Close ad

عن كتابه "في قلب اللحظة".. جمال الكشكي يرصد عوالم في تصادم | صور

4-2-2025 | 15:52
عن كتابه  في قلب اللحظة  جمال الكشكي يرصد عوالم في تصادم | صورغلاف كتاب في قلب اللحظة
عزمي عبد الوهاب

أن يتصدى كاتب لمعالجة اللحظة السياسية الراهنة بالقراءة والتحليل، فتلك بطولة لا تتاح لكثيرين، فنحن في بحر متلاطم يموج بالعواصف التي تعمي الرؤية، لكن الكاتب الصحفي جمال الكشكي فعلها، وكشف الغطاء عما يحدث في إقليم، يتعرض في كل لحظة لموجات من العنف والتحول، حتى بدا وكأن كل لاعبي العالم يمدون أصابعهم خلف كل حجر، لينقشوا أسماءهم عليه، فنحن أمام حروب بالوكالة، ودول تبحث عن نفوذ، وجماعات قومية تريد أن تأخذ نصيبها من كعكة التقسيم، وخرائط جديدة تصاغ، طبقا لنظريات قديمة، تركها الاستعماريون الأوائل.

موضوعات مقترحة

على هذا الأساس جاء اختيار الكشكي لعنوانه، الذي يستقرئ اللحظة، ويستشرف المستقبل، ممتلكا الوعي بحسابات التاريخ، وحقائق الجغرافيا المتغيرة، والتي تشبه كثبانا رملية، تغوص فيها الأقدام، فواقع الحال كما يرى أننا أمام حدود ملتهبة، ونظام عالمي جديد يتشكل، وعلى المنطقة العربية أن تكون مسرحا لهذه التحولات، لما تمتلكه من مصادر أساسية للثروة، لا تزال أسواق أوروبا وأمريكا تحتاجها، ففي مرة كان علينا أن ندفع ثمن ما تمنحنا الأرض إياه من بترول، والبحار من غاز طبيعي، وغدا سيكون للشمس والرمال - سوداء وبيضاء - سعر تحدده البورصات العالمية. 

أين مصر من كل هذا؟ طبقا لرؤية جمال الكشكي فإن الكتاب يعد "قراءة دقيقة في لحظة مصر، أمة ودولة وإقليما، وارتباطها الوثيق بكل ما يجري في الإقليم والعالم، وكيف أنها تمتلك رؤية إستراتيجية، تقوم على إدراك معرفي عميق بأهمية إعادة هندسة الإقليم، طبقا لمصالحه الإستراتيجية".

مناقشة كتاب في قلب اللحظة

كل ما يجري حولنا ولنا، يدعو للتشاؤم، لكن الكاتب جمال الكشكي متفائل، فهو يؤمن بأن تجربة مصر في 30 يونيو 2013 صارت مثالا فريدا، وكتبت خطابا مختلفا، قرأته المنطقة العربية بعناية، وسوف تتعافى بهذا الخطاب قريبا من آثار  ما يسمى الربيع العربي، فهي النواة الصلبة للإقليم، وتواصل مثالها الفريد، لتعود طاقة متجددة من الإبداع الإنساني. 

يقول: "نعم أنا بطبعي متفائل بظهور نظام عالمي مختلف، ومتفائل بطبعة جديدة من العدالة الدولية، وإن بدت للعيان بعيدة، ومتفائل بإنتاج هندسة جديدة للإقليم العربي" ولذا يلقي الكشكي في هذا الكتاب – الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب – نظرة فاحصة على الدور الأمريكي، الذي يلقي بظله الثقيل على المسرح الدولي، ويتأمل في مآلات الحرب الروسية - الأوكرانية.

يتوقف الكاتب طويلا عند القضية الفلسطينية  بتعقيداتها الدولية، وانفجاراتها الإقليمية، في دول الطوق، وبخاصة لبنان الذي واجه أكبر محنة في تاريخه الحديث، بعد عدوان إسرائيل الأخير، ويتساءل الكاتب عن ماهية النظام العالمي المحتمل، ليصل إلى إجابات مؤكدة موثقة مبنية على القراءة الدقيقة للواقع العربي والعالمي.

مناقشة كتاب في قلب اللحظة

يختار جمال الكشكي قالبا غير تقليدي للكتابة، فهناك شخص (وهمي) يحاوره وتدور بينهما أحاديث عن تفاصيل عديدة، تستجلي مختلف القضايا والمواقف، التي يريد أن يصل من خلالها إلى نتائج قائمة على فك وتركيب الأحداث، ومن ثم الوصول إلى المعنى المباشر، وكل هذا في لغة رشيقة، تعتمد على الجمل التلغرافية، وتبتعد عن رطانة المحللين الإستراتيجيين، التي تتخفى وراء العبارات ثقيلة الوطء، وكأنها تعكس عمقا وراء غموضها.

على هذا تجد أن الشعر حاضر في المتن والهامش، وينتمي إلى القديم والحديث والعربي والعالمي، وهناك أيضا أدبية الجملة، التي تمنح المعنى حضورا، بصورة لا تعهدها في كتابات المحللين السياسيين، هي كتابة تتجرد من الخشونة، لتصل إلى الهدف بنعومة، تجعل القارئ منغمسا فيما يقرأ، ويكمل إلى النهاية، دونما شعور بالملل.

د. محمد فايز فرحات

مثلما التقط الدكتور محمد فايز فرحات – في الندوة التي عقدت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب لمناقشة الكتاب – قدرة الكشكي على ابتكار صياغات أدبية، وتراكيب مغايرة في حقل الكتابة السياسية، فإنه يكتب عن "مباحثات ومفاوضات انطلقت من إستراتيجية الأيدي الممدودة، والآذان المصغية، لتبريد الصراعات مع دول الجوار غير العربية، وتصفير المشكلات العالقة بين الدول العربية، هذه المفاوضات باتت تنعقد  في ظل قواعد حاكمة لترتيب أولويات العمل العربي، وسط التحديات العالمية الكبرى، بات الاقتصاد والتنمية والازدهار وقضايا التغير المناخي ملفات تحتل الصدارة على طاولة النقاش. 

يرى الكشكي أن الحلم العربي يتجدد، كما أن العالم يدرك جيدا أهمية الإقليم العربي في المعادلة الدولية الجديدة، مرحلة ما بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، وجائحة كورونا ومشكلات سلاسل الإمدادات، أعطت قيمة مضافة  لجغرافيا المنطقة، إضافة إلى ذلك فإن سلطة الطاقة أنصفت الخرائط العربية، يدرك كبار العالم القيمة الجيو سياسية والجيو اقتصادية للعرب.

جمال الكشكي

يدرك العرب أنفسهم المكان والمكانة، وأنهم لن يكتفوا بالمشاهدة على مسرح الأحداث العالمية، بل سيفرضون إرادتهم في صياغة المعادلات الدولية الجديدة، وأنهم يمتلكون مقومات تجعل الفرصة أمامهم متاحة لكتابة عقد عربي جديد، يحقق مفردات مستقبلية لمقدرات الدول والشعوب، التي تتعلق بصياغة الأمن القومي العربي، والأمن الغذائي وأمن الطاقة، هذه الأركان الثلاثة من شأنها ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية واستقلال القرار العربي.

يوضح الكاتب أن الجغرافيا ضاقت باصطدام التاريخ، وكل الشواهد تعيدنا إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية بقليل، عندما ظهرت كتل سياسية متنافرة في الأفكار متشابهة في المسار، والآن يبدو أن التاريخ يستعيد نفس مساراته فثمة صدام هائل بين أكثر من كتلة على المسرح الجيوسياسي، الصين وروسيا وإيران من ناحية، وأمريكا من ناحية أخرى، إذن أمريكا قاسم مشترك في الصراعات الثلاثة، بل تقود أيضا الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبعض الدول التي تتقاطع معها في علاقات إستراتيجية.

د. مصطفى الفقي

يتساءل الكشكي: أليس هذا المشهد هو نفسه القديم الذي سبق الحرب العالمية الثانية، وكان يهدف إلى تقسيم العالم؟ ويرى أن الأمر ربما يكون صورة كربونية مما جرى في ذلك الوقت، فنحن إزاء تحرك أمريكي في سوريا والعراق واليمن لكسر أذرع إيران، كما تقول أمريكا، وهذا يذكرنا برواية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية، عندما قالوا إن هجومهم ما هو إلا رد مضاد ضد فعل عسكري ارتكبه النازي في الواقع، وهي ملاحظة دقيقة فأمريكا تنتهج نفس طريقة الحلفاء القديمة.

الشاهد لدى الكشكي أن الحروب في الأوراسيا  قديمة، وهي حروب موروثة تظهر حينا وتختفي أحيانا، سواء كانت حروبا إثنية أم عرقية أم دينية أم غزوات من أجل تمدد النفوذ، كما عرفنا التاريخ بالإمبراطوريات الصينية والرومانية والإغريقية والروسية والمغولية والإسلامية في طبعاتها المتعددة، وذلك من دون ترتيب، وصولا إلى القوى الحديثة. 

يشير الكشكي إلى أن غزة كمسرح عمليات صغير، تمثل نموذجا لهذه الحروب المزمنة على حافة الأوراسيا، فهي تشتبك مع كل تعقيدات العالم العقائدية والثقافية الموروثة، فما يجري  هناك من شلالات دم ومجازر وحشية وانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، من قبل إسرائيل، ليس بجديد ومختلف عن الجولات السابقة، التي دارت على نفس الأرض منذ قرون بعيدة.

عمرو خفاجى

يعود الكشكي إلى التاريخ القديم لتأكيد صحة فكرته، فمعارك الإسكندر الأكبر دارت على هذه الأرض، والحملات الصليبية المتتالية كذلك، وصولا إلى السيطرة العثمانية والاحتلال البريطاني، وأخيرا الاستيطان الإسرائيلي، لكن الجديد أن من يدير هذه المعارك هي الولايات المتحدة الأمريكية. 

في مثل هذه الأجواء يتذكر جمال الكشكي هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا المزمن، والذي فارق الحياة عن عمر مديد، بعدما حاز لقب مئة عام من الصخب، وأنه صاحب دبلوماسية الخطوة خطوة، فإذا أردت أن تفهم عالم واشنطن الغامض وراء الكواليس، ينبغي أن تستعيد عالم أستاذ الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر.

ينتمي كيسنجر إلى أصول ألمانية، هاربا من النازية، وفي العشرين من عمره التقطته الاستخبارات الأمريكية، وبعد ثلاث سنوات من مهنة رجل السر التحق بهارفارد للدراسة، وأصبح أستاذا بتلك الجامعة العريقة، وانتشر صيته في أوساط السياسة ومراكز التفكير.

مناقشة كتاب في قلب اللحظة

انفتحت الدهاليز، بات كيسنجر حامل مفاتيح خزائن المعلومات والأسرار الأمريكية، انتقل من مساحة الاقتراح إلى مربع صانع القرار، وصنع دبلوماسية البينج بونج مع الصين، وتدفقت مهاراته من موسكو إلى بكين، وصولا إلى العاصمة الفيتنامية، وقبل يوم واحد من حرب السادس من أكتوبر 1973 لم يكن كيسنجر يفكر في زيارة الشرق الأوسط، لكن مفاجأة العبور المصري العظيم زلزلت أفكاره، فحمل حقيبته طائرا إلى الشرق الأوسط، وقاد مفاوضات مكوكية بين العواصم العربية وإسرائيل. 

يوضح الكشكي أن كيسنجر قبيل وفاته بأيام، كان حديث العالم، وقد واصل دوره ومهامه التاريخية في طرح الأفكار الصادمة لحل الأزمات، لم يشأ مغادرة التاريخ من دون أن يكتب رؤيته للخروج من الأزمة الروسية – الأوكرانية، محذرا من أن الفشل في إحياء المفاوضات مع موسكو والاستمرار في استدعائها ستكون له عواقب وخيمة على أوروبا.

هذا الرجل الداهية – كما يصفه جمال الكشكي – وضع منهجا ونظرية للتعامل مع بكين وموسكو، فمع الصين اتبع أسلوب المحاصرة والتضييق، وتأزيم محيطها الجيوسياسي، وخلق خلافات وعداءات لها مع الجيران، من دون الانصياع لأي مواجهات مباشرة، هذا الخيار لا يزال معتمدا داخل واشنطن، ليتفادى الجالس في البيت الأبيض الصدام المباشر مع الصين، وكأن هذا الأمر ضريبته إشعال الصراع في مناطق أخرى من العالم، كما يحدث الآن في المنطقة العربية.

مناقشة كتاب في قلب اللحظة
       

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: