Close ad

ترامب "صانع السلام" يبدأ مشواره "بصفقة مسمومة"

29-1-2025 | 13:37

هل السلام يعني تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وإعطاء الضفة الغربية وغزة بعد القدس والجولان لإسرائيل؟ أي سلام هذا؟! ومن يجرؤ على التورط في مثل هذه الصفقة.

لقد غاب عن صناع الصفقات المسمومة أن الشرق الأوسط يغلي، وتحت السطح غير الهادئ موجات هائلة من الغضب من واشنطن والغرب الذي تورط في الإبادة الجماعية، والفوضى غير الخلاقة والحروب التي لا تنتهي، والآن صفقات مسمومة، بالإضافة إلى حجم المعاناة والحروب. 

وبالرغم من أن الأحداث الأخيرة بالمنطقة تغري بأن "الوقت حان" لفرض حلول بائسة، وصفقات مسمومة؛ من عينة تطهير غزة وترحيل سكانها للدول العربية، فإن أي نظرة واقعية تقول إن هذه "وصفات انتحار"، والمثير للحزن والمرارة أن ذلك كله لن يحقق لا سلام ولا استقرار، ولن يوقف مشروعات الشرق الأوسط الجديد، ولا الفوضى الخلاقة، ولا إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وسارعت مصر والأردن والبرلمان العربي والسلطة الفلسطينية وحماس لرفض الصفقة المسمومة.

وأغلب الظن أن الدول العربية بجانب الرفض سوف تتحرك بصورة مختلفة، ولابد أن يتم الدعوة لقمة عربية وإسلامية عاجلة لتقول "لا" بصورة واضحة للصفقات المشبوهة، ووقف قطار التطبيع، بل ووقفة حازمة مع الولايات المتحدة.

وأحسب أن الرسالة العربية لابد أن تكون جماعية، وخلاصتها أن العرب لهم مصالح، وحياة العرب "مهمة"، ولقد حان الوقت لتفكر إدارة ترامب بجدية وعمق في صنع السلام.

والرئيس الذي يقول إنه يرغب في إنهاء الحروب، وصنع السلام، فقد المنطق، واختار البداية الأسوأ بحديثه عن خطة لـ"تطهير" غزة، عبر ممارسة ضغوطات على مصر والأردن ودول عربية أخرى لاستقبال سكانها.

وبينما رحب وزير إسرائيلي بما طرحه ترامب، فقد سارعت القاهرة وعمان في رفض تهجير الفلسطينيين، والتأكيد أنها ليس لديها أي استعداد للتعاون مع أي خطط لإجبار أهالي غزة على الانتقال إلى الأراضي المصرية أو الأردنية.

ولقد سبقت القاهرة تصريحات ترامب، من خلال تصريحات مهمة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبل أيام قليلة، وتحديدًا خلال كلمته بمناسبة الاحتفال بذكرى عيد الشرطة المصرية، وكان الرئيس السيسي، قد قال إن العالم بشكل عام، ومنطقتنا بشكل خاص، في صراعات وتحديات غير مسبوقة، تعصف بدول وتدمر مقدرات شعوبها.

وأكد السيسي، خلال كلمته: ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى؛ ثم بالجهود الدؤوبة التي تبذلها القوات المسلحة والشرطة، ستظل بلادنا بمأمن من تلك الاضطرابات، بل إن مصر أصبحت، كما كانت على مر العصور، واحةً للأمان والسلام في المنطقة، فقد اختارها الملايين من أصحاب الجنسيات الأخرى، ملاذًا آمنًا لهم.

وأكد أنه بحكم مسئوليتها التاريخية، ووضعها الإقليمي والتزاماتها الدولية، تسعى مصر بكل طاقاتها وجهودها المخلصة، إلى نبذ العنف والسعي نحو السلام، ويعتبر اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، شاهدًا حيًا على هذه الجهود الدؤوبة، والمساعي المستمرة التي تبذلها مصر إلى جانب شركائها في هذا الشأن، وسندفع بمنتهى القوة في تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل، سعيًا لحقن دماء الأشقاء الفلسطينيين، وإعادة الخدمات إلى القطاع ليصبح قابلًا للحياة، ومنع أي محاولات للتهجير، بسبب هذه الظروف الصعبة؛ لأنه الأمر الذي ترفضه مصر بشكل قاطع، حفاظًا على وجود القضية الفلسطينية ذاتها.

وقد طرح ترامب، خطة لـ"تطهير" غزة، وقال إنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وأشار إلى أنه يضغط في هذا الاتجاه على دول عربية أخرى لـ "زيادة عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يستقبلونهم من قطاع غزة".

ومن جهته قال وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إن اقتراح نقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر "فكرة رائعة". 

ويرى ترامب أن المنطقة التي تشمل غزة شهدت "العديد من الصراعات" على مرّ القرون، وأن إعادة توطين الفلسطينيين من سكان غزة "يمكن أن تكون مؤقتة أو طويلة الأمد"، وأضاف ترامب أنه "يجب أن يحدث شيء ما، لكنها- أي غزة- فعليًا موقع مهدم الآن، تم تدمير كل شيء تقريبًا، والناس يموتون هناك"، وتابع: "لذا، أود أن أتعاون مع بعض الدول العربية، وأبني مساكن في مكان آخر؛ حيث يمكنهم ربما العيش في سلام لفترة".

وفي أولى ردود الفعل الفلسطينية أدانت "حركة الجهاد الإسلامي" مقترح الرئيس ترامب نقل سكان من قطاع غزة إلى الأردن ومصر، واعتبرت أن ذلك يشجع على ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". 

ومن جهته، توعّد قيادي في حركة حماس الأحد بـ"إفشال" فكرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال عضو المكتب السياسي لحماس باسم نعيم لوكالة فرانس برس إن "شعبنا كما أفشل على مدار عقود كل خطط التهجير والوطن البديل سيُفشِل كذلك مثل هذه المشاريع".

ومن ناحية أخري، وفي خطوة جديدة بائسة، قال ترامب إنه أنهى الحظر الذي فرضه سلفه جو بايدن على إرسال قنابل زنة ألفي رطل إلى إسرائيل، وشكل هذا الحظر نقطة ضغط من قبل الإدارة السابقة حسب قولها، بهدف تقليل الخسائر في الأرواح بين المدنيين خلال الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة، والتي توقفت حاليًا بفضل وقف إطلاق نار هش.

وقال ترامب: "لقد أفرجنا عنها اليوم"، في إشارة إلى القنابل، لقد كانوا ينتظرونها منذ فترة طويلة". وعندما سُئل عن سبب رفع الحظر على هذه القنابل، ردّ قائلا: "لأنهم اشتروها".

ويمكن لقنبلة تزن ألفي رطل اختراق طبقات سميكة من الخرسانة والمعادن؛ مما يخلف انفجارًا بنصف قطر واسع، وذكرت وكالة رويترز العام الماضي أن إدارة بايدن أرسلت آلاف القنابل بوزن ألفي رطل إلى إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023؛ والذي نفذته حركة حماس على إسرائيل، لكنها جمدت شحنة واحدة.

ويبقى أن اللحظات الحاسمة تثبت أن مصر دولة قوية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وتجلت قوة مصر في التصريحات الأخيرة للرئيس السيسي، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن مصر قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، مشددًا على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومواصلة مسيرة التنمية. 

وقد أظهرت تصريحاته قدرة فائقة على قراءة المشهد الإقليمي والدولي، وكان دائمًا يؤكد أن الحفاظ على مصر كدولة قوية هو أولوية.

ومن المؤكد أن الموقف المصري الذي تصدى لعملية التهجير خلال ذروة العدوان الهمجي على غزة لن يقبل الآن بتصفية القضية الفلسطينية تحت أي ضغوط أو إغراءات.

وفي الوقت نفسه أحسب أن الأردن سيقاتل بقوة؛ لأن ذلك تهديد وجودي، ولو تم قبوله سيفجر حربًا أهلية، كما أن السعودية أعلنت بقوة أن حل الدولتين شرط أساسي لإحلال السلام أو الدخول في الاتفاقيات المسماة "اتفاقات أبراهام"، ألا أن السؤال الأخطر هنا هو هل هذه الصفقات تسهم في دعم معسكر السلام أم تدفع الرأي العام العربي نحو تبني خيارات الحرب، والعداء لأمريكا والغرب. 

ويكفي للدلالة هنا أن حماس، رغم كل المأساة التي شاركت فيها وتسببت بها في غزة، فإنها تكتسب مزيدًا من التأييد في الضفة الغربية، وتجسد السلطة الفلسطينية ومحمود عباس عراب أوسلو أنفسهما في موقف لا يحسدان عليه،  ورغم خسائر محور المقاومة، فإن محور "الحلول السلمية" لم يكسب، بل يواجه مأزقًا خطيرًا، وصعوبة بالغة في الإجابة عن السؤال الخطير: ماذا حققت مسيرة السلام؟! وأين عوائد السلام؟! ومتى تقام الدولة الفلسطينية؟! وهل تريد إسرائيل السلام أم "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات؟! وهل تتحمل المنطقة وأوروبا والعالم "حالة اللاسلام"؟! وهل حان الوقت لوقفة صارمة مع الصديق الأمريكي؟!

وأغلب الظن أن العالم العربي عليه أن يتحد أكثر، وأن يرفع النظام الرسمي العربي صوته بالغضب؛ لأنه بات مهددًا، وهناك الكثير مما سوف يخسره لو ظل سلبيًا، ولابد من المصالحات العربية، والحلول العربية، وبناء تحالف دولي عريض، والتحرك بقوة في الساحة الأوروبية، ونقل رسالة بسيطة: "الصفقات المسمومة سوف تفجر براكين الغضب، وبدورها ستفجر الفوضى، وهذه الفوضى حتما ستنتقل لأوروبا أولا لتعبث بها بقسوة قبل الآخرين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة