة فادحة، فيما عُرف بالهزيمة العربية الكبرى. الفلسطيني ظل بعيدًا عن أرضه، مشردًا في المنافي والملاجئ.
الآن، الفلسطيني تعلم الدرس، لن يترك أرضه، مهما حملت قنابل ترامب زنة ألفي رطل أو كانت مجرد دخان، قنابل الرجل غير صالحة للاستعمال، وعلينا أن نشكره مرة أخرى، فقد مزّق الأسرار، كأنه يلتهم ساندوتش هامبورجر.