تتأكد كل يوم اهمية "البيئة" وقوة حضورها في كافة انشطة الحياة، لتضع بصمتها وكأنها مؤشر مهم لنمو وتطور الأمم والدول والمجتمعات والأفراد، بل هي مقياس لقيمهم الحضارية والإنسانية.
ولاشك أن الأداء البيئي، يعكس العلاقة الصحية، التكاملية والتشاركية، بين أطراف المعادلة البيئية الفاعلة الثلاث، الدولة، والمجتمع المدني، والمواطن، وتجسد ذلك يوم "الاثنين" الماضي 27 يناير من كل عام، "يوم البيئة الوطني"، وهو مناسبة مصرية تاريخية يتم الاحتفاء بها منذ 28 عاما عندما بادر "المكتب العربي للشباب والبيئة" في يناير 1997، برعاية الدولة، بتخصيص هذا اليوم، تخليدًا لصدور أول قانون لحماية البيئة في مصر صدر منذ 31 عاما، وهو الاول ايضا المعني بالحقوق البيئية في العالمين العربي والإفريقي.
وفي الوقت الذي حظيت فيه البيئة في يومها الوطني بمصر باهتمام ملحوظ انعكس باستكمال استراتيجيات مستدامة عبر منتديات وفعاليات ورؤي جادة، تستحقها، لتحقيق المزيد من الطموحات منها الحياد المناخي، وتطبيقات الطاقة الخضراء، إلا أنها في الولايات المتحدة أصيبت بانتكاسة عاصفة، لتتحطم معها جهودا مناخية وتعاون دولي مرتقب، استغرق إنجازه نحو نصف قرن، وبين مايحدث من جهد جاد وبناء هنا، وما يجري من إفشال وعرقلة وتدمير أسس التعاون الدولي هناك، فجوة هائلة باتساع الثقب الأسود..
في الفسطاط، وتحت شعار، "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والنظم البيئية: أسس تحقيق الاستدامة"، افتتحت د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة في بيت القاهرة، الاحتفالية التى نظمها المكتب العربى للشباب والبيئة، برئاسة د. عماد الدين عدلى، لتعزيز الوعي، وتحفيز التعاون بين فئات المجتمع، والتوازن بين استحقاقات التنمية وحماية الموارد الطبيعية، وحرصت الوزيرة على الشراكة والربط بين قضايا المياه والزراعة والطاقة عبر الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، وأثمرت الجهود البيئية عن تقرير الشفافية الأول" BTR"،الذي وضع أمام سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، وهو الأول، متضمنا أرقام خفض الانبعاثات، وأظهر أن مصر حققت خفض الانبعاثات لعام 2024، في قطاع الطاقة، وتخطت هدف خفض الانبعاثات في النقل بنسبة 12٪، وهو إنجاز قياسي، وغيرها من قصص الإنجازات المتتالية في الاستثمار في المخلفات وإشراك القطاع الخاص ودمج القطاع غير الرسمي.
ايضا، وفي اليوم التالي ليوم البيئة الوطني 2025، افتتحت الوزيرة ورشة عمل البنك الدولي بعنوان "العمل المناخي والتحول الأخضر"، وبحثا عن الحلول المبتكرة، شهدت القاهرة أيضا، تنظيم حلقة نقاشية، حول الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والظم البيئة كأساس للتنمية المستدامة، جمعت خبراء البيئة والتنمية المستدامة، مع الشباب وممثلي الجمعيات الأهلية.
نقابة الصحفيين ايضا احتضنت، في الثاني من فبراير الحالي، ورشة العمل التدريبية لبناء مهارات التوثيق والاتصال للجمعيات الاهلية، في إطار مشروع "إدارة المعرفة والاتصال وتحفيز الابتكار" على مدى 3 أيام، بالتعاون بين "جمعية كتاب البيئة والتنمية"، ومكتب الالتزام البيئي باتحاد الصناعات المصرية"، تحت مظلة "برنامج المنح الصغيرة في مصر التابع لمرفق البيئة العالمية بالأمم المتحدة - GEF/SGP".
أما في الولايات المتحدة فكان للبيئة شأن آخر مختلف.. فقد تعرضت لاعصار غير مسبوق، أحدثته قرارات ومواقف معادية البيئة صدرت من العاصمة الأمريكية، ويتضاءل هذا الاعصار أمام ما حدث من حرائق و عواصف مدمرة في ولاية كاليفورنيا بالغرب الامريكي.
ولكن..كيف تأثرت البيئة والمناخ بقرارات الرئيس الأمريكي الجديد الذي تولى منصبه في الثلث الأخير من يناير الماضي..وكيف وأين تضررت البيئة، لقراراته، لقد أصدر أمرًا تنفيذيًا واحدًا ألغي خلاله 80 مبادرة من مبادرات حماية البيئة اصدرتها الادارة السابقة، وفي أول يوم لولايته، أصدر ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية لتعزيز الحفر لإنتاج النفط والغاز، وكان شعاره خلال الانتخابات: "احفر ياعزيز احفر".
وبعد ساعات من أدائه اليمين الدستورية، أعلن الرئيس الأمريكي عن تراجعه عن الحماية البيئية، والانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، وقال خلال خطاب تنصيبه: "سيكون لدينا أكبر كمية من النفط والغاز مقارنة بأي بلد على وجه الأرض، ولن نتوقف عن التنقيب، هذا في الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهي أكبر مستهلك للفحم "الطاقة الأكثر تلوثا للكوكب".
لن نزيد في سلبية الادارة الامريكية المدمرة للبيئة، والساعية للربح علي حساب النظام الايكولوجي العالمي، فهي تفعل ذلك في الوقت الذي تتسابق فيه الدول والمجتمعات لحماية المناخ ودفع عمليات التحول نحو الطاقة النظيفة الخضراء، كما نفعل هنا، وكذلك ألمانيا، التي تخطط إلى حيادية غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2045 على أبعد تقدير، والتخلُّص التدريجي من توليد الطاقة من الوقود الاحفوري.
عالم الاجتماع الفرنسي "ايمانويل تود"، تنبأ عام 2001، في كتابه: "بعد الإمبراطورية: انهيار النظام الأمريكي"، بالسقوط النهائي للولايات المتحدة كقوة عظمى حيث يقول: "بعد سنوات من النظر إليها باعتبارها قادرة على حل المشاكل، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها الآن مشكلة لبقية العالم، الغطرسة والتباهي بالقوة وفرض القرارات على الدول والشعوب بدون أي دبلوماسية سياسية، أو لباقه تؤجج العالم بعمل الضد، وقد تؤدي إلى انزلاقات كبيرة، وإلى انهيار الدولة برمتها"..
البيئة لا تكذب والطبيعة لا تجامل أحد.
[email protected]