Close ad

التربية بين الرعاية والتنشئة

26-1-2025 | 14:22

بعد تكرار حوادث العنف المدرسي التي سطرت حكاياتها على أرض محاريب العلم المقدسة، بات علينا أن ننتبه، أن نستعد لمواجهة تلك الظاهرة الغريبة التي أدخلت القلق والألم علينا جميعًا فأسكنته في نفوسنا.

نحن بلا شك نحتاج لعمل دراسة عميقة، شاملة ومفصلة، نبحث من خلالها عن حلول غير اعتيادية، بخطوات غير مسبوقة، نحتاج لحديث يتسم بكل الصدق والشفافية، نبحث من خلاله عن هذه الظاهرة الغريبة وعن مسبباتها، نغوص فيها بأعماق جيل تحمل مسئولية حدوثها وتكرارها -خاصة- بعدما انتشرت بين شرائح اجتماعية يحيا معظم أبنائها حياة رغد ورفاهية.

الرعاية والتربية بمعناهما الشامل يختلفان كثيرًا من حيث المضمون والمعنى، فكلاهما يصب في مصلحة الأبناء، لكن الأول منها هو المهتم بتوفير غذاء وملبس ومسكن، والآخر هو المسئول عن غرس أخلاق ومبادئ وقيم، هو الذي سيتأثر بتسليط الضوء على كل ما يصب في مصلحة الفرد والمجتمع، يعمل على بلورته ومزجه بمشاعر تربط بين حب الوطن وضرورة الحفاظ على الهوية.

إن التفرغ لبعض الوقت لتربية الأبناء أمر مهم يجب أن يتم بمتابعة مستمرة من والدين أدركا معًا أهمية دورهما، تحملا مسئولياتهما، وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف نحقق هذا؟ لتأتي من بعده الإجابة الشافية؛ ستنجح المحاولة بالاستماع الجيد لأبنائنا، بالتفاعل البناء، بالإيجابية أثناء مناقشتهم في كل ما يراودهم من أفكار تزعجهم وتحفز قلقهم، بحمايتهم من سيطرة عولمة تشتد رياحها يومًا بعد يوم، تدفعهم أمامها بكل قسوة بهدف تدميرهم وطمس هويتهم الباقية.

يجب أن تتم المتابعة تحت غطاء من صداقة وثقة متدثرة برداء رغبة في نجدة جيل كاد أن يهوي، جيل لا يقبل نصحًا -مستترًا أو مباشرًا- دعونا نتفق على أن هناك خللًا قد حدث بالفعل، دعونا نصدق أن هذا الخلل ضرب مجتمعات كثيرة من قبل مجتمعنا، هيا لنواجه بكل حسم سلوكًا مستحدثًا أقام مسرحه بأرضنا وبدأ عروضه المتتالية، عروضه التي راحت تنخر في أسس ودعائم ثابتة غوت بها أبناءنا وألهمتهم لاتباع تقليد أعمى لكل شيء يثير انتباههم ويجذبهم.

إن هذا الجيل، المختلف معنا على طول الخط، في حاجة للقيام بمهمة توعوية لإنقاذه، علينا أن نعلم أننا نقف أمام جيل يجيد التنمر على أقران له مارسوا الاحترام وطبقوا قواعده، جيل يتنكر لأصوله، جيل يرفض انتقاء مفردات حديثه لتصبح مناسبة وملائمة، جيل تصدى لحريته ورضى بعبوديته مباهيًا بها ومفاخرًا. 

إن أغلب الأسر راحت تتنصل من مسئوليتها الأولى لتلقي بها على معلم ومدرسة، فالقضية التربوية قد تأثرت وقدمت لنا معطياتها التي أنبأتنا عن قرب وصولها لتلك المرحلة، أخبرتنا بموعد وصولها، ثم اختبأت خلف جدار من شكليات غير ذات قيمة ومقارنات طبقية سافرة.

لسنا الآن في قاعة محكمة يتبادل فيها الخصوم أدلة ارتكابهم لذنب ما، نحن أمام مجتمع عليه أن يبحث في التو واللحظة عن حلول جذرية لمشكلة غير قابلة لتأجيل أو مماطلة، علينا أن نوفر لأبنائنا سبل الحماية من تيارات مادية متلاحقة سبحوا فيها، بعدما تحجرت قلوبهم وتجردت من شعور بالمحبة والعاطفة.

علينا أن نعد العدة للسباق، نضع أقدامنا على أولى بدايات خطوط سيرنا في رحلتنا نحو مساعدة هذه الأسر، بوضع خطط لتوعيتها وإبراز حقيقة دورها، علينا أن نتحدث إليهم، نواجههم ونستنبط من قصصهم وحكاياتهم خطأهم الفادح الذي ارتكبوه بعلم منهم أو بجهالة. 

دعونا نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أبناء جيل ظُلم بإهمال متعمد من أسرة تجاهلت توعيته منذ البداية، جيل كانت أعظم بلاياه غياب قدوته التي كانت بحكمتها سوف تنير له الطريق وتصل به للمكان الأصوب والأسلم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: