ربما لم يدرك أحمد عبد الباسط، أن تواجده في ذلك اليوم، داخل عيادة العلاج الطبيعي، التي يتردد عليها منذ 18 عامًا، سيغير حياته، قبل أن يساهم في تغيير حياة الملايين الذين يحتاجون للتداوي بالعلاج الطبيعي؛ حيث دفعه تواجده في تلك اللحظة إلى ابتكار جهاز ميكانيكي، ينفذ 30 تمرينًا رياضيًا للمرضى.
موضوعات مقترحة
جهازًا للعلاج الطبيعي ينفذ 30 تمرينًا
بمشاعر رقيقة.. ولِدَّت من «رحم معاناة» أحمد عبد الباسط مع مرضه، الذي جعله أحد أبطال ذوي الهمم، بعد أن تحرك قلبه الكبير عندما سمع رفض طبيبه المعالج استقبال إحدى الحالات؛ لعدم توافر الأجهزة المناسبة لتنفيذ البروتوكول العلاجي الملائم للحالة المرضية؛ ليمر رفض الطبيب على الجميع بشكل «عادي»، إلا أنها بالنسبة لأحمد «طالب الهندسة»، كانت دَفعة لبداية جديدة.
براءات الاختراع
صدمة.. تقود إلى فكرة
«صعقت من عدم قدرة طبيب على مساعدة مريض» بنبرة حزينة يصف أحمد عبد الباسط لـ«بوابة الأهرام» شعوره، عند سماعه رفض الطبيب.
وأوضح طالب الهندسة: إن الرفض كان بسبب وزن المريض الكبير، وهو ما يستدعي توفير أكثر من طبيب في الجلسة الواحدة؛ للتأكد من أداء المريض للتمارين بشكل دقيق.
براءات الاختراع
يتوقف عن الحديث قليلا؛ وكأنه يستعيد ذكرى تلك اللحظة الفارقة، مضيفًا: «شعرت بالعجز.. لكن بدلًا من الاستسلام.. قررت أن أكون جزءًا من الحل».
30 مليون مصري يخضعون للعلاج الطبيعي
ويقول أحمد، إنه بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، يخضع 23% من سكان العالم للتداوي بالعلاج الطبيعي، منهم أكثر من 30 مليون مصري، يحتاجون إلى هذا العلاج، إلا أن عددًا كبيرًا منهم لا يحصلون على هذه التمارين؛ بسبب قيود تقنية.
«اعتمدت فكرتي على تسخير الهندسة والميكانيكا والبرمجة والذكاء الاصطناعي لصناعة جهاز يساعد على تنفيذ تمارين دقيقة لمختلف أوزان الجسم» بفخر يتحدث أحمد عن إنجازه الكبير، موضحًا أن تصميم جهازه يساعد الحالات المرضية ذوي الأوزان الكبيرة؛ حيث يمكنه أن يتحمل أوزانا تصل إلى 150 كيلوجرامًا وحتى طول مترين تقريبًا.
براءات الاختراع
براءة اختراع لـ30 تمرين علاج طبيعي
حصدت تلك الفكرة الإنسانية براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، فضلا عن اعتماده من قبل كلية العلاج الطبيعي بجامعة كفر الشيخ؛ بعد إثبات كفاءته العلاجية، ودقته في تنفيذ نحو 30 تمرينًا للعلاج الطبيعي.
جائزة كبرى لهدف نبيل
لم يغرد أحمد عبد الباسط منفردًا للوصول إلى ابتكاره، فقد ساعده على الوصول إلى هدفه النبيل، فريق ضم 20 متخصصًا بين مهندسي تطوير وخبراء برمجيات وأطباء علاج طبيعي، اجتمعوا على هدف واحد «إنتاج النموذج الأولي المتكامل» لمساعدة جميع المرضى على تنفيذ تمارين العلاج الطبيعي؛ ليتوج الفريق وهدفه النبيل بالفوز بالجائزة الكبرى في مسابقة «GEN Z 2024» لدعم الابتكار وريادة الأعمال بين طلاب الجامعات المصرية، بقيمة 1.5 مليون جنيه.
براءات الاختراع
تصميم جهاز العلاج الطبيعي
مصطفى عبد الباسط -شقيق أحمد- الطالب بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، أوضح لـ«بوابة الأهرام» أن الجهاز ليس مجرد أداة ميكانيكية، بل تعتمد طريقة عمله على استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان دقة التمارين العلاجية.
وأشار إلى أن الجهاز سيجري تصنعيه من الفولاذ المقاوم للصدأ، ومغطى بألياف زجاجية، ويتيح للمريض الوقوف بداخله؛ فيما تثبّت أطرافه بأحزمة متصلة بأذرع هيدروليكية تُدار إلكترونيًا.
الحركة الإلكترونية لأذرع الجهاز –بحسب شقيق أحمد- تعتمد على عدد من المحركات والمواتير المتطورة، تحركها برمجيات متقدمة؛ تتيح للطبيب التحكم في نوع التمرين ومدته، والمناطق المستهدف علاجها في جسم المريض؛ حيث يجري ذلك عن طريق أوامر إلكترونية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
«كل شيء يتم التحكم به عبر تطبيق ذكي»؛ يتابع مصطفى عبد الباسط، لافتا إلى أن الطبيب يحدد عدد التمارين والتكرارات المطلوبة، دون الحاجة إلى عدد كبير من الأطباء خلال الجلسة الواحدة.
أمل جديد لمرضى صعوبة الحركة والشلل الجزئي
المهندس حلمي صلاح، مسئول التطوير في فريق صناعة الجهاز، أكد تفوق هذا الابتكار على تصميم الأجهزة المشابهة، والتي يمكن تصنيعها عن طريق خمس شركات فقط حول العالم.
وأوضح المهندس حلمي صلاح لـ«بوابة الأهرام» أن جهاز أحمد يتفوق على أجهزة الشركات العالمية بعدد التمارين التي يمكن تنفيذها، كما أن إنتاجه أقل تكلفة من البدائل المتاحة عالميًا، وتجعله هذه الميزات مؤهلًا ليصبح أداة رئيسية في المستشفيات والمراكز العلاجية بمصر وخارجها، للأشخاص الذين يعانون من صعوبة في الحركة أو الشلل الجزئي.
طموح الصغر يتحول إلى ابتكار في الكبر
«ابني طموح من صغره.. وكان كلية الهندسة قدام عينيه» بفخر وابتسامة خفيفة تتحدث إيمان محمد، والدة أحمد عن فلذة كبدها.
وتوضح لـ«بوابة الأهرام» عشق ابنها للدراسة، خصوصًا لمادتي الفيزياء والكيمياء؛ مشيرة إلى تحقيق حلمه بحصوله على منحة دراسية مكنته من الدراسة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.
يوافق عبد الباسط أحمد، حديث زوجته، في اجتهاد أحمد وطموحه قائلًا: «منذ طفولته لم يتوقف أحمد عن السعي وراء حلمه.. حتى حصل على براءة اختراع جهازه المبتكر»، موضحًا أن حصوله على دعم الدولة لشباب المبتكرين، هو خطوة في الاتجاه الصحيح.
جهاز العلاج الطبيعي.. بداية المشوار
«لسه قدامي كتير أعمله.. علشان يوصل جهازي لكل مستشفى ومريض محتاجه»، يتحدث أحمد عبدالباسط عن أهدافه المستقبلية، بطموح يعانق السماء، قائلا: «دي لحظة انتظرتها كتير.. أشوف فكرتي واقع معتمد علميًا».