Close ad

صمود المصريين.. ونفير الغزاويين

2-2-2025 | 16:14

على مدار الأيام الماضية وتطورات الأحداث على الساحة الفلسطينية وبزوغ المشاهد والمواقف التي أوضحت حقائق ودلائل كان يشكك البعض فيها، والتي تؤكد مدى قوة الموقف المصري للدفاع عن القضية الفلسطينية، ومدى التربص لمصر وقيادتها، وكذلك حقيقة دور الرئيس السيسي في هذا الشأن والذي شمل "لاءاتٍ" كثيرةً بما لا يحتمل التأويل الرافض لتصفية القضية الفلسطينية أو التهجير القسري أو ظلم الفلسطينيين.
 
جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، التي طالب فيها بتهجير شعب غزة وذلك بحيلة استضافة (مصر والأردن) للفلسطينيين.. ولاشك أن هذه الحيلة أظهرت نوايا المخطط الأمريكي الصهيوني للقضاء على القضية الفلسطينية برمتها، فكان الرد المصري من الرئيس السيسي سريعًا ليكون بمثابة ردٍ واضحٍ على المشككين ممن نالوا من مصر وقيادتها، وكأن الله عز وجل أراد ذلك ليتحقق موعود ما قال في كتابه (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) سورة الْحَجّ - الآية: (38).
 
ولا شك أن موقف الرئيس السيسي قد سجله التاريخ العصري له، وأكد أيضًا أن هذه هي مصر ستظل حجر العثرة أمام أي مؤامرة تحاك لها أو لأشقائها عامة وأنها تتصدى بكل ما أوتيت من قوة لكل المحاولات لتصفية القضية الفلسطينية، خاصة أن ذلك يتم على أرض الواقع وليس بالشعارات الكاذبة أو الصوت العالي أو التهور غير المحسوب، وإنما يتم بالعقل والحكمة والدبلوماسية وحسن إدارة هذا الملف الشائك.

ولا شك أن هذا الحدث أظهر أن مصر ستظل شامخة أبية، وأنها لا تقبل تهديدات من صغير أو كبير ولا ترضخ لمساومات انتهازية أو إملاءات خارجية أو ضغوطات لا منطقية، وأن أمنها القومي هو خطٌ أحمر ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال التهاون أو التفريط فيه، وأن الأزمة الحالية لم تعد أزمة حدود، ولكنها تجاوزت ذلك وأصبحت أزمة وجود، لاسيما في ظل الإصرار الإسرائيلي على فكرة التوسع الكبير، والرغبة المُلحة بالتعاون مع أمريكا في إعادة رسم خريطة المنطقة.

وفي تقديري المتواضع أن كلمة الرئيس السيسي، التي رد فيها على المزاعم الخاصة بالقضية الفلسطينية، هي بحق كلمة "تاريخية" في رفض تهجير أهل غزة ونصرة الحق والمظلومين، وهي من جانب آخر تأكيدٌ سيادة مصر واستقلال قرارها، وقد أحدثت أيضًا حالةً كبيرةً من الاصطفاف الشعبي والالتفاف حول قائد مصر وزعيمها، وأن الشعب المصري إنما هو صفٌ واحدٌ خلف قيادته ومؤسساته الوطنية في مواجهة أي محاولات للمساس بالسيادة المصرية أو زعزعة الاستقرار.

وكذلك، فإن الرفض الدولي لتصفية القضية الفلسطينية قد جعل الرئيس الأمريكي ترامب يقف وحيدًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأخذا يفكران ماذا يفعلان في ظل الصمود والثبات والإصرار المصري والأردني والفلسطيني ضد فكرة التهجير.

إنني عندما تمعنت في مشهد عودة النازحين الفلسطينيين إلي بيوتهم المهدمة والمخربة على أيدي الآلة الإسرائيلية الحربية الغاشمة من جنوب إلى شمال غزة، تذكرت يوم نفير حجاج بيت الله الحرام من عرفة بعد جمعهم المبارك طلبًا للمغفرة من الله، ورجاءً لقبول الدعوات قاصدين المبيت بالمزدلفة لرمي الجمرات في صباح اليوم التالي، إن هذا المشهد لنفرة الغزاويين هو صورة من صور الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن والحنين له بالعودة لأحضانه وترابه حتى ولو كان ركامًا، فيكفي العيش في أرضه وترابه وتحت سقف سمائه ورحابه، وإن هذا المشهد ليؤكد مدى الحرص على التراب الفلسطيني، ونجاح الدور المصري في فرض ذلك الأمر بشتى الطرق، وتسهيل عودة الفلسطينيين إلى ديارهم.

والناظر للدور المصري سيرى أنه قد أصبح معلنًا دون مواراة من أحد أو مداراة لأحد، وهو ينطق بلسان الحال والمقال: (لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن ولا لظلم الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية).

ولا يشك عاقلٌ ولا ينكر منصفٌ أن مصر كانت ولا تزال هي الطرف الرئيس الداعم للفلسطينيين، وأنها لم ولن تكون جزءًا من مخطط تصفية القضية أبدًا في يوم من الأيام، وأنها مستمرة في تقديم يد العون والمساعدة للفلسطينيين، وآخرها استمرار تدفق المساعدات واستعدادات اللجنة التنفيذية الخاصة باستقبال المصابين الفلسطينيين، بتكليف من القيادة السياسية، لوضع خطط محددة للتنسيق بين الوزارات المعنية، والقطاعات والجهات المختلفة، لتقديم أفضل الخدمات الطبية لمصابي الأحداث في قطاع غزة خلال الفترة الحالية بالمستشفيات المصرية.

ومما يؤكد ذلك أن هناك نفيرًا مصريًا وظهيرًا شعبيًا آخر كان موازيًا للنفير الفلسطيني، فمنذ صباح أمس الأول الجمعة توافدت حشودٌ من المصريين أمام معبر رفح، كان على رأس تلك الحشود وفود سياسية وشعبية من جميع محافظات مصر كلها، تعلن الرفض التام لتهجير الفلسطينيين، ودعم القيادة السياسية المصرية في أي قرار؛ حماية للأمن القومي، ودفاعًا عن سيادة قرارها، ودرءًا لأي مطمع خارجي، علاوة على تجمع الآلاف في ميادين محافظات مصر لدعم القيادة السياسية في قراراتها، وإنه والله لمشهد يثلج الصدر ويبهج النفس؛ (عشراتٌ الآلاف من شعب مصر من الإسكندرية إلى أسوان يقيمون صلاة الجمعة في أرض سيناء الحبيبة، ومن أمام بوابة معبر رفح، وفي الواجهة الأخرى لقطاع غزة رافعين شعار(لا لتهجير أهالي غزة إلى سيناء)، يهتفون باسم مصر ورئيسها، ويرسلون رسالةً واضحةً بأن هذا هو موقف شعب مصر الموحد، وليس رئيسها فقط، وهذا هو أكبر ردٍ على تصريح الرئيس الأمريكي ترامب في رده عن إمكانية قبول مصر والأردن استقبال فلسطينيين من غزة قائلًا للصحفيين "سيفعلان ذلك".

وإن مما يسترعي الانتباه هو رد الفعل الإسرائيلي بعد خطاب الرئيس السيسي ورفضه التهجير ونشر صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تغطيةً خبريةً عن المؤتمر الصحفي للرئيس السيسي مع نظيره الكيني، وبدون أية مناسبة نشرت صورة الرئيس المصري مع الرئيس الإيراني السابق الذي لقي مصرعه إثر سقوط طائرته الرئاسية، ومازالت أصابع الاتهام تشير للموساد؛ خاصة أن الخبر ليس له أدنى علاقة بالصورة، وقد عبر عن حالة الغضب، وعدم الاتزان التي انتابت إسرائيل بعد تصريحات الرئيس ضد التهجير، ومدى التربص الذي سيحدث بمصر ورئيسها في المرحلة المقبلة، طالما استمر في موقفه المناوئ للأطماع الإسرائيلية ناسين أولا يعلمون أن الله هو الحافظ، وأن الرئيس السيسي أول شخص وضع روحه على كفه، عندما أنقذ مصر عام 2013 من مخطط التدمير والتقسيم وسيطرة الجماعات الإرهابية.

إن مصر برئيسها وشعبها بإعلانها الرفض التام والقاطع لتهجير غزة وشعبها لسيناء تؤكد للعالم أجمع أن مصر ستظل دائمةً وأبدًا راسخة المبدأ قوية العتاد رافعة العماد ثابتة القِيم ظهيرةً لكل مهضوم ناصرةً لكل مظلوم لا تقبل من يملي عليها قرارها أو يضعف قوتها أو يزحزح أمنها أو ينقص بين الأمم قدرها، فقد وجُدت مصر أولًا ثم كتب التاريخ والحضارة بعدها، ثم جاء العالم بعد ذلك، فلتحيا مصر وليحيا عزها وشموخها ونيلها وأزهرها وهرمها وتاريخها ومجدها، وقبل ذلك وبعده (ليحيا قائدها وشعبها) فلتحيا مصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة