قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إنه بعد شهرين من توقف الصراع بين إسرائيل وحزب الله اللبناني فإن شبح تجدد القتال يلوح في الأفق مرة أخرى، حتى لو لم يعد حزب الله المستنزف يشكل نفس التهديد لإسرائيل كما كان في بداية الحرب قبل ما يقرب من 16 شهرا.
موضوعات مقترحة
وذكرت الصحيفة - في سياق مقال تحليلي نشرته الجمعة - أنه بعد إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أن قواتها ستبقى في جنوب لبنان بعد انتهاء الموعد النهائي لانسحابها العسكري الكامل يوم الأحد بسبب مخاوفها من أن حزب الله لا يزال نشطا هناك.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه بموجب شروط الهدنة بين إسرائيل وحزب الله في أواخر نوفمبر، كان من المفترض أن تنسحب القوات الإسرائيلية في غضون 60 يوما من مناطق لبنان التي انتزعتها مؤخرا من سيطرة التنظيم، كما ينبغي على حزب الله الانسحاب من المنطقة، مما يسمح للجيش اللبناني بالسيطرة على منطقة كان حزب الله يهيمن عليها لفترة طويلة.
ولكن قبل أقل من يومين من الموعد النهائي لانسحاب القوات الإسرائيلية أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن انسحاب إسرائيل يعتمد على تأكيد الجيش اللبناني سيطرته الكاملة على المنطقة، وأن الجدول الزمني مرن ويشير إلى أن القوات الإسرائيلية ستبقى في لبنان بعد انتهاء الهدنة.
وأضاف البيان الإسرائيلي "وبما أن اتفاق وقف إطلاق النار لم ينفذ بالكامل من جانب لبنان، فإن عملية الانسحاب التدريجي ستستمر في ظل التعاون الكامل مع الولايات المتحدة".
وكان حزب الله قد قال - في بيان صدر علنا يوم أمس الخميس - إن "أي خرق للاتفاق لن يتم التسامح معه، لأنه سيكون انتهاكا صارخا للاتفاق واعتداء على السيادة اللبنانية وبداية فصل جديد من الاحتلال".
ولم يرد مسؤولو حزب الله على الاتهامات بأن حزب الله فشل في الوفاء بالتزاماته وأن الجيش اللبناني لم يسيطر بعد على المنطقة المعنية، فيما أكد مكتب العلاقات الإعلامية في الحزب أن "الحزب ملتزم بشروط اتفاق وقف إطلاق النار"، ولكنه لم يتطرق إلى مزيد من التفاصيل.
وتتولى لجنة أمريكية فرنسية مراقبة انتهاكات الهدنة والتحقيق فيها، وقد دعا حزب الله المراقبين الدوليين والحكومة اللبنانية إلى "عدم السماح بأي ذرائع أو أعذار لإطالة أمد الاحتلال"، ولكنه لم يذكر الإجراء الذي قد يتخذه إذا بقيت القوات الإسرائيلية.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أنه إذا بقيت القوات الإسرائيلية بعد نهاية الوقت المحدد مسبقا دون موافقة لبنان، فسوف يضطر حزب الله إلى الاختيار بين قبول الوضع الراهن وخسارة ماء الوجه أو استئناف المعركة والمخاطرة بالتعرض لهجوم مضاد إسرائيلي كبير يلحق المزيد من الضرر بصفوفه المدمرة والبنية التحتية المدنية اللبنانية، وفي حال استئناف القتال فقد حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن الضربات الإسرائيلية لن تفرق بين حزب الله والدولة اللبنانية.
وقال نيكولاس بلانفورد - المحلل المقيم في بيروت في المجلس الأطلسي (مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية) - "إنها معضلة خطيرة بالنسبة لحزب الله، فهم ملعونون إذا قاوموا وملعونون إذا لم يفعلوا، وأنصار حزب الله لن يشكروا الحزب على استئناف الحرب وهم يحاولون العودة إلى ديارهم والبدء في إعادة البناء".
وذكر المتحدث باسم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل) أندريا تيننتي أنه منذ بداية الهدنة في نوفمبر سلمت إسرائيل أكثر من 100 منشأة عسكرية وقرية إلى السلطات اللبنانية، لكنها لا تزال تحتل ما يقرب من 70 بالمائة من المناطق التي استولت عليها بعد غزو لبنان في الخريف الماضي.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن الجيش اللبناني لم يبد حتى الآن استعداده لملء الفراغ في تلك المناطق، فيما أكد تيننتي أن الجيش اللبناني على استعداد للقيام بذلك ولكنه لا يستطيع دخول الأماكن التي لم ينسحب منها الجيش الإسرائيلي.
وعندما طُلب منه التعليق، أشار الجيش اللبناني إلى بيان عام قال فيه إنه "يحافظ على استعداده لإكمال انتشاره في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني فور انسحاب العدو الإسرائيلي منها".
فيما نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول عسكري إسرائيلي طلب عدم الكشف عن هويته أنه في الأيام الأخيرة لم يبدُ أن القوات الإسرائيلية تستعد لإخلاء كامل.
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن الموعد النهائي لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان يشكل مأزقا مبكرا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يدعم إسرائيل بقوة ولكنه خاض حملته الانتخابية على وعد بالسلام للبنان.
كما أنه أيضا اختبار للقيادة اللبنانية الجديدة المتمثلة في الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام اللذين تم اختيارهما هذا الشهر، فهما يحتاجان إلى بيئة سلمية لإعادة بناء لبنان بعد سنوات من الحرب والفوضى السياسية والكارثة الاقتصادية، وتواجه سلطتهما خطر التقويض إذا أثبتا عجزهما عن السيطرة على أراضيهما والتأثير على حزب الله أو إسرائيل.
وقالت سنام فاكيل مديرة برنامج الشرق الأوسط في تشاتام هاوس (مجموعة بحثية في الشؤون الخارجية مقرها لندن) إن "القيادة اللبنانية الجديدة لم تثبت حتى الآن القدرة الكافية على التعامل مع حزب الله بشكل فعال وواثق، وهو الضعف الذي ستستمر إسرائيل في استغلاله كمبرر للبقاء بعد الموعد النهائي".
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن كبار المسؤولين الإسرائيليين يقولون في أحاديثهم الخاصة إن وجود حكومة لبنانية أقوى يصب في مصلحة إسرائيل لأن ذلك من شأنه أن يحد من نفوذ حزب الله الذي يعارض وجود إسرائيل، ولكن إسرائيل مستعدة للبقاء داخل لبنان حيث تزعم أن حزب الله لا يزال يحتفظ بالموارد والطموح اللازمين لتهديد القرى الإسرائيلية على طول الحدود، وهو ما قد يضعف سلطة القيادة اللبنانية الجديدة.
ويشكو المسؤولون الإسرائيليون من أن الجيش اللبناني لم يحشد بعد قوات كافية لتحل محل القوات الإسرائيلية في عدة أماكن رئيسية وهو ما يمنع تنفيذ الهدنة بالكامل، ويقولون إن قوات حزب الله لم تغادر جنوب لبنان مما يشكل انتهاكا لشروط الهدنة وإجبارا للجيش الإسرائيلي على البقاء في مكانه.
وقد انتشر الجيش اللبناني في المدن والقرى الرئيسية في جنوب لبنان في الأسابيع الأخيرة، وخاصة في الأماكن القريبة من البحر المتوسط في جنوب غرب البلاد، كما نشر وحدات متخصصة لإزالة الأنقاض والتخلص من الذخائر غير المنفجرة وإعادة بناء الطرق التي دمرت، ولكن الجنود اللبنانيين لم يتسلموا بعد مسؤولية الأراضي الحدودية الواقعة في الشرق.
وقال ضابط إسرائيلي رفض الكشف عن هويته إن الجيش الإسرائيلي لم يبذل أي محاولة لتفكيك القواعد العسكرية التي بُنيت في الأشهر الأخيرة على طول شريط ضيق شمال الحدود الإسرائيلية اللبنانية، موضحا أن التوقعات بين الجنود الإسرائيليين في لبنان كانت أنهم سيبقون في أماكنهم في المستقبل المنظور لمنع عودة حزب الله إلى هناك.