النسخة الثانية من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، سوف تختلف فى أدواتها عن ولايته الأولى التى استمرت من يناير 2017، وحتى ينايــر 2021، لكـن تظـل الفلسفـة واحدة والرؤية متفقة تماما مع ما كان يطرحه من قبل، حيث يعتبر أن القضايا الداخلية الخاصة بالهجــرة غيــر الشـــرعية والنـظام الصحى، ومكافحة الجريمة وتهريب المخدرات، هى القضايا الرئيسية، بينما فى الخارج لا يزال يرى فى الصين القوية اقتصاديا تهديدا لأمريكا، ولهذا ينوى فرض حواجز جمركية على الصين، لكن ليس بشكل عاجل كما هو مع المكسيك وكندا، حيث تعهد بفرض الجمارك الجديدة على أوتاوا ومكسيكو سيتى فى بداية فبراير.
موضوعات مقترحة
باعتباره الرئيس الوحيد الذى لم يخض حربا كبيرة، ولم يبدأ أى صراع خلال العقود الأربعة الأخيرة، فإنه سوف يركز على طى صفحة الحروب فى الشرق الأوسط وأوكرانيا عبر تعزيز قدرات الجيش الأمريكى، وزيادة ميزانية الدفاع إلى أكثر من تريليون دولار، فى الميزانية المقبلة 2025 -2026، ورغبته فى إنشاء «قبة حديدية»، أمريكية لحماية الأجواء الأمريكية بمنظومات دفاع تصنعها الشركات الأمريكية، بمديات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وهو الحلم الذى ظل يحلم به الرئيس الأسبق دونالد ريجان، ولم يحققه طوال ولايتين من حكمه، بسبب التكلفة العالية وضعف التكنولوجيا فى الثمانينيات.
لكن ربما الجديد فى الولاية الجديدة لترامب، هو سعيه لإحداث متغيرات جيوسياسية عبر رغبته فى استعادة قناة بنما، التى سلمها الرئيس الأسبق جيمى كارتر للبنميين، برغم حفر أمريكا للقناة وإدارتها لمدة 85 عاماً، وهو ما يثير الجدل من جديد، حول مدى أحقية الرئيس الجديد فى الاستعانة باتفاقية «الحياد الدائم»، التى وقعها كارتر مع بنما فى 7 سبتمبر 1977، والتى نصت على تسليم القناة لبنما، بعد أن أنفق عليها الأمريكيون 400 مليون دولار، فى الفترة من 1902، وحتى 1912، وشارك فى حفرها 50 ألف عامل، مات 50%، منهم بسبب الأمراض الاستوائية.
كذلك يثير الرئيس الجديد، عاصفة من الجدل بتأكيده فى خطاب ما بعد أداء اليمين القانونية، أنه ينوى شراء جزيرة جرينلاند الدانماركية، التى قال 67% من سكانها البالغ تعدادهم 57 ألفاً، أنهم يؤيدون انضمام جزيرتهم التى تزيد مساحتها على 2.1 مليون، كلم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
مشهدان
وهناك فارق كبير بين مشهدين، مشهد 20 يناير 2021، عندما خرج ترامب من البيت الأبيض، تلاحقه الاتهامات بالحصول على وثائق سرية وأنه كان يقف وراء العنف الذى طال الكونجرس، فى 6 يناير 2021 ومحاولة الكثير من الجمهوريين الخروج من سفينة ترامب، بل وانتقاده ورفض زعمه بتزوير انتخابات نوفمبر 2020.
لكن مشهد 20 يناير 2025، يختلف كليا، حيث عاد ترامب للبيت الأبيض بدعم وزخم، لم يحصل عليه رئيس أمريكى جمهورى فى النصف قرن الأخير، حيث فاز بأصوات المجمع الانتخابى، والتصويت الشعبى والأغلبية فى مجلسى النواب والشيوخ، والأغلبية الجمهورية بين أعضاء المحكمة العليا وحكام الولايات، وهو ما حفز ترامب للقيام بخطوات وقرارات تنفيذية غير مسبوقة فى اليوم الأول له فى البيت الأبيض، منها الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، والعودة بقوة لاستخراج النفض والغاز، ووقف خطط الرئيس السابق جو بايدن فى التحول الأخضر والطاقة النظيفة.
صانع سلام
حاول الرئيس الأمريكى، أن يرسم صورة نمطية خاصة به فى ولايته الثانية، بأنه رئيس حاسم وحازم وقادر، على الإنجاز، لكنه أراد بوضوح أن يرسم صورة باعتباره «صانع سلام»، وأنه كما أسهم فى وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإنه قادر على وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وبدأ الاستعداد للقاء الرئيس الروسى بوتين، بعد أن يتحدث إليه قريباً جداً وفق مساعديه، وهو ما يطرح سؤالا حول قدرته على تحقيق ذلك، لأن البعض يشكك فى قدرته على ذلك، نظراً لأنه جاء من خارج المؤسسة السياسية الأمريكية، ويتعامل مع الأمر بمنطق الصفقات، حيث يتبنى ترامب مقاربة تحاول تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية سريعة، لكن بدون معالجة القضايا الجوهرية، مثل حق الفلسطينيين فى دولة مستقلة، وتاريخ المنطقة العربية والشرق الوسط، يقول إن أى سلام لا يقوم على أسس عادلة لن يكون مستداماً، لكن فى ذات الوقت هناك فرصة أمام ترامب لتعزيز مكانته كصانع سلام حقيقى، إذا ما قرر تبنى مقاربة شاملة.
وفى ظل ترحيب الرئيس الروسى، بأى دور لترامب لوقف الحرب فى أوكرانيا، فإن ترامب يملك فرصة حقيقية عبر عنها فى رؤيته لحل الصراع الروسى - الأوكرانى، وما يساعد ترامب فى ذلك، هو قدرته على تبنى ترامب خطابا يتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا، وهو ما قد يمنحه مساحة للمناورة فى هذا الملف، لكنه فى ذات الوقت قد يواجه انتقادات من الديمقراطيين والجمهوريين، إذا ما فُسرت مواقفه على أنها تهاون مع بوتين، حيث يسخر الديمقراطيون خصوصا التيار التقدمى من علاقة ترامب بالرئيس الروسى.
نفس الأمر مع الصين، حيث لا يتوقع أن يخوض ترامب حروبا عسكرية مع الصين، أو يصطف بجانب تايوان عسكرياً، بل يمكن أن يراجع التحالفات العسكرية الأمريكية فى آسيا، التى تستهدف الصين مثل تحالف « أوكوس»، وتحالف «كواد الرباعى»، و»العيون الخمس»، وغيرها من التحالفات، التى سمحت بتدفق الأسلحة على دول مثل كوريا الجنوبية واليابان، وفيتنام والفلبين، لكنه قد يسعى لترتيب أوراقه الاقتصادية مع الصين، فالسلام مع الصين ليس بالضرورة إنهاء للتوترات الاقتصادية، بل قد يكون وسيلة لإعادة ترتيب المصالح المشتركة بين أكبر اقتصاديين فى العالم، لكن نهج ترامب الصدامى قد يعيد إشعال حرب تجارية تضر بالعلاقات الثنائية، وتؤثر على الاقتصاد العالمى بأسره، وسبق لترامب أن نجح فى التوصل لاتفاق تجارى قيمته 250 مليار دولار، مع الصين عام 2020، لكن جائحة كورونا لم تسمح له بتطبيق الاتفاق، ويحاول ترامب فقط، معالجة الخلل فى الميزان التجارى مع الصين الذى يصل لنحو 700 مليار دولار، منها صادرات أمريكية للصين بنحو 250 مليار، و450 مليار صادرات صينية للولايات المتحدة، وكل هذا يقول إن ترامب قد لا ينجح فى تحقيق السلام بمعناه المثالى، لكنه قد ينجح فى التوصل إلى تفاهمات تحقق الحد الأدنى من الاستقرار، خصوصا أن ترامب يجيد لعبة الرمزية، حتى لو لم يحقق نتائج ملموسة، فإنه ينجح فى خلق انطباع بأنه الرجل الذى يمكنه تغيير قواعد اللعبة، فترامب بشخصيته الجدلية ونهجه البراجماتى، قد يكون لديه القدرة على تحقيق إنجازات كبيرة.
عزل ألف موظف
أقال الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب 4 مسئولين حكوميين كبار، عينهم سلفه جو بايدن، محذرا بأنه قد يقيل أكثر من ألف آخرين، وقال «مكتبى لموظفى الرئاسة، يعمل بشكل نشط على رصد وعزل أكثر من ألف موظف رئاسى من تعيينات الإدارة السابقة، لا يتوافقون مع رؤيتنا لجعل أمريكا عظيمة من جديد».
والمسئولون الأربعة هم، خوسيه أندريس من المجلس الرئاسى للرياضة واللياقة البدنية والتغذية، ومارك ميلى من المجلس الاستشارى الوطنى، حول البنى التحتية، وبراين هوك من مركز ويلسون للباحثين، وكيشا لانس بوتومس من مجلس الصادرات.
ضربة للطاقة النظيفة
فى الدقائق الأولى لتولى ترامب الحكم، اتخذ قرارات كبيرة فى مجال الطاقة، منها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وأعاد العمل بالقوانين التى تستأنف استخراج النفط والغاز، وقال «العصر الذهبى لأمريكا يبدأ اليوم، أمريكا ستصدر الطاقة إلى جميع أنحاء العالم، الولايات المتحدة سوف تقوم بملء الاحتياطيات الإستراتيجية مرة أخرى، وكلها رسائل غير مسبوقة، أرسلها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى خطاب تنصيبه، الذى حظى فيه قطاع الطاقة بحضور قوى من خلال تلك التأكيدات المباشرة، وبما يعكس حجم الاهتمام الذى يوليه ترامب بالنفط والغاز والطاقة، حيث أطلق العنان لإنتاج مزيد من النفط والغاز، وهو ما يشكل تحولاً للموقف الأمريكى تجاه الحد من استخدام الطاقة التقليدية التى تعهد سلفه جو بايدن، بالتخلص منها ووضع لها حزمة من الأموال بلغت 1.3 تريليون دولار، لكن ترامب لديه قناعة كاملة بهذا المسار، وقال «سنكون أمة غنية مرة أخرى، وهذا الذهب السائل تحت أقدامنا، هو الذى سيساعد فى القيام بذلك، وهناك عدة قوانين طوارئ يمكن لترامب الاستعانة بها تتعلق بالطاقة، ومن المرجح أن يواجه ترامب مقاومة طفيفة من المحاكم، لأنها مترددة فى الطعن فى القرارات الرئاسية المتعلقة بالأمن القومى، ولهذا لو قام ترامب بتوسيع سلطات الطوارئ بطرق غير مسبوقة، فليس من الواضح أن المحاكم ستتدخل لوقف أى من هذه الإجراءات التى سيتخذها فريق ترامب بشأن الطاقة.
قرارات مثيرة
لم يتوقف ترامب فى يومه الأول، على القرارات الخاصة بالطاقة والخروج من منظمة الصحة العالمية، واتفاقيه باريس للمناخ، بل قام بعدد غير مسبوق من الأوامر التنفيذية التى يمنحها له الدستور الأمريكى، ومنها إصداره قرار بالعفو عن نحو 1500 شخص، اقتحموا مبنى الكونجرس الأمريكى فى السادس من يناير 2021، لدعم الأشخاص الذين اعتدوا على الشرطة فى أثناء محاولتهم منع المشرعين من التصديق على هزيمته فى انتخابات 2020.
وقال ترامب: «نأمل أن يخرجوا الليلة، بصراحة، نتوقع ذلك، وخفف أحكام 14 عضوا من منظمتى براود بويز، وأوث كيبرز اليمينيتين المتطرفتين، ومنهم بعض الذين أدينوا بالتآمر للتحريض على العنف».
كما وقع ترامب، على أوامر تعلن الهجرة غير الشرعية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك حالة طوارئ وطنية، وتصنف العصابات الإجرامية منظمات إرهابية، وتستهدف الجنسية التلقائية للأطفال المولودين فى الولايات المتحدة لمهاجرين غير شرعيين، فلم يعد من يولد فى أمريكا يحصل على الجنسية الأمريكية بشكل تلقائى، كما كان فى السابق سواء كان الأب أمريكا أم لا، وسوف يعلق ترامب البرنامج الذى يتعامل مع إعادة توطين اللاجئين لمدة أربعة أشهر على الأقل، وسيأمر بمراجعة الأمن، لمعرفة ما إذا كان المسافرون من دول معينة، يجب أن يخضعوا لحظر السفر، وجاء فى الأمر «الولايات المتحدة تفتقر إلى القدرة على استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، وفى تجمع فى ساحة رياضية، ألغى ترامب 78 إجراء تنفيذيا للإدارة السابقة بقيادة جو بايدن، وكامالا هاريس، وقال ترامب «سألغى ما يقرب من 80 إجراء تنفيذيا مدمرا للإدارة السابقة.
وأضاف أنه سيوقع أمرا يوجه كل الوكالات، بالحفاظ على جميع السجلات المتعلقة بالاضطهاد السياسى، فى ظل إدارة الرئيس السابق، وينطبق الإلغاء على الأوامر التنفيذية، التى تمتد من اليوم الأول لبايدن فى منصبه فى 2021 إلى الأسبوع الماضى، وتغطى موضوعات من الإغاثة من كوفيد، إلى تعزيز صناعات الطاقة النظيفة، كما وقع ترامب أمرا بتأخير حظر لمدة 75 يوما، لتطبيق المقاطع المصورة القصيرة تيك توك الذى كان من المقرر إغلاقه فى 19 يناير، وهو ما يعنى إعطاء فرصة جديدة لتطبيق توك توك، حيث قال فريق ترامب إن الرئيس الأمريكى يريد أن تشترى واشنطن 50%، من التطبيق المملوك لشركة صينية، ووجه الأمر لوزير العدل، بعدم فرض القانون للسماح لإدارته بفرصة جديدة لتحديد مسار العمل المناسب، فيما يتعلق بتطبيق الفيديوهات.
ووقع ترامب على أوامر بتجميد التوظيف الحكومى، واللوائح الاتحادية الجديدة، بالإضافة إلى أمر يلزم العاملين الاتحاديين بالعودة التامة إلى العمل بنظام الحضور الشخصى، وقال ترامب: «سأنفذ تجميدا فوريا للإجراءات التنظيمية الجديدة، مما سيمنع بيروقراطيى بايدن من الاستمرار فى إصدار اللوائح، وأنه سيصدر أيضا تجميدا مؤقتا للتوظيف لضمان توظيفنا فقط، للأشخاص الأكفاء المخلصين للجمهور الأمريكى»، وسوف تجبر هذه الخطوة أعدادا كبيرة من موظفى الحكومة، على التخلى عن ترتيبات العمل عن بعد.
وقال بعض حلفاء ترامب، إن تفويض العودة إلى العمل، يهدف إلى المساعدة فى تقليص الخدمة المدنية، مما يسهل على ترامب استبدال العاملين الحكوميين الذين خدموا لفترة طويلة بموالين له، كما أمر ترامب جميع الإدارات والوكالات التنفيذية، بتقديم إغاثة طارئة للشعب الأمريكى فى ظل ارتفاع الأسعار، وبزيادة رخاء العامل الأمريكى، وتشمل التدابير خفض اللوائح والسياسات المناخية التى ترفع التكاليف، والإجراءات اللازمة لخفض كلفة الإسكان، وتوسيع المعروض من المساكن، كما أمر ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، قائلا: إن المنظمة أساءت التعامل مع جائحة كوفيد -19 والأزمات الصحية الدولية الأخرى، وهى خطوة تتماشى مع انتقادات ترامب الطويلة الأمد للمنظمة التابعة للأمم المتحدة، لكنها تعزل واشنطن بشكل أكبر عن الجهود الدولية لمكافحة الأوبئة، ربما القرار الذى وجد ترحيبا من اليمين واليسار، هو توقيع ترامب على أمر تنفيذى، قال إنه يهدف إلى «استعادة حرية التعبير وإنهاء الرقابة الاتحادية»، وقال البيت الأبيض إنه «تحت ستار مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة، انتهكت الحكومة الاتحادية حقوق التعبير المحمية دستوريا للمواطنين الأمريكيين، واتهم ترامب وحلفاؤه الجمهوريون، إدارة الرئيس الديمقراطى السابق بايدن بتشجيع قمع حرية التعبير على المنصات الإلكترونية.
تعيينات سريعة
وبسبب زخم ترامب وشغفه بالعمل السريع، وافق الكونجرس على تعيين مارك روبيو السيناتور عن ولاية فلوريدا كوزير للخارجية، ومعروف عنه أنه من الصقور عندما يتعلق الأمر بالصين.
الأمر نفسه جرى بموافقة لجنة الخدمات المسلحة فى الكونجرس، على تعيين بيت هيجسيث وزيرا للدفاع، وهيجسيث، جندى سابق فى الجيش الأمريكى، خدم فى العراق وأفغانستان، معروف برفضه مشاركة النساء فى خطوط المواجهة، وينتقد حلف شمال الأطلسى (ناتو)، وأكد هيجسيث، أمام لجنة الخدمات المسلحة، أن ترامب يريد أن يركز البنتاجون على القتال والجدارة والمبادئ والجهوزية، هذا كل ما فى الأمر، هذه وظيفتى»، ونشأت علاقة صداقة بينه وترامب، بعد الظهور المتكرر لترامب فى برنامج (فوكس آند فريندز)، الذى يقدمه هيجسيث على قناة فوكس نيوز، المعروفة بدعمها للحزب الجمهورى، وفى وقت سابق قال ترامب: «بيت قوى وذكى ويؤيد بشدة أمريكا أولا، مع وجوده على رأس القيادة، جيشنا سيصبح عظيما مرة أخرى، وأمريكا لن تنهزم أبدا».