لعلها الأقدار -ليس غيرها- التي أوصلتني للعاصمة الكوبية، هافانا، في اليوم التالي لبدء مهام الرئيس الأمريكي ترامب، وصدور قراره -المثير للجدل- بإلغاء مرسوم سلفه بايدن، بإعادة الجزيرة الكاريبية في قائمة دول، يزعم أنها ترعى الإرهاب!
في مقال سابق بعنوان: ضحايا جرائم الإبادة "الـ صهيو/أمريكية"، توقعت بأن تصدر الإدارة الأمريكية الجديدة قرارا بإلغاء مرسوم بايدن بحذف اسم كوبا من القائمة السوداء، قبل أيام من مغادرته السلطة، وقد استندت التوقعات إلى تاريخ مشين، أفقد واشنطن مصداقيتها، وكشف تنمرها، في علاقتها بالجزيرة الكاريبية.
تاريخيا، تصنيف الولايات المتحدة لكوبا -كدولة يزعم بأنها ترعى الإرهاب- كان قد ألغى في عهد أوباما، أي في فترة التقارب بين واشنطن وهافانا، وقامت إدارة ترامب الأولى بإعادة كوبا للقائمة السوداء في يناير 2021، وفي 14 يناير 2025، ألغى بايدن قرار ترامب، ليسارع الأخير بإلغاء قرار سلفه في يوم 20 يناير الحالي.
قرارات البيت الأبيض، المتضاربة، والمثيرة للدهشة، تجاه الجزيرة الكاريبية، المغلوبة على أمرها، استقبلها المجتمع الدولي، بحالة من الرفض والاستنكار من ناحية، وإبداء التعاطف مع هافانا، وفي حقها المشروع بأن يعيش شعبها بسلام.
وحدها هافانا هي التي لم تتفاجأ بقرار ترامب -التعسفي- تجاهها، غير أنني أزعم بأن كوبا لم تكن تتوقع صدور القرار بهذه السرعة،أي في بدء ولايته الجديدة.
ففي يوم 14 يناير، عندما صدر مرسوم بايدن برفع اسم كوبا من القائمة السوداء، أكدت كوبا أن "الحكومة الأمريكية قد تتراجع مستقبلًا عن التدابير المتخذة اليوم، كما حدث في مناسبات أخرى، وذلك كدليل على افتقارها إلى الشرعية والأخلاق والاتساق والعقلانية، في سلوكها ضد كوبا"، وكذلك، أكدت بأن "ليس من عادة السياسيين الأمريكيين الوقوف عند البحث عن مبررات، فهكذا يُحكم ذلك البلد"!
رئيس كوبا، ميجيل دياز كانيل، علق على خطوة ترامب، ووصفها بـ "الغطرسة وتجاهل للحقائق"، وأكد أنّ الهدف هو "مواصلة تعزيز الحرب الاقتصادية القاسية ضدّ كوبا بهدف الهيمنة، مما أثبت عدم مصداقيّة القوائم وآليات الإكراه الأحادية الجانب، التي تتبعها واشنطن، كما أن إجراءات الحصار الاقتصادي المتطرّفة -التي فرضها ترامب- تتسبّب في نقص الموارد، وزيادة الهجرة من كوبا للولايات المتحدة، وبالتالي، فإن القضية المشروعة والنبيلة لشعبنا ستنتصر".
بدوره، قال وزير خارجية كوبا، برونو رودريجير: "إن ترامب يعلم أنه يكذب، فالهدف هو زيادة العقوبات والحرب الاقتصادية ضدّ الأسر الكوبية"، مؤكدًا أنّ القرار "سيسبّب الضرر، لكنه لن يكسر عزيمة شعبنا الراسخة، سوف ننتصر".
في وقت سابق على قرار إعادة هافانا إلى قائمة العواصم، التي يزعم بأنها ترعى الإرهاب، أكدت استعدادها الدائم للحفاظ على علاقة متحضرة مع واشنطن، وأن لديها الإرادة لتطوير تلك العلاقة، على أساس المساواة في السيادة والاحترام المتبادل.
أما بعد صدور القرار، فقد حفل المشهد الكوبي -كما أرصده في أثناء زيارتي لهافانا- بقدر هائل من الازدراء، تجاه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكذلك، ازدادت نبرة الصمود والتحدي.
وأعلنت الحكومة الثورية في هافانا "أنه منذ اليوم الأول من ولايته الثانية، شن ترامب هجمة شرسة على كوبا من دون أي ذريعة، فقرار إعادة فرض إجراءات الحرب الاقتصادية القاسية، والتي كان قد ألغاها قبل أيام فقط سلفه، هو دليل فج على العدوانية الأمريكية، ضد سيادة وسلام ورفاهية الشعب الكوبي".
الحكومة الثورية الكوبية أكدت: "تعامل ترامب مع وصوله إلى السلطة كتتويج لإمبراطور، ويشمل طموحه -كبداية فقط وليس الحصر- غزو كندا، الاستيلاء على جرينلاند، تغيير اسم خليج المكسيك، وحرمان البنميين من قناتهم، إن مبدأ مونرو التوسّعي، ومبدأ "القدر الواضح"، اللذان فُرضا بالدم والنار بأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يشكلان دليل عمل لفريق الحكومة الأمريكية الجديدة".
ذكرت: "لن يحرفونا عن المسار الاشتراكي، والجهود التي تُبذِل لإنعاش الاقتصاد، وتعزيز التضامن والإبداع والموهبة وروح العمل، والدفاع عن الحرية والاستقلال والسيادة، وعن امتياز بناء مستقبل بلا تدخل أجنبي كالدفاع عن حصن منيع".
تبقى الإشارة إلى أن زيارتي لكوبا تستهدف المشاركة بالمؤتمر الدولي السادس لتحقيق توازن العالم، وقد حضر نسخته الخامسة 1100 مندوب من 89 دولة".
[email protected]