Close ad

القاهرة بغداد.. جسر التنمية ومحور النهضة

3-2-2025 | 12:17

إيمان راسخ بوحدة المصير، وحلم يقفُ على أرض صلبة، بالتطلع إلى السير على الدرب معًا، انطلاقًا إلى آفاق المستقبل الرحب. الإيمان والحُلم والرباط الممتد منذ فجر التاريخ، تلك أعمدة البناء العربي المهيب الذي تشيده الآن كل من مصر والعراق في مشهد لافت لعناق حضارتين عريقتين تربطهما وشائج الدم واللغة وتاريخ وحاضر ومستقبل أمة شامخة بين الأمم في المنطقة والعالم، هذه المنطقة التي تمتاز بموقع إستراتيجي فريد، له قدر كبير من الأهمية والتأثير، وثروات بشرية وطبيعية كبيرة، مما يفسر أطماع وتنافس القوى الكبرى عليها، بل وجعلها محطًا للأزمات، مع السعي إلى إعادة هيكلة النظام الدولي، في ظل عالمٍ يموج ويحتدم بصراعات على مدار الساعة، وبما يستوجب اليقظة والعمل المستمر على تقوية دعائم الأمة العربية عبر التحالفات القوية والعلاقات المثمرة. ومن هنا يمثل التنسيق المستمر والتعاون البناء بين القطرين العربيين الشقيقين وفي جميع مجالات العمل العربي المشترك بدوافع التماسك والتعاضد والانطلاق أولا ومن ثم تعظيم هذا التوجه التعاوني، ومن أجل مواجهة جميع التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وفي مناحي الحياة كافة.

لذلك كله لم يكن من فراغ التأكيد الدائم والمستمر للرئيس السيسي في جميع المحافل، ومنذ تولي الرئيس السيسي المسئولية في العام 2014، بضرورة دعم ومساندة وإمداد العراق الشقيق بجميع الخبرات الممكنة، ومساندة بنائه وإعماره، وقد أعلنها صراحة بأن مصر تدعم العراق وجيشه ومؤسساته لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه تمامًا، ودعم أمنه واستقراره، فهو الوطن الكبير ذو الخصوصية التاريخية والجغرافية والسياسية، التي تؤهله دائما للتنافس الإقليمي والدولي، ولنتذكر كلمة الرئيس خلال فعاليات مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون، والتي كانت بمثابة النبراس المضيء في هذا الشأن، بأن "الشعب الذي يمتلك هذه الحضارة وهذا التاريخ المشرف يمتلك بلا شك مستقبلاً واعداً بفضل أبنائه وسواعدهم وما يحدوهم من أمل وحافز نحو تحقيق غد أفضل، وأؤكد أن لكم في مصر إخوة حريصين على نهضتكم، مرحبين بنقل تجربتهم وخبراتهم في مجالات مختلفة إيماناً بوحدة المصير والهدف لنسير معاً على طريق المستقبل الذي تضيئه إرادتنا وثقتنا في قدرتنا الصلبة على اجتياز الصعاب أياً كانت".

ولأن دأب الحضارات الأفعال، لا مجرد الأقوال، فإن هذه الروح الوثابة لترسيخ التآخي والتعاون وعلاقات الشراكة بين القاهرة وبغداد، كان من شأنها أن استمرت الزيارات واللقاءات وامتدت الجسور، وتم توقيع البروتوكولات ومذكرات التفاهم، وأُبرمت الاتفاقيات التعاونية في مجالات عدة، وتبادل الخبرات والتدريب في مجالات الموارد المائية والري، والإسكان والتشييد، والاستثمار، والطرق والجسور، والبترول والثروة المعدنية والعدل والقضاء وغيرها، وصولًا إلى اللحظة الراهنة التي تشهد نقلة جديدة في العلاقات بين مصر والعراق، في ظل وجود أرضية خصبة للتعاون والشراكة والتبادل التجاري والاقتصادي والتنموي والثقافي والعلمي، كما أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لنظيره المصري الدكتور مصطفى مدبولي في بغداد، بعد انعقاد اجتماعات الدورة الثالثة للجنة العليا المصرية-العراقية المشتركة، وقد دلل السوداني على ذلك الترابط والإصرار على مد أواصر وجسور التعاون، بأن حجم التعاقدات مع الشركات المصرية لتنفيذ مشاريع البنى التحتية قد بلغ أكثر من 600 مليار دينار عراقي.
 
ولأن اللحظة الراهنة تشهد كذلك تحديات وأزمات إقليمية، كان لابد من تنسيق المواقف إزاء تلك التحديات والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، ولعل أبرزها وما يتابعه العالم كله، القضية الفلسطينية، التي تفجرت مجددًا وصارت على صفيح ساخن، بعد الحرب الشعواء غير العادلة والمدعومة أمريكيا على غزة والضفة الغربية، ثم لبنان، والعمل على إغاثة الفلسطينيين، وإيصال المساعدات لهم، ومواجهة الدعوات الغربية الرامية إلى تصفية القضية، وتلك المساعي الدنيئة لإبعاد الفلسطينيين عن وطنهم وتهجيرهم، وهو ما رفضته مصر رفضًا قاطعًا، على الرغم من التهديدات المبطنة والصريحة، فكان الرفض واضحًا كسطوع الشمس على المستوى الشعبي والرسمي، وكان التوافق المصري العراقي والحرص على الاستمرار في دعم قضية الوطن، والتأكيد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67، وعاصمتها القدس الشرقية، والرفض القاطع والتام لأي إجراءات باتجاه التهجير القسري للفلسطينيين، والتنسيق المستمر نحو ترسيخ الاستقرار والوقف المستدام الشامل  للحرب.

إن الواقع السياسي العالمي يشهد الآن تحالفات بين قوى متباينة المشارب والتطلعات والأهداف كإستراتيجية لمجابهة التهديدات القائمة والمحتملة، فما بالنا إذا كانت القواسم مشتركة على مستوى التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والثقافة والقُربى، حتمًا فإن كل هذه السمات دون مساعٍ تنسج روابط سياسية وأيدلوجية، فإذا توافرت المساعي الدؤوبة في مثل هذا النهج القويم الذي تتبعه كل من مصر والعراق، فإن المشهد حتمًا سيفرض واقعًا عربيًا وإقليميًا ودوليًا عنوانه "محور القاهرة وبغداد"، وأهدافه المحققة أمن وسلم وتنمية ونهضة البلدين الشقيقين العريقين. وإرساء ركائز السلام والاستقرار في المنطقة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة