قوافل التمر والشعير في واحة الغروب.. رحلة الشتاء والصيف بين سيوة ومطروح| صور

27-1-2025 | 01:54
قوافل التمر والشعير في واحة الغروب رحلة الشتاء والصيف بين سيوة ومطروح| صور قوافل التمر والشعير بين سيوة ومطروح

يعتمد عرب مطروح على التمر القادم من واحة سيوة، حيث تذهب القوافل التجارية لإحضار التمر الذي يخزن على مدار العام، فلكل قبيلة قوافلها الخاصة من الإبل، حيث تسير كل قافلة في طريق خاص وفي وقت محدد ومعلوم.

موضوعات مقترحة

في مقابل الحصول على التمر وزيت الزيتون، كان البدو يحملون إلى أهل الواحة الشعير والقمح والسمن واللحوم والكشك المصنوع من الدقيق واللبن.


قوافل التمر والشعير بين سيوة ومطروح
                  

نظام الصداقة 

هناك نظام إجتماعي توارثه العرب مع أهل الواحة يسمى بـ "الصداقة"، ربما اقتبس عرب مطروح وأهل سيوة هذا النظام من "إيلاف قريشط وتنظيم رحلة الشتاء والصيف الذي أوجده هاشم بن عبد مناف ـ جد الرسول صلى الله عليه وسلم ـ، وعلى الرغم من التغيرات التي حدثت على امتداد الزمان، لكن بقيت تلك الروابط الاجتماعية حتى الآن، حيث يظل الصديق موجوداً من عام إلى عام ومن جيل إلى جيل، حيث تنتقل الصداقة من الأب إلى الابن إلى الحفيد.

في بداية دراستى لتاريخ شالى وإعداد التقرير العلمى عن القرية القديمة، أزعجنى جدًا ما أوردته بعض المصادر عن سبب بنائها ومنها ما ورد في كتاب د. أحمد فخرى
(واحة أمون) وهو حماية أهلها من غارات البدو، وحاولت مرارًا عدم ذكر ذلك في تقريرى وتجاهله؛ لأننى من أبناء البادية (المفتري عليهم)، ولكن الأمانة العلمية جعلتنى أتجاهل إنتمائى واتجرد منه، إلى أن ظهرت بعض كتابات الرحالة والمستشرقين التى تناولت طبيعة العلاقة بين البدو (أهل الساحل) وأهل سيوة من الأمازيغ، 
تلك العلاقة التى سبقت بكثير مشاركة البدو مع "حسن بك الشماشرجى" حاكمدار مديرية البحيرة آنذاك  في حملته الشهيرة عام 1820م؛ لإخضاع الواحة لحكم الإدارة المركزية بالقاهرة بأوامر من محمد علي باشا، وكان معظم الجيش من أهل الصحراء الغربية من أهل البادية؛ لأن محمد علي باشا كان يستعين بهم في ضبط أمور الصحراء الغربية كما أورد ذلك.

أما "الجبرتى" في تاريخه فقد تحدث عن اضطرابات القبائل، واستعانة محمد علي باشا بأولاد علي في السيطرة علي الهنادى وإخضاعهم للدولة المصرية . 

إخضاع سيوة لحكم محمد علي باشا 

كان محمد علي باشا يعمل للحفاظ على الأمن القومى المصرى، ويقوم بحفظ الأمن على الحدود؛ من أجل الاستقرار في الحكم، فكان يتأهل لفتح السودان، فرأى من الأهمية بمكان أن يقوم بتأمين حدوده الغربية حيث "واحة سيوة" بالصحراء الغربية التي كانت بذلك الوقت لا تخضع للحكم النظامي المصرى الرسمى، وبما كانت تعانيه الواحة من اضطرابات بين الأهالى والفوضى التي كانت هناك؛ فتم إرسال ما يسمى بـ"تجريدة سيوة"، عبر قوة صغيرة قوامها أربعمائة جندي بقيادة حسن بك الشماشرجي"، الذي خرج بجيشه الصغير في جمادي الأولى عام ١٢٣٥هـ/ الموافق فبراير عام ۱۸۲۰م.

ولما وصلوا ورأهم السيويون أطلقوا مياه العيون فضربت نطاقاً حول شالي، ولكنهم كانوا آنذاك جسداً بلا روح فليس لهم كبيرًا يتجمعون ويحاربون حول إمارته؛ لذا سرعان ما أتجه التفكير لإيجاد هذا الزعيم؛ لكي يقوم منهم مقام الرأس من الجسد، فالتقوا جميعاً حول الحاج "محمود سعيد" كبير عائلة الظناين، ونصبوه أميراً عليهم لكي يقاتلوا في ظله.

وهنا يقول "الحاج الطيب مسلم" نقلاً عن عمه "الشيخ عمر مسلم": إن" حسن بك الشماشرجي" رأي أن جنوده قلائل قياساً بتعداد الواحة، فكان لزاماً عليه تعزيز قوته حتي جعلها ١٤٠٠ جنديًا نظاميًا و ٤٠٠ فارسًا من عرب ( أولاد على) من مديرية البحيرة آنذاك، تحت أمرة "أبي نجيلة" أحد مشايخ العربان (أولاد على)، مدججين بالأسلحة والمدافع، وعندها استسلم أهالي الواحة خوفاً من فرسانه من الهلاك، نفذ إليهم أبو نجيلة بنفر من فرسانه ووقف خطيباً وأفهمهم أن الحكومة المصرية لا تريد بهم سوءاً وإنما ترمي إلى خير فليخرجوا آمنين، فخضعت الواحة له ولحاميته بعد معارك. 

أصبحت سيوة تحت السيطرة المصرية الرسمية، وأسس حسن بك الشماشرجي  في"سيوة" ولاية مصرية بعد ما فرض عليها الخراج، ونصّب عليها حاكماً لها هو "علي بالي". 


الحاج إبراهيم موسى وشقيقه عابد من تجار قوافل التمر والشعير

قوافل التمر والشعير على طريق الإسكندر 

كانت هذه المقدمة التاريخية ضرورية لبيان تاريخ قوافل التمر والشعير عبر واحة الغروب، وهنا ألتمس طرفًا مما حكاه الوالد إبراهيم موسى العشيبي(1918ـ1997م) والعم عابد ـرحمهما الله ـ  وكان من التجار الذين تولوا مهمة جلب التمر من الواحة إلى مرسي مطروح، كان الوالد يمتلك ثلاثة نوق في بداية عمله، وقد كسبها من جهده الخالص، وليست ميراثا له من والده، فقد وكان جده عمران بو كيلانى يشجعه علي التجارة، بل ويمده بالمال أحيانًا علي سبيل الإقراض فكبرت تجارته، وكان له صديق في سيوة هو الحاج كيلانى، وكان له بمثابة أخ له في الواحة، يقيم عنده إذا ذهب للواحة، وبالمثل تكون إقامة الحاج كيلانى بالقصر إذا نزل مطروح. 

وذات مرة حدثت مع قافلة والدى والتى كانت تبلغ الواحة بعد مسيرة أسبوع في طريق درب المحصحص (طريق القوافل القديم الرابط بين مطروح وسيوة)، والذى سلكه الإسكندر في رحلته الشهيرة للواحة 332 ق.م، وبعد أن وصلت القافلة بأمان الله للواحة وقام العمال بإنزال ما عليها من بضاعة من شعير وحنطة لمقايضتها بالتمر وذهب والدى لصديقه الحاج كيلانى عاهدًا بسلامة القافلة ونوقه لأحد معاونيه في حرم مسجد سيوة الكبير حيث كان سوق التمر (المسطاح) مكان ضريح سيدى سليمان حاليا، وفوجئ والدى عند عودته لهم في الصباح بنفوق إحدى النوق بعد أن ألتف حول رقبتها الرسن (الحبل الذى تربط به)، فلما سأل معاونه كيف ماتت؟، وأين كنتم؟،
أرتبك معاونه في الإجابة فقال والدى: "ما ماتت الناقة إلا لذنب وقعت فيه أنت ومن معك".


قوافل التمر والشعير بين سيوة ومطروح

أسواق التمور في كتابات الرحالة

وقد تحدث العديد من الرحالة المصريين والأجانب عن أسواق التمور وقوافلها في واحة سيوة، وعلى رأس هؤلاء الرحالة والمغامر المصري أحمد حسنين باشا (أصبح رئيسًا للديوان الملكي في عهد الملك فاروق)، يقول حسنين باشا في كتابه "الواحات المفقودة"، :"تُكدَّس أكوام البلح في سوق خاصة، يُطلق عليها (مسطاح)، وهذه الأكوام مقُسمة حسب أنواع البلح وجودتها، ولا يقوم بحراستها أحد، والأيدي الغريبة لا تمتد إليها ولا تخلطها بقصد الانتفاع، على أن لكل إنسان أن يدخل هذه السوق وينال كفايته من أجود أنواع البلح، بدون أن يدفع مليمًا واحدًا، ولكنه ليس في حِلٍّ من أن يحمل معه شيئًا. وعلي مقربة من السوق، يوجد مقام لأحد الأولياء يُودع الناس حوله أشياءهم ليأمنوا عليها، فإذا فكر أحد في السفر، أخذ متاعه الثمين وتركه بالقرب من هذا المقام، فلا تمتد إليه يد إنسان".

ويواصل أحمد حسنين وصفه لأسواق التمور في سيوة:"هناك ثلاثة أسواق للتمور في الواحة، وهي عبارة عن مربعات كبيرة محاطة بأسوار، حيث يتوفر لكل تاجر أو عائلة مساحة لنشر التمور، وأحد الأسواق الثلاثة متاح للجميع والآخران ينتميان إلى الشرق والغرب على التوالي، وعند مدخل كل سوق توجد غرفة صغيرة يعيش بها الحارس، وعند تأهبي لمواصلة رحلتي تضاعف عدد رفاقي.. فقد أضفت من السلوم إلى (عبدالله و أحمد) رجلًا من قبيلة (المنفى) اسمه (حمد).. وكان أشد رجال القافلة إقبالًا على العمل، وأصبرهم على التعب، فلا أذكر أني رأيته مرة متعبًا، وكان مشغوفًا بالجمال خبيرًا بأحوالها وشئونها، أما رابع الرجال فكان (إسماعيل) وهو شاب من سيوة يظهر عليه الضعف ولكنه كان آخر مَنْ يتعب من السير ويمتطي ناقة، وقد عهدت إليه بالجواد الذي حصلت عليه في (جالو)". 


قوافل التمر والشعير بين سيوة ومطروح

أما الحاكم الإداري الإنجليزي لواحة سيوة تشارلز بليجريف، فقد أورد ما نصه:"يتم تنظيم وإدارة الصحراء الغربية (مطروح) عن طريق إدارة المناطق الحدودية (فيلق الهجانة)، وهي إدارة جديدة نسبيًا تابعة للحكومة المصرية، والتي تشكلت أثناء الحرب وتولت العديد من مهام إدارة خفر السواحل المصرية القديمة، وهي مسؤولة عن الصحراء الغربية وسيناء والبلاد الواقعة بين ساحل البحر الأحمر ونهر النيل، ويوجد في كل من هذه المحافظات حاكم وعدة ضباط مناطق وضباط من سلاح الهجانة،  ومحافظ الصحراء الغربية حاليًا هو العقيد إم. إس. ماكدونيل".

ثم يصف بليجريف الطريق إلى واحة سيوة قائلاً:" إننا نسير على ما يسمى (المسرب)، وهو طريق صحراوي يتألف من منحدر ضيق، وقد تآكل بفعل مرور القوافل عبر قرون عديدة، وبدون البحث عنها بشكل خاص، لن نلاحظ هذه المسارب التي تشبه إلى حد كبير (طرق الغزلان) التي تتعرج بلا هدف في الصحراء، ولكننا نستعين بأكوام الحجارة التي يضعها العرب لتدلنا على الطريق". 


قوافل التمر والشعير بين سيوة ومطروح

ثم يواصل وصف المسرب قائلاً:"كثيرًا ما يبدو أن المسرب يتلاشى، ثم يتعين على المتعقبين أن يسبقوا رجال القافلة لإيجاد الطريق مرة أخرى، وقد تم تجنيد عدد من البشاريين من شمال شرق السودان خصيصًا في فيلق الجمال كمتعقبين ومرشدين، يتمتع بعض البشاريين بذكاء غير طبيعي حيث يمكنهم تتبع الخطوات، حيث يتمتع هؤلاء الرجال بغريزة طبيعية ويعتقد أنهم أكثر مهارة في هذا العمل من أي قبيلة أخرى، رغم أنني شخصيًا أعتقد أن البدو أكثر مهارة وذكاءً، لكن عند العمل في بلد بدوي فمن الأفضل عدم توظيف السكان المحليين"

وعادة ما تتكون القافلة بحسب ـ بيليجريف ـ من 39 رجلاً و50 جملًا وكلب سلوقي. 

الأثري عبد الله إبراهيم موسى 

مدير منطقة آثار مرسى مطروح للآثار الإسلامية والقبطية 

المصادر: 

ـ كتاب الواحات المفقودة  تأليف أحمد باشا حسنين.

ـ مذكرات الحاكم الإداري تأليف السير بليجريف 1920م.

ـ كتاب"جنة الصحراء سيوة أو واحة آمون" تأليف القائمقام رفعت الجوهرى بك. 

ـ عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي.

ـ واحة آمون، تأليف: أحمد فخري. 


قوافل التمر والشعير بين سيوة ومطروح

الأثري عبد الله إبراهيم موسى
 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة