بداية لابد أن نضع النقاط على الحروف، فإنه من البداهة المنطقية أن الانفراد بالرأي لا يؤدي إلى نتائج صحيحة، بل من الممكن أن يقود صاحبه على المستوى الشخصي إلى التيه والضلال.
وعلى المستوى الجمعي إن كان قائدًا لمؤسسة أو أي عمل ما، فقد يؤدي إلى إفساد مؤسسته أو شركته لماذا؟! لأنه لم يستشر أهل الخبرات.
لذلك وجب الإنصات لخبرات الكبار وترك (العنجهية)، وظفوا خبراتهم لخدمة قضايانا المعيشة، ناقشوهم ولا تهملوهم، لا تجعلوها صراع أجيال، بل اجعلوها حوار أجيال.
فعندما تجدوا نصحًا وإرشادًا تقبلوه بصدر رحب، حتى وإن رأيتم فيه مخالفة لآرائكم، فالاختلاف سنة محمودة غير مرذولة.
بل قد نصل من خلال اختلافاتنا إلى رأي صواب قد يؤدي إلى نتائج مرضية، قد تسهم في حل كثير من مشاكلنا التي قد يظن بعضنا أنها عصية الحلول.
خبرات الكبار مهمة جدًا إذا ما استثمرناها جيدًا، فتلك الخبرات كونتها وشكلتها أيديولوجيات كثيرة، أهمها ظروف الواقع الذي عاشه هؤلاء الكبار.
لا أقول انقادوا خلفهم انقيادًا أعمى مقلدين إياهم، فالكل يخطئ ويصيب، لا والله فإن ذلك سيحدث ركودًا وتمركزًا، ونحن نسعى إلى الخروج من بئر تلك المركزية إلى اللامركزية عن طريق فكر خصيب، لكن من أين يأتينا هذا الفكر، يأتينا من خلال الرابط الفكري الديمومي بين تلك الأجيال.
ولا يكون ذلك إلا من خلال الفكر السيال المتدفق، فالفكر الإنساني سلسلة متصلة الحلقات، إذا تفلتت منه حلقة، حدث ما يمكننا أن نسميه فجوة أو ثغرة، هذه الفجوة من الصعب سبر غورها بسهولة، وهذا سيجعلنا كمن يدور في دوائر مفرغة، ولا نريد أن يحدث ذلك.
فالاستفادة من خبرات الكبار واستشارتهم ثقافيًا، وعلميًا، وسياسيًا، واجتماعيًا، ودينيًا، في كل منحى من مناحي حياتنا ترياق لكل داء، دونما إفراط أو تفريط.
نعم دونما إفراط أو تفريط؛ بمعنى أنه لا ينبغي بحال من الأحوال تأليه هؤلاء، فهم لم يطلبوا ذلك، ولن يطلبوه؛ لأني أعتقد أن من بلغ من العلم مبلغه يعلم جيدًا أن عبادة الأشخاص ولى عهدها، ولكن كل ما يطلبونه هو عدم إهمالهم وتجاهلهم وتجاهل خبراتهم ومحصلاتهم المعرفية، كل في مجال تخصصه.
فنجد على سبيل المثال في مجال الكتابة الصحفية، هناك رواد أوائل في كتابة فن المقال، وضعوا نظريات ستظل خالدة فلمَ لا يستفيد منها شباب الصحفيين الكبار، لماذا لا يستفيدون من فكر كبار كتاب مصر والوطن العربي.
كبار الكتاب الذين أثروا حياتنا اليومية فكرًا وثقافة، بل كنا نتلهف وننتظر الطبعات الأولى للصحف أمام أكشاك التوزيع حتى نطالع مقالات هؤلاء الأسياد، أولئك الذين تشكل فكري على مقالاتهم.
وهذه دعوة مني إلى شباب الصحفيين، إذا أردنا حقًا النهوض بصحافتنا القومية وإعادتها إلى سابق عهدها وإحداث نهضة للصحافة الورقية في ظل هيمنة الصحافة الإليكترونية، فضرورة ملحة إلى الاستفادة من خبرات عمالقة الصحافة في زمنها الجميل.
ليس هذا فحسب، بل وعدم التقوقع والتمركز حولهم والتسبيح بحمدهم، بل الأخذ بعين الاعتبار كل ما يكتبونه وجعله قاعدة انطلاق للإمام عن طريق كتابات حداثية مستنيرة تتماشى مع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الرهيبة التي يعج بها العالم اليوم.
(توظيف فكر كبار الكتاب توظيفًا صحيحًا للاستفادة منه في معالجة ما يستجد من مشكلات، لماذا؟! لأن لكل عصر قضاياه ومشكلاته.
لكن المنطلق والهدف واحد، ألا وهو إحداث نهضة وتنمية مستدامة لمؤسساتنا الصحيفة تتوارثها أجيال وراء أجيال.
ولا أقول في مجال الصحافة فقط، بل في كل مجالاتنا فأهل الخبرة موجودون، يشكلون كيانات بحالها، لو استفدنا منهم في مجال التعليم سينصلح حاله، وهكذا في مجال السياسة، والاقتصاد، والتجارة، وفي المجال العسكري، وفي كل ما يمكن أن يسهم في النهوض ببلدنا الحبيب مصر.
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان