Close ad

لحظة فلسطينية فاصلة تحمل في طياتها تحديات وفرصًا.. إقامة الدولة بمشروع وطني شامل

29-1-2025 | 01:38
لحظة فلسطينية فاصلة تحمل في طياتها تحديات وفرصًا إقامة الدولة بمشروع وطني شاملغزة
إلهامى المليجى
الأهرام العربي نقلاً عن

لطالما شكلت القضية الفلسطينية محورًا مركزيًا فى الصراعات الإقليمية والدولية، إذ تجسد نضال شعب يرزح تحت الاحتلال والاضطهاد، ومع كل مرحلة من مراحل الصراع، تثبت القضية الفلسطينية قدرتها على الصمود واستعادة مكانتها برغم محاولات التهميش، ومع ذلك، فإن التحديات التى تواجه الفلسطينيين اليوم باتت أكثر تعقيدًا، حيث لم يعد الاحتلال وحده العائق أمام تحقيق تطلعاتهم، بل أيضًا الانقسامات الداخلية والتغيرات الجيوسياسية، التى أعادت صياغة التوازنات الإقليمية والدولية.

موضوعات مقترحة
أثبت العدوان الإسرائيلى الأخير على قطاع غزة، وبقية الأراضى الفلسطينية أن الفلسطينيين قادرون على المقاومة، برغم الإمكانيات المحدودة، لكن التجربة أظهرت أيضًا أهمية تعزيز الوحدة الوطنية كشرط أساسى للصمود وتحقيق الانتصار، فى هذا السياق، يصبح وقف إطلاق النار فرصة تاريخية لإعادة ترتيب البيت الداخلى الفلسطينى، والانطلاق نحو مشروع وطنى جامع، يستند إلى رؤية إستراتيجية، تتجاوز الردود الآنية وتضع أسسًا لحل مستدام.
من ناحية أخرى، فإن الالتفاف الدولى حول القضية الفلسطينية الذى برز خلال العدوان يسلط الضوء على إمكانية استثمار هذا الزخم لبناء دعم سياسى ودبلوماسى أوسع، لكن لتحقيق ذلك، يتطلب توحيد الصفوف، وتوجيه الأنظار إلى القضية الفلسطينية كقضية حقوق إنسان عالمية.
سنحاول تناول أهمية استثمار وقف إطلاق النار، كفرصة لتوحيد الصف الفلسطينى، وتحويل معطيات الحرب الأخيرة إلى انطلاقة نحو مشروع وطنى جامع، يُعيد صياغة الأولويات ويُرسخ الصمود.
لقد شكلت الحروب المتعاقبة على الفلسطينيين، مختبرًا حقيقيًا لصمود الشعب وفاعلية قياداته، وبينما أظهرت بعض المحطات نقاط ضعف جسيمة، أفرزت أخرى نماذج ملهمة فى القدرة على التكيف ومواجهة التحديات. من هنا، تبدو تجربة الحرب الأخيرة امتدادًا لسلسلة طويلة من المحاولات لكسر إرادة الفلسطينيين، لكنها تميزت بتعقيد غير مسبوق نتيجة التطورات الإقليمية والدولية، وزادت من الحاجة إلى استخلاص دروس تتجاوز الجانب العسكرى، لتشمل الأبعاد السياسية والاجتماعية والدبلوماسية. إن الوقوف على هذه الدروس يشكل أساسًا ضروريًا لبناء استراتيجيات مستقبلية، تضمن تعزيز الوحدة الوطنية وصياغة مشروع وطنى يواكب تحديات المرحلة.

الوحدة فى مواجهة العدوان
أبرزت الحرب الأخيرة أن الوحدة الوطنية ليست مجرد خيار إستراتيجى، بل ضرورة وجودية. لقد شكل الانقسام الفلسطينى على مدار الأعوام الماضية، أكبر ثغرة استغلتها إسرائيل لتفتيت الجهود. مع ذلك، أظهرت الأحداث الأخيرة أن تكاتف القوى الفلسطينية، حتى فى حدوده الدنيا، يُحدث تأثيرًا ملموسًا فى المشهد السياسى والعسكري.
وأثبتت التجارب السابقة، مثل انتفاضة الأقصى عام 2000، كيف أن الوحدة الشعبية والسياسية قادرة على تحويل المعادلة لصالح الفلسطينيين. حينها، اتحدت الفصائل المختلفة تحت راية مقاومة الاحتلال، مما أربك المخططات الإسرائيلية وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية
إن ترجمة هذا الإدراك إلى خطوات عملية من خلال تفعيل آليات حوار وطنى جاد تضع المصالح العليا فوق الخلافات الفصائلية، وتؤسس لمشروع يعزز الثقة الشعبية.
وأظهرت الحرب أيضًا أن الصمود فى وجه الاحتلال، يعتمد بشكل كبير على قدرة الفلسطينيين على التنسيق الميدانى والعمل المشترك. هذا الدرس يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتطوير رؤية جديدة، تعزز العمل الجماعى فى جميع المجالات، بما فى ذلك تعزيز العمل السياسى والدبلوماسي.
وأرسل الشعب الفلسطيني، بمقاومته وصموده، رسالة واضحة مفادها، أن التضحية ليست غائبة عن وجدان الجماهير، ومع ذلك، فإن استثمار هذا الصمود يتطلب إستراتيجية عميقة وشاملة تُدمج فيها جهود القيادة مع طاقات الشعب.
ولعبت المقاومة الشعبية دورًا تاريخيًا فى دعم النضال الفلسطيني، بدءًا من الانتفاضة الأولى، التى عُرفت بانتفاضة الحجارة، وصولًا إلى الحركات الشعبية فى القدس والضفة الغربية ضد الاستيطان. هذه الأمثلة تؤكد أن الدور الشعبى، ليس مكملًا للنضال السياسى فحسب، بل هو محرك رئيسى للصمود.
إن أبرز التحديات التى تواجه الدور الشعبى فى المعادلة الوطنية، تتمثل فى القمع الإسرائيلى المستمر، بما يشمله من اعتقالات وهدم منازل، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها الفلسطينيون، خصوصا فى قطاع غزة.
وذلك يتطلب خطوات عملية تتمثل فيما يلى:
< تعزيز آليات المشاركة الشعبية فى صناعة القرار الوطني، من خلال إنشاء منصات تتيح للشباب والمرأة التعبير عن آرائهم والمساهمة فى وضع السياسات.
< إطلاق برامج تنموية تسهم فى التخفيف من الأعباء الاقتصادية، لا سيما فى غزة والمناطق المهددة بالمصادرة فى الضفة الغربية. يمكن أن تشمل هذه البرامج مبادرات لتشجيع المشاريع الصغيرة والابتكار.
< دعم المبادرات الشبابية والمجتمعية التى تعزز روح المقاومة والصمود، مثل مبادرات إعادة الإعمار المجتمعى.
تفعيل الدور الشعبى لا يتوقف عند حدود المقاومة المسلحة، بل يمتد إلى بناء منظومة مجتمعية متكاملة ترتكز على التعليم، الصحة، والاقتصاد، لضمان استدامة الصمود فى مواجهة الاحتلال. على سبيل المثال، يمكن تعزيز العمل الشعبى من خلال دعم مبادرات زراعية محلية تُعنى بتثبيت الفلسطينيين فى أراضيهم وتحقيق الاكتفاء الذاتى.

إستراتيجيات مقترحة
إن استثمار الدور الشعبى فى المعادلة الوطنية، يحتاج إلى أدوات عملية وإستراتيجيات مدروسة قادرة على تفعيل هذه الطاقات فى إطار منظم وفاعل، فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى والتحديات الداخلية، تصبح العحاجة إلى إستراتيجيات واضحة ومحددة أمرًا ملحًا لتوجيه العمل الشعبى نحو تحقيق أهداف وطنية مستدامة. هذه الإستراتيجيات ليست مجرد رد فعل على الأزمات، بل هى خطة عمل تسعى إلى ترسيخ الصمود وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، بما يخدم المشروع الوطنى الفلسطينى، وهذا يتطلب استثمار التكنولوجيا الحديثة لتنظيم حملات توعية وحشد الدعم الشعبي. وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، أصبحت أداة فاعلة لنقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم، كذلك تشجيع الحركات الشعبية السلمية فى مواجهة الاحتلال، مثل المسيرات الأسبوعية فى القرى المهددة بالاستيطان.
فضلا عن إطلاق حملات دولية بالتعاون مع الجاليات الفلسطينية فى الشتات، لتوفير الدعم الاقتصادى والمعنوي.
وفى هذا الإطار يمكن عرض الأمثلة الناجحة التالية:
< المقاومة الشعبية فى بلعين ونعلين ضد الجدار العازل، التى أثبتت قدرة المجتمعات المحلية على مواجهة الاحتلال بطرق سلمية وإبداعية
< المبادرات الزراعية فى قطاع غزة، التى تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائى والحد من التبعية الاقتصادية لإسرائيل.
باختصار، تفعيل الدور الشعبى يتطلب قيادة واعية تستثمر فى طاقات الشعب وتضعه فى قلب المعادلة الوطنية، مما يضمن استدامة النضال وصمود الفلسطينيين فى مواجهة التحديات المختلفة.
الاستفادة من الزخم الدولى
برغم شراسة العدوان الإسرائيلى، أُعيدت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولى. تحركت العديد من المجتمعات المدنية فى مختلف أنحاء العالم تضامنًا مع الفلسطينيين، ما شكل فرصة ثمينة ينبغى البناء عليها لتعزيز الدعم السياسى والدبلوماسى.
< توظيف هذا الزخم لإطلاق حملات دبلوماسية وإعلامية، تكشف ممارسات الاحتلال.
< تعزيز التواصل مع الحركات العالمية المناصرة للقضية الفلسطينية لخلق تحالفات تدعم الحقوق الوطنية.
< السعى لاستصدار قرارات جديدة فى المحافل الدولية تعزز من مكانة القضية الفلسطينية.
كما أن العمل مع الجاليات الفلسطينية فى الشتات، يمكن أن يسهم بشكل كبير فى تعزيز هذا الزخم. فقد نجحت الجاليات الفلسطينية فى أوروبا وأمريكا الشمالية فى السنوات الأخيرة فى تنظيم فاعليات ضخمة أعادت تعريف القضية الفلسطينية أمام الرأى العام العالمى.
إن وقف إطلاق النار، هو لحظة فاصلة تحمل فى طياتها تحديات وفرصًا. فعلى الرغم من أن التهدئة تمنح الفلسطينيين مساحة لالتقاط الأنفاس بعد عدوان مدمر، فإنها تفرض فى الوقت ذاته استحقاقات وطنية، تُلزِم القيادة والفصائل بمراجعة شاملة للمسار الوطنى، إن هذه المرحلة تمثل نافذة تاريخية يمكن من خلالها تجاوز الانقسامات، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية كرافعة أساسية لصمود الشعب الفلسطينى وتحقيق أهدافه. لكن نجاح هذه المهمة يتطلب خطوات عملية مدروسة، تسير فى إطار رؤية وطنية جامعة، تُوظف هذه الفرصة بشكل مثالى لصالح القضية الفلسطينية.
ويجب أن يُستغل وقف إطلاق النار كمنصة لإطلاق حوار، يضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية دون استثناء. ينبغى لهذا الحوار أن يركز على نقاط الالتقاء مثل حماية الحقوق الوطنية وتعزيز المقاومة، مع تجاوز الخلافات التاريخية.

