سقطت كل الأوراق، وانكشف الزيف، وخاب المسعى، وتناثرت المفاهيم الخاطئة حول أصل الصراع فى الحرب المستعرة في السودان، وديناميكيته وتأثيره، ونسيانه من المجتمع الدولي "بفعل فاعل"!
وبالتأكيد فإن كنانة الفتن مليئة بالمزيد، والقادم الذي بات وشيكًا ينذر بكوارث ومآسٍ إنسانية غير مسبوقة في بلد كل التطورات تحدث فيه، وما حوله تضعه في قلب صراع القوى الإقليمية والعالمية.
ولأن الصراع في السودان كان ومازال يلقى جزءًا ضئيلًا من الاهتمام الدولي والإعلامي الذي تحظى به الحروب والصراعات الأخرى -غزة وأوكرانيا- رغم أنه أكثر فتكًا ودمارًا وتشردًا ومأساة إنسانية لدولة تعد ثالث أكبر البلدان في إفريقيا.. فإن ناقوس الخطر يدق قبل تحويل الحرب، إلى أهلية وعرقية واثنية تهدد أمن المنطقة والسلام الإقليمي والدولي، ودعوات تكوين الحكومة الموازية في مناطق الدعم السريع التي تهدد بتقسيم البلاد، وتفاقم التدخلات الدولية المباشرة غير محمودة العواقب.
وهذه الأخيرة لاحت بوارقها بفرض عقوبات مباشرة على مسئولى “الدعم السريع” والجيش تباعاً، مما سيجعل من السودان منطقة غير قابلة للحياة، وبؤرة عنف متطرف محتملة ستنتقل للمحيط العربي والإفريقي وتهدد السلم والأمن الدوليين، وتكون الخاصرة الرخوة لانفجار الأوضاع في القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر المضطربين بالأساس!!
إن ما يدمي القلوب، أن الخرطوم، تلك المدينة التي كانت مزدهرة ذات يوم، باتت خرابة، بفضل القصف العشوائى من جانب قوات الدعم السريع التي مارست أبشع الجرائم بشكل موثق بالصوت والصورة، بدءًا بالاغتصاب الجماعي والإبادة الجماعية، ومرورًا بسرقة ونهب المنازل والمحلات والسلاسل التجارية والبنوك!!
مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة، كشف فى تغريدة له عن التقديرات الأولية لحجم المسروقات التي حدثت في الخرطوم على يد قوات الدعم السريع، بأنها تتجاوز 50 مليار دولار، مبينًا أنه تم نهب مخازن الشركات والمصانع، بالإضافة إلى الذهب وملايين الدولارات من خزائن المصارف ومدخرات الأسر من الحلي الذهبية، بعضها متوارث من "الحبوبات"، هذا إلى جانب مدخرات هذه الأسر بالدولار!!
وتحويل الحرب، إلى أهلية وعرقية وإثنية تهدد أمن المنطقة والسلام الإقليمي والدولي، ودعوات تكوين الحكومة الموازية في مناطق الدعم السريع التي تهدد بتقسيم البلاد، وتتراكم الجثث في مقابر مؤقتة يمكن رؤيتها من الفضاء وأُجبر أكثر من 10 ملايين شخص، أي خُمس السكان، على الفرار من منازلهم، وتلوح في الأفق مجاعة يمكن أن تكون أكثر فتكًا من المجاعة التي شهدتها إثيوبيا في الثمانينيات، حيث يقدر البعض أن 2.5 مليون مدني قد يموتون بحلول نهاية العام، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
التقرير الذى أعدته مجلة «إيكونوميست» البريطانية، من داخل السودان، أشار إلى أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وقنبلة جيوسياسية موقوتة، فحجم السودان وموقعه يجعلانه مُحركاً للفوضى خارج حدوده.
كما أن الدول التي تتدخل في هذا الصراع، وتؤججه بمنأى عن العقاب، والغرب غير عابئ؛ والأمم المتحدة مشلولة، تجاه أعمال العنف التي تهدد استقرار البلدان المجاورة للسودان، وتحفز تدفقات اللاجئين إلى أوروبا.
وتقول «إيكونوميست» إن الخصمين الرئيسيين هما الجيش التقليدي (القوات المسلحة السودانية)، وميليشيا قوات الدعم السريع، لا يتمتع أي منهما بهدف أيديولوجي أو هوية عرقية متجانسة، يقود كليهما أمراء حرب عديمو الرحمة يتنافسون على السيطرة على الدولة وغنائمها، كما وصفتهما المجلة العريقة.
إن الحرب اللعينة الراهنة فى السودان، جاءت بهدف الصراع على السلطة وتصفية ثورة ديسمبر المجيدة، وبدعم إقليمي ودولي لطرفي الحرب بالمال والسلاح لنهب ثروات البلاد، وإيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر!!
إنها حرب مليشيات "الإسلامويين" وصنيعتهم "الدعم السريع"، ضد المواطنين الأبرياء العزل، وقوى الثورة..حرب القمع وحملات الاعتقال والاغتيالات والتعذيب الوحشي والمحاكمات الجارية، والبلاغات الكيدية التي يقوم بها طرفا الحرب ضد المعارضين السياسيين ولجان المقاومة والناشطين في لجان الخدمات.!!
إن مصر والسودان يربطهما تاريخ مشترك منذ عام 1820، حيث كانتا بلدا واحدا، مصيرهما واحد، ومستقبلهما واحد، لذا فإن ما يحدث للسودان يؤلم جموع المصريين الذين يعلمون أن الأمن القومي الحقيقي هو الوعي وثقافة الشعوب، وليس الدخول في صراعات السلطة والنفوذ لمرتزقة المال والسلاح.