Close ad
1-2-2025 | 16:55

"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا" صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
 
ومن رحمة الله تعالى على أمة محمد "صلى الله عليه وسلم" أن جعل لهم مواسم للطاعات؛ أجور وثواب الأعمال الصالحة فيها مضاعفة؛ أي أن أجر الحسنة الواحدة في هذه المواسم مضاعف عن غيرها، وقد تصل إلى 700 ضعف، وما إن ينتهي موسم من تلك المواسم، حتى تجد نفسك في موسم آخر، فيا لها من نعمة ما بعدها نعمة، نشكر الله عليها شكرًا كثيرًا؛ فبالشكر تدوم النعم.
 
وشهر شعبان الذي يظلنا الآن هو الشهر الثامن من السنة القمرية ويقع بين شهريْ رَجَب ورمضان، وهو واحد من مواسم الطاعات، وعلى الرغم من أنه ليس من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى وحددها رسولنا الكريم في حجة الوداع قائلًا: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان)، فإن الله تعالى عظم شهر شعبان، وفضله على غيره من الشهور؛ بأن جعله الشهر الذي ترفع فيه أعمال العام كلها؛ من صلاة وزكاة وصوم، وحج وعمرة وصلة رحم وصدقة إلخ.
 
أما ما قيل في معنى اسم شعبان، وهل هناك من رابط بينه وبين شُعيب؟ جاء اشتقاق اسم شَعبان من مادة لُغَوِيّة هي الشين والعين والباء، وتدلّ على شيئين مختلفين، أحدهما الافتراق والآخر الاجتماع، وهو من باب الأضداد؛ فمن التفرقة قولهم: شَعَبَ الشيء، يَشعَبه، شَعبًا، إذا فَرّقه، ومن الاجتماع قولهم: شَعَبَ الشيءَ، إذا جَمعه. وانشعبَ الشيءُ إذا انصلح.

ولكن أفضل ما قيل أن شعبان من الشعب؛ وهو الاجتماع، وسمي بهذا الاسم؛ لأنه يتشعب فيه الخير؛ أي يجتمع ويكثر فيه الخير.

أما أفضل عبادة في هذا الشهر الكريم فهي الصوم؛ لأنه يتضمن الإخلاص والسرية بين العبد وربه، ولذلك ادخر الله تعالى ثوابه وأجره عنده، وجعله خبيئة لا يعلم قدرها مخلوق من مخلوقاته، وقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال اللهُ تبارك وتعالى: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصومَ، فإنه لي وأنا أجزي به).

ومن فوائد شهر شعبان وفضله، الفائدة الأولى أنه يعتبر تدريبًا وإعدادًا وتهيئة لشهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام والقرآن، ففي شعبان يتدرب المسلم على الطاعات والعبادات، ويتعود على الصيام والقيام، حتى إذا دخل رمضان كان قادرًا على الصيام والقيام دون فتور أو تعب ومشقة.

وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يُكثر من الصيام في شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان".

أما الفائدة الثانية فهي أنه ترفع أعمال العام كلها إلى الله تعالى في هذا الشهر الكريم، كما جاء في الحديث الشريف، فيستحب للمسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر، حتى يرفع عمله وهو على أفضل حال، وقد وردت في فضل هذا الشهر أحاديث نبوية صحيحة، منها:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

أما الفائدة الثالثة فهي مغفرة الذنوب؛ فشهر شعبان شهر التوبة والمغفرة، ففيه يتوب الله على من يشاء من عباده ويغفر ذنوبهم؛ فعلى المسلم أن يستغفر الله تعالى في هذا الشهر، ويتوب إليه من جميع ذنوبه.
أما عن ليلة النصف من شعبان، وما قيل في صيام نهارها وقيام ليلها فليس بصحيح، وكل الأحاديث التي وردت في فضل ليلة النصف من شعبان كلها ضعيفة وغير صحيحة، ولا يجوز أن نخص تلك الليلة بشيء لم يكن من السنة، ولم يفعله رسولنا الكريم؛ حتى لا نكون من أهل البدعة؛ فنحن لسنا أتقى من رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وإنما يكفي صيام الإثنين والخميس، وهما أيضًا ترفع فيهما الأعمال كما ذكر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عندما سأله الصحابة عن سبب صيامه لهما قائلًا: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس؛ فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"، كما يستحب صيام الأيام القمرية الثلاثة من هذا الشهر الكريم، الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من شعبان، كما كان يفعل رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم"، أما أن نخصص نهار وليلة النصف بصيام وقيام، فهذا غير صحيح، ولم يجد العلماء فيه حديثًا واحدًا صحيحًا، فكلها ضعيفة، وبعضها موضوع.

ومن الأعمال المستحبة في شهر شعبان الإكثار من الصيام؛ اقتداءً بالنبي "صلى الله عليه وسلم"، وقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه، والاستغفار والتوبة إلى الله تعالى، والدعاء والتضرع إلى الله، وسؤاله المغفرة والرحمة، والصدقة والإنفاق في سبيل الله، ومساعدة المحتاجين، والإكثار من الأعمال الصالحة، مثل الصلاة والذكر وصلة الأرحام.

فنسأل الله أن يوفقنا فيه لما يحب ويرضى، وأن يبلغنا شهر رمضان ونحن في أتم الصحة والعافية.

.

كلمات البحث