مخرجات الحوار المرتقبة
< وضع جدول زمنى لتحقيق المصالحة الوطنية.
< تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة تنفيذ مقررات الحوار.
< توحيد الجهود للتعامل مع التحديات الخارجية، خصوصا تلك المرتبطة بالاستيطان والتهويد.
أهمية الحوار: لا يقتصر دوره على معالجة القضايا السياسية فحسب، بل يشمل أيضًا بناء جسور الثقة بين الفصائل والجماهير الفلسطينية‪.‬
ثانيا: تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية
لا تزال منظمة التحرير الفلسطينية، تُعتبر الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، لكنها تحتاج إلى إصلاح شامل.
وأعتقد أن خطوات الإصلاح، تتمثل فى إشراك جميع الفصائل، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي، فى مؤسسات المنظمة، وإعادة بناء هيكل المنظمة، لتكون أكثر تمثيلًا للفلسطينيين داخل الوطن وفى الشتات، فضلا عن تطوير برنامج سياسى يعكس تطلعات كل شرائح الشعب الفلسطيني.
إن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، يتطلب إرادة سياسية واضحة وتوافقًا وطنيًا، على أن تكون المنظمة مظلة جامعة.
واستعادة الثقة الشعبية تتطلب تقديم إنجازات ملموسة على الأرض، وفى هذا نقترح إطلاق مبادرات لتحسين مستوى الخدمات الأساسية فى غزة والضفة الغربية، وضمان عدالة وشفافية توزيع مساعدات إعادة الإعمار، وتعزيز الحريات العامة، وضمان المشاركة السياسية لكل الأطياف الفلسطينية، علاوة على ذلك، يمكن إطلاق مشاريع وطنية تعزز من الترابط الاجتماعى والاقتصادى بين الفلسطينيين.
وقف إطلاق النار يمنح الفلسطينيين مساحة لإعادة ترتيب الأوراق، لكن إسرائيل لن تتوانى عن استغلال أى ثغرات لتقويض الوحدة.
وتتطلب  إستراتيجية المواجهة  صياغة خطة شاملة لمواجهة التصعيد الإسرائيلى المتوقع، خصوصا فى القدس، وتوظيف الضغط الدولى لعزل إسرائيل سياسيًا، وتعزيز التعاون مع الحلفاء الإقليميين لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
ويمكن لاستخدام الأدوات القانونية الدولية لملاحقة جرائم الاحتلال، أن يكون ركيزة فى إستراتيجية المواجهة.
ويتطلب نجاح الفلسطينيين فى استثمار وقف إطلاق النار بناء مشروع وطنى جامع، يتجاوز التحديات الحالية ويُرسخ الوحدة الوطنية.
وركائز المشروع الوطنى تتمثل فى صياغة رؤية سياسية مشتركة، وتمكين الفئات المهمشة، خصوصا الشباب والمرأة، من المشاركة فى صياغة المستقبل الوطني، وتعزيز التكامل بين الفلسطينيين فى الداخل والخارج، مع ضرورة تطوير إستراتيجيات اقتصادية تدعم صمود الفلسطينيين وتقلل من تبعيتهم الاقتصادية للاحتلال
ويمكن القول: “إن اللحظات الحاسمة فى التاريخ تأتى كشهادات على قدرة الشعوب على النهوض من بين ركام التحديات، وتحويل أزمات الحاضر إلى فرص للمستقبل، حيث إن وقف إطلاق النار ليس مجرد محطة عابرة، بل هو اختبار لإرادة الفلسطينيين فى تجاوز انقساماتهم وتعزيز وحدتهم، من أجل مواجهة الاحتلال بمشروع وطنى متماسك وشامل”.
إن الوحدة الوطنية ليست هدفًا بعيد المنال، بل هى خطوة ممكنة وضرورية إذا ما تحلت القيادة الفلسطينية برؤية إستراتيجية تستند إلى الشراكة والعدالة والشفافية. كما أن تفعيل الدور الشعبى والاستفادة من الزخم الدولى يشكلان أساسًا لتحقيق هذا الهدف.
إن العالم يراقب عن كثب تطورات القضية الفلسطينية، وقد أثبت الفلسطينيون مرارًا، أنهم قادرون على انتزاع حقوقهم إذا ما توحدوا خلف رؤية جامعة.
وفى خضم التحديات الراهنة، يبقى الأمل معقودًا على قدرة الفلسطينيين على تحويل هذه المرحلة إلى نقطة انطلاق نحو بناء مستقبل جديد، حيث تكون الكلمة الأولى والأخيرة للشعب الفلسطينى، الذى أثبت عبر تاريخه أنه لا يرضخ للظلم، وأن صموده هو ركيزة تحقيق النصر واستعادة الحقوق.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: