Close ad

مصر الرقم الأول في «سلام غزة»

29-1-2025 | 02:19
مصر الرقم الأول في ;سلام غزة;قمة القاهرة للسلام
العزب الطيب الطاهر
الأهرام العربي نقلاً عن

مقادير التاريخ والجغرافيا ومحددات الأمن القومى، حتمت - ولاتزال - تعاملا مصريا استثنائيا مع قطاع غزة، بمعنى أنه تعاط مغاير لما تمارسه دول أخرى فى الإقليم، ما وضعها - أى مصر - فى قلب كل ما يتعرض له من أحداث وحروب عدوانية من قبل إسرائيل، وتنظر إليه بحسبانه مسألة مصرية، بقدر ما هو مسألة فلسطينية، بفعل الأهمية الإستراتيجية التى تشكلها الحدود الشرقية للمحروسة، والتى حظيت باهتمام إستراتيجى كبير، انطلاقا من أنها تمثل دائما الدرع الواقية ضد أى أطماع توسعية، وتنطوى فى الآن ذاته على كونها مصدرا رئيسيا لتهديد أمنها، ومن ثم، باتت من بديهيات الأمن القومى المصرى.

موضوعات مقترحة

تجلى ذلك فى التاريخ المعاصر، فى أعقاب حرب الـ 1948، التى فرضت مخرجاتها ضم القطاع إلى إدارة مصر، ومع انبثاق ثورة الثالت والعشرين من يوليو 1952، مارست دورا إيجابيا باتجاه إدخاله منظومة النهوض الإدارى والاقتصادى والاجتماعى، كما تجلى فى التصدى لأطماع الكيان الصهيونى خلال عدوان يونيو 1967، الذى أسفر عن خضوع القطاع لاحتلاله، ما رفع منسوب التهديد للأمن القومى المصرى، لكن انتصار الجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973، خفض من هذا المنسوب، وإن لم يلغه تماما، مستمرا فى وضعية التهديد بدرجات متفاوتة، ومع انسحاب قوات الاحتلال فى العام 2005، من القطاع بقرار أحادى خفت حدة هذا التهديد، فإنه سرعان ما كانت تتسع قاعدته مع شن هذه القوات ست حروب على القطاع، على مدى الفترة من 2008 -2009 إلى 2022، قبل أن تطلق حرب إبادتها المدمرة فى السابع من أكتوبر من العام 2023.
ولأن القيادة المصرية السياسية، أدركت مبكرا مرامى هذه الحرب، التى اتخذت شكلا همجيا وبربريا ووحشيا انتقاما من عملية طوفان الأقصى، التى أطلقتها كتائب عز الدين القسام ونظراؤها من كتائب المقاومة الفلسطينية، وكسرت هيبة إسرائيل عسكريا واستخباراتيا وإستراتيجيا، بادرت من اللحظة الأولى إلى التحرك لوضع خارطة طريق لاحتواء تداعيات هذه الحرب ليس على مصر فحسب، إنما على مجمل الإقليم العربى ومنطقة الشرق الأوسط، وجرى فى اجتماع لمجلس الأمن القومى، عقد بمركز قيادة الدولة الإستراتيجى بالعاصمة الإدارية الجديدة بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مساء اليوم الأول للحرب، تقدير موقف شامل بمشاركة قيادات الدولة، ومؤسساتها المعنية لهذه التداعيات، وكيفية التصدى لها، لاسيما فى ضوء ما توافر من معلومات موثقة عن مخططات جيش الاحتلال للانقضاض على مجمل أراضى القطاع، بما يحمله ذلك من تهديد مباشر لأمن مصر، واستكمال دوائر إشعال حدودها من اتجاهات متعددة ببؤر الصراعات والنزاعات والحروب. فإلى جانب حرب الإبادة على غزة من الشرق، هناك على حدودها الغربية حالة عدم الاستقرار فى ليبيا، غير أن موقف القيادة المصرية الذى اتسم بالصلابة، أوقف مخطط التهديد المباشر، بإعلان خط الجفرة سرت خطا أحمر لا يتعين تجاوزه، ومن ناحية الجنوب ثمة حرب فى السودان مازالت تتواصل.
فى ضوء هذه المعطيات، تقرر أن تتحرك مصر على غير صعيد لإجهاض أهداف هذه المخططات، وتجفيف مصادر التهديد لأمنها، عبر المبادرة بالسعى لوقف الحرب من خلال الانخراط فى عملية وساطة بين إسرائيل وحماس، على غرار الوساطات الناجحة فى الحروب الست السابقة وأفرزت اتفاقيات هدنة بعضها صمد، فيما سرعان ما تعرض بعضها الآخر للانهيار، بفعل العدوانية الكامنة فى عقلية إسرائيل، ونخبها السياسية والعسكرية، وتجلى ذلك بعد مضى 48 يوما على اندلاع الحرب، حيث تمكنت مصر بالتنسيق مع قطر التى دخلت على خط الوساطة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، التى رأت أنه لا يتعين عليها أن تغيب عن المسار السياسى والدبلوماسى، إلى جانب كونها شريكا رئيسيا فى شن حرب الإبادة، من إبرام اتفاق لوقف القتال فى غزة لمدة أربعة أيام بداية من الرابع والعشرين من شهر نوفمبر من العام الماضى، جرى تمديده لمدى يومين إضافيين مع إمكانية، وأسفر عن إطلاق سراح 50 من المحتجزين فى غزة مقابل 150 أسيرًا فلسطينيًا بسجون الاحتلال، بالإضافة إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، أثناء وقف إطلاق النار، وبنهاية 26 نوفمبر، أطلقت حماس سراح 41 من المحتجزين، وأطلقت تل أبيب سراح 78 أسيرًا فلسطينيًا كجزء من الاتفاق.
ولأن رئيس حكومة الاحتلال، لم يكن يرغب فى وقف حرب الإبادة، سعيا لتحقيق أهدافه العليا، المتمثلة فى إطلاق سراح أسرى كيانه بالقوة العسكرية، والقضاء على حركة حماس وغيرها من فصائل الفعل المقاوم، سارع بإصدار الأوامر لجيشه الاحتلالى، ليستأنف عملياته الحربية فى القطاع، باستخدام أنواع الأسلحة برية وجوية وبحرية، دون الاستجابة للنداءات العقلانية بوقف الحرب، ومع ذلك لم يصب القنوط القاهرة فتأهبت لطرح وساطتها مجددا بالتنسيق مع الشريكين الآخرين، وعلى مدى الأشهر التى أعقبت اتفاق نوفمبر، وحتى اتفاق الخامس عشر من يناير، لم تتوقف الحركة المصرية النشطة، والفاعلة إقليميا ودوليا وفى مختلف المحافل، سواء على مستوى دبلوماسية القمة ممثلة فى جهود واتصالات ولقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسى، مع نظرائه من قادة المنطقة والعالم فى القاهرة، وفى العديد من العواصم، أم على مستوى وزارة الخارجية، عندما كان يتولاها الوزير سامح شكرى، المعروف بمهارته المهنية، ثم بعد أن ألقيت مسئولياتها على عاتق الدكتور بدر عبد العاطى قبل بضعة أشهر، أظهر خلالها كفاءة وحيوية وتجددا فى الأداء والحركة.
وأثناء هذه الأشهر استضافت القاهرة عدة جولات تفاوض، وشاركت فى جولات الدوحة، كان آخرها الأسبوع قبل الماضى، فضلا عن جولات بكل من باريس وروما، وأرسلت الوفود إلى تل أبيب وإلى رام الله وإلى عواصم أخرى مؤثرة، واستقبلت وفود حماس وفصائل فلسطينية أخرى، بالإضافة لوفود إسرائيل، سعيا لترتيب أوراق تحرك عملى وناجز يفضى إلى إنهاء الحرب.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما قدمت التصورات والمحددات والمبادرات التى من شأنها، أن تنجز هذا الهدف المحورى بل والإستراتيجى، والمبادرة المهمة على هذا الصعيد، والتى شكلت الأساس لكل المبادرات، التى طرحت على أجندة جولات التفاوض فيما بعد، تقدمت بها مصرفى نهاية ديسمبر من العام الماضى، وأعلنها رسميا رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، وتم تجديد طرحها فى مايو2023، مرتكزة لأول مرة على منهجية المراحل، بالذات على صعيد صفقة تبادل الأسرى، وفى هذا السياق تضمنت ثلاث مراحل على أن يتم تنفيذ مجموعة من الخطوات فى كل مرحلة، بما يشمل وقف القتال، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات، وصولاً إلى البدء فى إعادة الإعمار، وهو ما يمكن رصده بوضوح فى صياغة اتفاق وقف النار وصفقة تبادل الأسرى الأخير، وحظيت هذه المبادرة بموافقة حركة حماس، بينما شارك ممثلو الأجهزة الأمنية لحكومة الاحتلال، فى سلسلة من جولات التفاوض بشأنها، بيد أنه فى اللحظة الأخيرة استسلموا لعراقيل، أو بالأخرى مرواغات رئيسها – أى بنيامين نتنياهو – بعد أن أوشكوا على القبول بمعظم بنودها.
إلى جانب ذلك، فإن المبادرة التى أعلن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بايدن نهاية مايو من العام الماضى، استندت بالأساس إلى الصياغات المصرية القائمة على المراحل الثلاث، وإن حاول- أى بايدن- أن ينسبها إلى نتنياهو، غير أن الأخير سرعان ما تنصل منها عقب أن أبدى موافقة مبدئية فور الإعلان عنها، من خلال قيامه بإدخال بعض التعديلات ما دفع حماس إلى رفضها، الأمر الذى أدى إلى إهدار عام كامل تقريبا من ماراثون تفاوضى، دون ثمار حقيقية تقود إلى وقف الحرب، وبالتالى التوافق على صفقة لتبادل الأسرى. 
والمتأمل للبنود والمراحل للاتفاق الأخير، لن يرصد اتساع تباين مع الصياغة المصرية التى مضى عليها أكثر من عام، إلا فى بعض التفاصيل التقنية المتعلقة بالأرقام والإحداثيات المتعلقة بجثث الموتى من المحتجزين بغزة، بعد مضى ما يقرب 16 شهرا من حرب الإبادة، فقد نصت على إنجاز صفقة التبادل فى 3 مراحل، مدة الأولى 40 يومًا، والثانية 42 يومًا، والثالثة 42 يوماً، وتشمل المرحلة الأولى، الوقف المؤقت للعمليات العسكرية بين الطرفين، وانسحاب قوات الاحتلال شرقاً وبعيداً عن المناطق المكتظة بالسكان، إلى منطقة قريبة من الحدود فى جميع مناطق قطاع غزة، ما عدا وادى غزة، وإعادة النازحين إلى شمال القطاع فى اليوم السابع من سريان الاتفاق، وعقب إطلاق سراح جميع النساء الإسرائيليات، بعد أن تنسحب قوات الاحتلال من شارع الرشيد شرقاً بمحاذاة شارع صلاح الدين، بشكل يسهل دخول المساعدات الإنسانية، ويسمح بالبدء فى عودة النازحين المدنيين غير المسلحين، إلى مناطق سكنهم، وحرية السكان المدنيين فى الحركة فى جميع مناطق القطاع. 
وبشأن تبادل الأسرى فى المرحلة الأولى، فإن المقترح المصرى آنذاك، نص على أن تطلق حماس سراح 33 محتجزا، بما يشمل جميع المحتجزين الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة، من نساء مدنيات ومجندات، وأطفال دون سن الـ19 عاما، وكبار السن فوق سن الـ50 عاما، والمرضى والجرحى، فى المقابل تطلق حكومة الاحتلال سراح 20 من الأطفال والنساء الفلسطينيين مقابل كل محتجز إسرائيلى، بناء على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالاً، و20 أسيراً من كبار السن، بشرط ألا يزيد المتبقى من عقوباتهم على 10 سنوات.
كما نص المقترح كذلك، على أن تطلق حماس سراح جميع المجندات الإسرائيليات اللواتى على قيد الحياة، واللواتى كن فى خدمة عسكرية فعلية فى 7 أكتوبر، على أن تفرج إسرائيل عن 40 أسيرا فلسطينيا مقابل كل مجندة، بينهم 20 منذ أحكام بالسجن المؤبد، و20 لا يزيد المتبقى من عقوباتهم على 10 سنوات، بناءً على قوائم تقدمها حماس، مع حق تل أبيب، فى رفض ما لا يزيد على 200 اسم، وحقها فى أن تبعد الأسرى المحكوم عليهم بالسجن المؤبد إلى خارج البلاد، أو إلى قطاع غزة وليس الضفة الغربية، وإن كان ثمة تعديل فى الأرقام والإحداثيات المتعلقة بالموتى من المحتجزين لدى المقاومة. 
ولا تؤشرهذه المعطيات، إلى أن مصر تنسب كل الجهود لها فقط،، لكنها كانت تؤكد دوما على التنسيق مع قطر، وذلك عبر اللقاءات المتعددة بين الدوائر المعنية بالمفاوضات، والتشاور الدائم بين قياديى البلدين ووزارتى الخارجية، والمشاركة معا فى كل جولات التفاوض وفق رؤية مشتركة، تقوم على مساعدة الفلسطينيين فى الخروج من مستنقع الدم الذى حفره عدوان جيش الاحتلال فى غزة، ثم التنسيق الذى لم ينقطع مع الولايات المتحدة، عبر زيارات متعددة لوزير خارجيتها أنتونى بلينكن، وغيره من كبار المسئولين، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات وليم بيرنز، والأهم الاتصالات الهاتفية بين الرئيس عبد الفتاح السيسى، والرئيس الأمريكى جو بايدن، وكان آخرها مساء الثلاثاء قبل الماضى، قبل يوم من الإعلان عن اتفاق الخامس عشرمن يناير، والذى أعرب فيه بايدن عن شكره للرئيس السيسى على قيادته، مشيدًا بدور مصر الوسيط طوال العملية التفاوضية، لافتا النظر - حسب بيان البيت الأبيض - أن الاتفاق الأخير لم يكن ليتحقق لولا الدور الجوهرى والتاريخى، الذى تضطلع به مصر فى الشرق الأوسط، والتزامها بالدبلوماسية لحل النزاعات”، مضيفا: أن الزعيمين بايدن والسيسى، أكدا الحاجة الملحة لتنفيذ صفقة لإغاثة شعب غزة على الفور، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية عقب وقف إطلاق النار. 
والمؤكد، أن ثمة عوامل أفضت إلى تفرد مصر فى ملف الوساطة الذى أثمر - إلى جانب جهود قطر والولايات المتحدة – هذا الاتفاق الذى دخل حيز التطبيق فى الساعة الثامنة والنصف، من صباح الأحد الماضى بتوقيت القدس المحتلة - فى صدارتها، أن القاهرة عملت جاهدة دون كلل أو ملل وبصبر وحكمة، طوال 15 شهرا، على تذليل كل العقبات، وممارسة أقصى ضغوط ممكنة على جميع الأطراف، بالتنسيق مع الوسطاء فى قطر والولايات المتحدة، لإنجاز المهام والوصول إلى وقف إطلاق النار، وحقن دماء الفلسطينيين، وهو ما هيأها – وفقا لمنظور الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، فى حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط - لاكتساب القدرة الواقعية المتفردة فى الوصول إلى كلمة النهاية، لاسيما أنها تتولى منذ سنوات طويلة ملف الوساطة بين حكومة الاحتلال، ومختلف الفصائل الفلسطينية، ما وفر لديها الخبرة الكافية فى التعامل مع تلك المفاوضات، والحصول على الضمانات، لإتمام وإنجاز الهدنة، فضلا عن ذلك، فإن مصر تعد وسيطاً يحظى بثقة واحترام جميع الأطراف الدولية والإقليمية، خصوصا لكونها تعمل من أجل خير أمتها، ونصرة شعب فلسطين المظلوم، وإحلال الأمن والسلام بمحيطها.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مصر، خرجت رابحة من الاتفاق الأخير، محققة ما تمسكت به خلال المفاوضات المضنية التى كان يقوم بتوجيهها نتنياهو عن بعد نيابة عن إسرائيل، سعيا لتحقيق مآربه الشخصية وتمثل أهم مكاسبها، فى إفشال ما كان يروج له رئيس حكومة الاحتلال مرارا وتكرارا، بشأن بقاء جيشه الاحتلالى فى محور صلاح الدين المعروف إعلاميا بمحور فيلادلفيا، منذ أن استولى عليه فى مايو من العام الماضى، بزعم أنه يستغل لتمرير أسلحة ومعدات عسكرية لحركة حماس، من خلال رفض مفاوضيها المطلق لطروحاته ومزاعمه معتمدين على الثبات، وإبداء الصلابة فى مواجهة التعنت من قبل المفاوض الإسرائيلى، الذى يعتمد على منهجية الاستغراق فى التفاصيل لتشتيت ذهن ومتابعة المفاوض المصرى، الذى بات على دراية تامة بسيناريوهات ومرامى هذه المنهجية.
ومن ثم جاء الاتفاق بعد جولات عدة، كان هذا البند يشكل أحد عناصر التعطيل والعرقلة بفعل تعنت الطرف الآخر، لينص على تخفيض قوات الاحتلال تدريجيا فى منطقة المحورعلى مدى زمنى يبلغ 50 يوما، مجسدا بذلك نجاح الإرادة المصرية، فى دفع نتنياهو للتجاوب مع موقف القاهرة المبدئى، برفض بقاء قوات الاحتلال فى المحور، والقائم على التمسك بمحددات اتفاقية السلام مع إسرائيل الموقعة فى العام 1979، والتى لم تنص على وجود هذه القوات فيه، إنما نصت على أن يكون منطقة عازلة بين حدودى الطرفين، وثمة انتقاد فى هذا السياق من قبل السفير الأمريكى فى تل أبيب "جاك لو"، الذى أنهى فترة عمله بالتزامن مع بدء ولاية ترامب فى البيت الأبيض، لتركيز رئيس حكومة الاحتلال على هذا المحور خلال جولات التفاوض فى الأشهرالأخيرة، والذى لم يسهم فى تقدم التوافق على بنوداتفاق وقف إطلاق النار، وحال دون الاهتمام على قضايا جوهرية، كان من الممكن معالجتها سريعا، حسب تصريحه لصحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام، والشاهد أن نتنياهو ظل يتمسك بالبقاء فى المحور فى تصريحاته عقب الإعلان عن اتفاق غزة، ربما لإسكات أصوات وزراء اليمين المتطرف الرافضين لصفقة الأسرى، ولكنه من دون شك سيأمر بسحب قواته منه بعد مضى الفترة الـ 50 يوما المحددة. والمكسب الآخر لمصر، تجلى فى إبعاد الاحتلال الاسرائيلى عن الجانب الفلسطينى من معبر رفح.
غير أن المكسب الإستراتيجى، الذى خرجت به المحروسة من معركتها الدبلوماسية الملتهبة مع تل أبيب، على مدى أشهر حرب الإبادة، نجاحها فى إفشال مخطط التهجير القسرى لسكان قطاع غزة إلى سيناء، والذى تم إعداده فى الأسبوع الأول من هذه الحرب، من قبل مجموعة عمل داخل جهاز الاستخبارات بإسرائيل، طارحة عدة بدائل فى هذا الشأن، وحظى بديل التهجير إلى شبه الجزيرة المصرية، بتصدره على جميع البدائل الأخرى، ولم يتوقف الأمر عند هذا المخطط فحسب، وطبقا لوكالة “نوفوستى” الروسية، فإن حكومة الاحتلال ذاتها، أعدت خططا مع اندلاع حرب الإبادة، لتوطين عدد كبير من الفلسطينيين من قطاع غزة فى مصر، بذريعة ضمان سلامتهم، خلال المرحلة النشطة من العملية العسكرية وإعادة إعمار القطاع عقب انتهاء الصراع، متضمنة تقديم إغراءات للقاهرة للقبول بهذه الخطط، على رأسها التزام الولايات المتحدة بدفع تكاليف بناء وتشغيل مخيمات اللاجئين، وتقديم حزمة كبيرة من المساعدات المالية إليها، واللافت للنظر أن نتنياهو أعلن فى جلسة سرية مع حزب الليكود، الذى يتزعمه فى التاسع والعشرين من شهر ديسمبر من العام الماضى، أنه يدفع باتجاه هجرة طوعية لسكان غزة إلى بلدان أخرى، وأن “العمل جار لإيجاد دول تستوعب سكان غزة كلاجئين”.. هكذا كانت تصورات أعلى مستويات السلطة فى إسرائيل، بالتزامن مع مخطط يمكن تشبيهه بالخلية النائمة، لتهجير سكان الضفة الغربية والقدس إلى الأردن، والتى ينظر إليها باعتبارها الوطن البديل للفلسطينيين من قبل نخب الاحتلال، بالذات المنتمية لليمين المتطرف صاحب السطوة والنفوذ فى مجتمع إسرائيل. 
غير أن الدولة المصرية بقيادتها ومؤسساتها المعنية، بإدارة الصراع مع هذا إسرائيل، نجحت فى كشف الخيوط الأولى لهذه المخططات، والأهم التصدى لوأدها فى مهدها، واعتبارها تجاوزا لخطوط حمراء لن تسمح بتمريرها، من خلال امتلاك العديد من الأدوات بعضها معلن عبر المسارات السياسية والدبلوماسية، فيما قبع البعض الآخر فى دائرة المسكوت عنه، وكانت أول خطوة على هذا الصعيد مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بالدعوة لعقد قمة القاهرة للسلام فى الحادى والعشرين من أكتوبر من العام 2023، أى بعد أسبوعين من بدء حرب الإبادة، وتمكنت مصر من خلاله فى توفير حشد دولى كبير مناوئ لهذه المخططات، على نحو ما جاء فى كلمات أكثر من 30 زعيما ومسئولا دوليا، كانت فكرة رفض تهجير الفلسطينيين حاضرة بقوة فيها، وهو ما جسدته مخرجات القمة فى الإجماع العربى والدولى، برفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وتصفية القضية الفلسطينية، حسب رغبة وشراهة نتنياهو ونخبه السياسية والعسكرية.
وكما كان الرئيس السيسى، واضحا فى كلمته أمام المؤتمر، عبر تأكيده أن “العالم يجب ألا يقبل استخدام الضغط الإنسانى للإجبار على التهجير، وأن مصر ترفض تماما خيار التهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء”.
ونجحت مصر، إلى جانب ذلك، فى صياغة خارطة طريق على الصعيدين الإقليمى والدولى، تعيد القضية الفلسطينية للمسار السياسى، بديلا قانونيا عن مخطط التهجير، تستهدف فى إحدى مراحلها بدء مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لإقرار حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التى تعيش جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولى، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية.
وتمكنت مصر فى سياق تصديها لخيار التهجير، من بناء اصطفاف عربى - إسلامى مؤيد لموقفها، ومتفهم لمحدداتها للحفاظ على الأمن القومى، أثناء القمة الإسلامية العربية المشتركة الأولى، التى عقدت فى الرياض فى الحادى عشر من نوفمبر من العام الماضى، مجسدة بقوة الرفض المطلق لسياسة تهجير الفلسطينيين من غزة، باعتبار التهجير “خط أحمر”، وهو ما تجلى فى قرارها الذى أدان تهجير نحو مليون ونصف المليون فلسطينى، من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، باعتبار ذلك جريمة حرب وفق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، وملحقها للعام 1977، فضلا عن الرفض الكامل والمطلق، والتصدى الجماعى إلى أية محاولات للنقل الجبرى الفردى أو الجماعى أو التهجير القسرى أو النفى أو الترحيل للشعب الفلسطينى، سواء داخل قطاع غزة أم الضفة الغربية، بما فى ذلك أيا كانت، باعتبار ذلك خط القدس، أو خارج أراضيه لى وجهة أخرى خطا أحمر وجريمة حرب.
ولم يترك الرئيس السيسى أى مناسبة، أو لقاء مع زعماء عربا أم أجانب، دون أن يشدد مراراً على أن مصر لم ولن، تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، مؤكداً أن مصر أيضا لن تتهاون فى حماية أمنها القومى.
وتزامن ذلك مع تنسيق مصرى - أردنى، عبر عقد سلسلة من لقاءات القمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى، والعاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى فى القاهرة وعمان، أو على هامش القمم العربية للتأكيد على مسار رفض التهجير القسرى للفلسطينيين، إلى كل من مصر والأردن وبات التصريح بذلك عنوانا دائما للخطاب السياسى، والدبلوماسى لمسئولى البلدين على مختلف المستويات، فيما اضطلعت وزارة الخارجية المصرية بعب كبير للتصدى للمخططات الإسرائيلية، عبر التحرك الإقليمى والعالمى المحمل بالرؤى المنطقية، والعقلانية الرافضة لهذا التهجير، وأهمية الحفاظ على الأمن القومى المصرى.
واصطف الشعب المصرى خلف قيادته، عبر مسيرات تضامنية خرجت لتبعث برسالة استياء ورفض شديد لتهجير الشعب الفلسطينى عن أراضيه وتوسيع دائرة الحرب، ما أفضى إلى تقوية الموقف الرسمى فى الوقوف حائط صد، أمام مؤامرة التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: