لا نريد أن يصيبنا الرئيس ترامب بالصدمة، أو الإحباط، بعد خطابه يوم التنصيب، فالرجل لم يكن يخاطبنا، بل كان يخاطب النخبة الأمريكية، والسياسيين في بلاده، وكان يخاطب الحزبين -الجمهورى والديمقراطى- الفائز والمعارض، اللذين يتبادلان الحكم في واشنطن، كان يريد التحدي، لم يكن متسامحًا كعادة الرؤساء فى تاريخ أمريكا، يوم انتخابهم، لم يكن عالقًا في ذهن الرئيس، أنهم لم يقبلوه، وهو القادم من مجتمع الأعمال، وليس مجتمع السياسيين، وأنهم تحالفوا عليه، وأرادوا إسقاطه أكثر من مرة، ولم ينس محاكماته السياسية، أو سقوطه في الانتخابات، أمام بايدن وعدم حصوله على الولاية الثانية، وهي طبقًا لحساباته حقه المستحق، بل إن سقوطه بفعل فاعل، أو مؤامرة، أو فساد لا يتسامح فيه أبدًا، الرئيس كان بالفعل عصبيًا للغاية، برغم أنه لم يبد كذلك، لكنه بالقطع كان متحديًا للدنيا، وللعالم كله.
مفهوم أمريكا القوية، بالنسبة له مختلف عن مفهومنا بالقطع، فهو يحسبها بالأموال، كم تدفع؟ وماذا حصلت؟ ونحن ننظر إلى أمريكا ومازلنا على أنها القوة العظمى، صاحبة الرؤية لمسار العالم.
الاقتصاد والقوة سيفتحان على الرئيس ترامب نار الصراعات، خصوصًا مع حلفائه الأوروبيين، قبل أن يفتحها مع الصين، المناوئ أو المعادل الموضوعي ومنافس القوى العظمى الأول فى عالمنا الآن.
ظللت مترقبًا للرئيس، إلى أن قال إنه سيغير «خليج المكسيك»، إلى خليج أمريكا، لم أضحك أو أسخر مثل هيلاري كلينتون، التي سيطر عليها الضحك بالسخرية الحادة، وقلب الرجل غضبان جدًا، والشعبوية وصلت إلى حالة حرجة، أما حكاية العصر الذهبي وحماية الحدود، وإصلاح النظام التجاري، فهي كلها من موروثات الانتخابات، ونتائج التحدي الذي يعيشه ولا يستطيع تطبيقه بسهولة.
أما إرثه المتوقع، الذي عبر عنه في اليوم الأول كصانع للسلام في العالم، نتمنى له أن يحققه، بل يجب أن نسعى إليه ومعه، بل نشاركه فيه بكل جدية؛ لأنه مستقبل العالم، أفلح إن سار في هذا المسار بصدق، وفاعلية، وبلا تقاعس أو مصلحة، فسيكون إرثًا عظيمًا حقًا.
بشعارات من قبيل «العصر الذهبي»، و«حماية الحدود»، و«إصلاح النظام التجاري»، و«مرحلة أفول الولايات المتحدة انتهت»، يدل على أن ترامب يفضل الاقتصاد على السياسة والحروب، وخير دليل أن الإدارة الأمريكية التى عينها تعبر عن توجهاته المستقبلية باختياره شخصيات من عالم المال والأعمال والإعلام، لقيادة المرحلة الأمريكية المقبلة، بطبيعة الحال.
باتت الأنظار تتجه إلى الرئيس ترامب، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، والذي عاد إلى منصبه، ما يعد سابقة منذ 130 عامًا، ليكون فى الـ 78 من العمر أكبر رئيس أمريكي سنًا يدخل البيت الأبيض.
العالم عامة، والشرق الأوسط خاصة، ينتظر ما ستكون عليه سياسة ساكن البيت الأبيض، سياسة تبقى حتى هذه اللحظة غامضة، ترامب، رجل الأعمال الشهير، يسمى أيضا رجل “الصفقات السريعة”، رئيس أكبر اقتصادات العالم، هدد بـ”الجحيم” في حال لم يتم تحرير الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة قبل موعد تنصيبه.
الملاحظ أن عشية حفل تنصيبه، قال ترامب إنه حقق السلام في الشرق الأوسط، دون أن يكون رئيسًا، وقال مستشاره للأمن القومي، إن حماس لن تحكم غزة.
وهنا إشارة واضحة، لأن ترامب يريد أن يؤكد أنه يتصرف منذ ثلاثة أشهر، قبل 75 يومًا، كأنه رئيس بالفعل، هو يعتقد أنه هو المسئول وليس بايدن، عن وقف إطلاق النار في غزة، لأنه هدد بأنه سيتخذ قرارات عقابية في إشارة ضمنية إلى حماس، وحتى ضد نتنياهو إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
نقاط لافتة للنظر في خطاب ترامب العائد بقوة، والذي بات يسيطر الآن على الأضواء مرة جديدة، هى الوعود الكثيرة التي شملها الخطاب، هذا الخطاب الذي ألقاه في مقر المؤتمرات في واشنطن، ليتحدث مع مؤيديه الذين جاءوا إلى واشنطن من مختلف الولايات، لذلك أراد الرئيس أن يتحدث مع أنصاره، ووعدهم بأنه سوف يحل جميع مشكلات الولايات المتحدة، وأنه في اليوم الأول فور التنصيب، سوف يوقع على عشرات القرارات التنفيذية التي سيلغي فيها عددًا من القرارات التي اتخذتها ولاية الرئيس السابق بايدن.