Close ad

سلاح «التعريفات» الجمركية

4-2-2025 | 14:44

لم تعد الحروب تُخاض بالطائرات والدبابات فحسب، بل باتت تُشن بأسلحة جديدة، كالتعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية. 

وباتت الرسوم الجمركية «العقابية» وسيلة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، ربما تُعادل في قدرتها الوسائل الدبلوماسية التقليدية أو القوة العسكرية. 

وفي عالم اليوم، أصبحت الحدود الاقتصادية أكثر خطورة من الحدود الجغرافية، وصار قرار فرض تعريفات جمركية أشبه بإطلاق رصاصة، لا تقتل جنديًا، لكنها تُضعف اقتصادًا، تهز الأسواق، وتعيد رسم خريطة التجارة الدولية.

ورأينا مؤخرًا كيف حققت الولايات المتحدة مآربها وأهدافها للدفاع عن حدودها ضد تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك، أو تهريب مادة الفنتانيل المخدرة التي تزعم دخولها عبر كندا، حين أعلنت واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية على كندا والمكسيك، لم يكن الهدف مجرد أرقام على جداول الاستيراد والتصدير، بل كان الأمر أشبه بمبارزة لا تعرف قواعد واضحة، تستخدم فيها واشنطن سلاح الرسوم الجمركية، بينما ترد الدول الأخرى بحسابات دقيقة بين التصعيد والتهدئة.

رسوم أمريكية.. وهدنة مؤقتة 
أثارت قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من كندا والمكسيك بواقع 25% و10% على صادرات الطاقة الكندية، الكثير من الجدل، هذه الرسوم كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من اليوم، لكن، كما في كل مواجهة، هناك دائمًا متغيرات غير متوقعة، إذ جاء القرار المفاجئ بتعليق الرسوم على كندا والمكسيك لمدة شهر، بعد صفقة سياسية تقضي بتشديد إجراءات ضبط الحدود. 

التأجيل تم بعدما قدمت كندا تنازلات بشأن أمن الحدود تقضي بنشر عشرة آلاف موظف على حدودها مع الولايات المتحدة لمنع تهريب Fentanyl وهي مادة أفيونية صناعية تستخدم عادة لعلاج المرضى الذين يعانون من آلام حادة مزمنة أو آلام ما بعد الجراحة، والأمر نفسه تعهدت به المكسيك التي وافقت على نشر 10 آلاف جندي على حدودها الشمالية مع الولايات المتحدة لوقف تدفق الفنتانيل والمهاجرين غير الشرعيين.  

أما الصين، فقد واجهت رسومًا أمريكية بنسبة 10%، الأمر الذي دفع بكين إلى تقديم طعن رسمي لدى منظمة التجارة العالمية، مهددة باتخاذ تدابير تصعيدية.
 
 الحذر والترقب
 رغم التعليق المؤقت للرسوم الجمركية الأمريكية العقابية على كندا والمكسيك فإن سياسة الحذر والترقب تظل سائدة لدى شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين. 

فالمكسيك رغم حصولها على تأجيل مؤقت، فهي تدرك أن هذه المهلة مشروطة بإجراءات أمنية على الحدود، ما قد يعرضها لضغوط أمريكية أكبر في المستقبل.

وبالنسبة لكندا، فتبدو في موقف المترقب، إذ يُنظر إلى تعليق الرسوم كفرصة لإعادة التفاوض مع واشنطن، لكنها في الوقت ذاته تستعد لاحتمالية فرض هذه التعريفات بعد انتهاء المهلة، ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات انتقامية على المنتجات الأمريكية.

وفيما يتعلق بالصين، فهي اعتبرت أن التعريفات الجمركية الجديدة تصعيدًا خطيرًا، ولوّحت باتخاذ إجراءات تشمل تقليل اعتمادها على المنتجات الأمريكية وفرض قيود على الشركات الأمريكية العاملة لديها.

أما الاتحاد الأوروبي، وهو الكيان الذي يضم 400 مليون مستهلك، لم يكن مستهدفًا مباشرة حتى الآن، لكنه يراقب المشهد عن كثب، ملوحًا بإجراءات انتقامية إذا قررت واشنطن توسيع نطاق تعريفاتها الجمركية لتشمل السلع الأوروبية.

ويبدو أن بروكسل أعدت قوائم بالواردات الأمريكية التي قد تخضع لتعريفات انتقامية ردًا على أي خطوة قادمة لواشنطن.
 
خريطة التجارة الأمريكية
لا يمكن فهم تداعيات هذه الحرب التجارية دون النظر إلى حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين؛ فوفقًا لبيانات وزارة التجارة الأمريكية، تأتي الولايات المتحدة كثاني أكبر قوة تجارية في العالم بعد الصين، حيث بلغ إجمالي صادراتها ووارداتها من السلع والخدمات نحو 7 تريليونات دولار خلال عام 2022.

وعلى مستوى الشركاء التجاريين، تبرز كندا كأكبر مستورد للسلع الأمريكية بقيمة 356.5 مليار دولار، يليها الاتحاد الأوروبي بـ 350.8 مليار دولار، ثم المكسيك بـ 324.3 مليار دولار، والصين بـ 150.4 مليار دولار.

أما من ناحية الواردات، فتتصدر الصين قائمة الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة بقيمة 536.3 مليار دولار، يليها الاتحاد الأوروبي بـ 553.3 مليار دولار، ثم المكسيك بـ 454.8 مليار دولار، وكندا بـ 436.6 مليار دولار.
 
تداعيات اقتصادية
تثير الحمائية التجارية والقيود غير التجارية والرسوم الجمركية الإضافية مخاوف اقتصادية كبيرة، حيث يتوقع الخبراء أن تؤدي هذه الإجراءات إلى ارتفاع التضخم بسبب زيادة تكاليف الاستيراد، وتعقيد سلاسل التوريد العالمية مع اضطرار الشركات لإعادة ترتيب خطوط إنتاجها.

ومن المرجح أيضًا أن تفضي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي نتيجة لعدم اليقين التجاري، وإمكانية حدوث ركود اقتصادي عالمي إذا استمرت التوترات لفترة طويلة.

والأخطر من ذلك، أن هذه المواجهة لن تكون مجرد أرقام ونسب مئوية، بل قد تؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية، مع تزايد القلق من تباطؤ اقتصادي عالمي.
 
 الحمائية الاقتصادية
إن التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى تعكس حالة التصدع الشديد الذي تعاني منه التجارة العالمية والتفتت الاقتصادي، وهو يمثل اتجاهًا عامًا اشتدت حدته بعد الأزمة المالية العالمية، وقفز بعدد القيود التجارية إلى أكثر من 3 آلاف قيد متبادل على التجارة الدولية خلال عام 2023 وحده.

ومع استمرار النزاعات التجارية، وازدياد الحمائية الاقتصادية، بات من الواضح أن النظام التجاري العالمي يمر بمرحلة اضطراب خطيرة، وإذا استمرت الولايات المتحدة في استخدام التعريفات كأداة ضغط سياسي واقتصادي، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من المواجهات التجارية التي لن تقتصر تداعياتها على الأطراف المتنازعة، بل ستمتد إلى الاقتصاد العالمي بأسره.

فالعالم اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن تنجح الدول في التوصل إلى اتفاقات تضمن استقرار الأسواق، أو أن تدخل في دوامة من الصراعات التجارية التي قد تعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي بشكل غير متوقع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة