Close ad

د.خلف الله عسران.. الصبح أستاذ جامعة وبعد الظهر فلاح في الغيط

23-1-2025 | 13:30
دخلف الله عسران الصبح أستاذ جامعة وبعد الظهر فلاح في الغيطد.خلف الله عسران
وليد فاروق محمد
الشباب نقلاً عن

بعض زملائي يعتبرون صورتي بالفأس مسيئة لصورة الأستاذ الجامعي.. لكنني لست "قليل الأصل"

موضوعات مقترحة
أذهب للكلية للتدريس ثم أقوم بتغيير البدلة بـ"الجلابية والعمة" وأجرى على الأرض
في الجامعة كنت أذاكر من محاضرات زملائي لانشغالي بالزراعة كأجير.. لكنني حصلت على الامتياز 4 سنوات متتالية

يقول د.خلف الله عسران، 35 عاما: ولدت في قرية الرفشة بمحافظة قنا وسط أسرة متوسطة الحال، يعملون بالزراعة وغير متعلمين لكنهم يعملون منذ صغرهم ويعتمدون على أنفسهم، ولذلك أنا أعمل منذ أتممت 6 سنوات بجانب الدراسة، أذهب للمدرسة صباحا ثم أعود إلي الأرض والزراعة، وفي الثانوية العامة كنت أتمني الالتحاق بكلية فنون جميلة أو تربية فنية لأنني كنت أحب الرسم جدا، لكن بسبب المجموع لم استطع، وحسب التنسيق تم قبولي في كلية إعلام جامعة المنيا، لكن والدي -رحمه الله- قدم أوراقي في كلية الآداب بجامعة جنوب الوادي لقرب المسافة وارتباطي بالعمل مع الدراسة، وبالفعل التحقت بالكلية بنظام الانتساب ودخلت قسم علم نفس.
د.خلف الله عسران


سألت د.خلف الله.. أليس غريبا أنك مرتبط بالأرض ولم تذكر نهائيا كلية الزراعة ضمن اختياراتك؟ رد قائلا: منذ صغري كانت لدي خبرة كبيرة في الزراعة، كل ما تتخيله من خضروات وفواكه زرعناه، أيضا لم أكن أعمل في أرضنا فقط بل أيضا كنت أجيرا في أراضي الغير لكي استطيع توفير مصاريفنا وأساعد والدي، فكنت منذ صغري أعمل من الفجر حتى العصر مقابل 5 جنيهات، وبمرور السنين كانت الأجرة تزيد، بالتالي لم أفكر في دراسة الزراعة لأنني كنت أعيشها يوميا، أيضا الشغل في الأرض يمنح صاحبه قوة وصبرا ونشاطا ذهنيا.. وهو ما ساعدني في المذاكرة والتفوق ولم يعطلني نهائيا، لكن بصراحة في البداية كان هدفي مجرد الحصول علي شهادة عليا فقط بغض النظر عن التخصص.

د.خلف الله عسران


ويكمل د.خلف الله عسران حكايته قائلا: كنت طوال الـ4 سنوات بالكلية الأول علي الدفعة.. وفي الوقت نفسه كنت أعمل لكي أوفر مصروفاتي،  وتخرجت في عام 2011 وقضيت سنة في الخدمة العسكرية وتسلمت وظيفتي في 2013 كمعيد بقسم علم النفس بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي، من وقتها لم أشعر نهائيا بـ"المكانة الاجتماعية" وأنني في طريق مختلف عن حياتي وسأصبح أستاذا جامعيا وبالتالي لابد من الاستعداد للحياة في "طبقة مختلفة"، أنا عشت وتربيت علي أن كل المهن الشريفة سواء مادامت تؤدي خدمة للمجتمع وصاحبها يؤديها بإتقان وتوفر له لقمة حلال، وهذا فضل من الله ونعمة، وكنت أذهب للكلية لتدريس السكاشن العملي ثم أعود لأقوم بتغيير البدلة بـ"ملابس الفلاحة" وأجري علي الأرض،  هكذا تربينا.. لا يصح أن أترك والدي في سنه الكبيرة يمسك بالفأس وأنا أجلس في البيت.

د.خلف الله عسران


 بديهي أن الأهل والأصدقاء كانوا يتوقفون عند لقب "الدكتور الجامعي".. لكن د.خلف الله عسران كان مصمما أن يضيف أيضا لقب "فلاح" إلى تعريفه بنفسه،  يقول: أرضي هي أمي التي تربيت وعشت من خيرها، بعد فضل الله عز وجل هي التي جعلتني الآن أقف أستاذا بالجامعة، وبعيدا عن ذلك.. راحتي النفسية أجدها في الجلوس هناك، هي مهنتي وهوايتي وحياتي التي لا استطيع الانسلاخ منها، هنا كل ذكرياتي وأيامي.. وتشربت تربتها بعرق والدي، وبالمناسبة.. المثل الشهير يقول: "من جد وجد ومن زرع حصد" هو الرابط بين الزراعة والتدريس للطلاب، المعنى نفسه، وأعتبرهم مثل البذرة التي يجب الاعتناء بها جيدا بضمير لكي نحصد النجاح في النهاية.. أنا مزارع أرض وعقول أيضا، أيضا مسكة الفأس وسط الطين يكسر الغرور والكبر.. البعض عندما تتحسن ظروفه عن طبقته الاجتماعية يتخيل نفسه مثل الجبال، لذلك كلما شعرت بأنني أريد "فرد أجنحتي" بعض الشيء أقوم علي الفوز بترويض نفسي وأصرخ فيها "علي إيه.. أنت أخرك الفأس والزرع".

د.خلف الله عسران


سألت د.خلف الله: بصراحة.. هل تلقيت انتقادات من زملائك من أساتذة الجامعات بسبب صورك المنتشرة أخيرا وأنت بالفأس وسط الطين بالأرض؟ صمت قليلا ثم قال: نعم..لكنهم قلة، كانوا يعتبرون صورتي هذه مسيئة لصورة الأستاذ الجامعي في عيون طلابه، لكنني قلت لهم إنني أصلا أحكي للطلاب عن كفاحي وعملي منذ صغري، وهذا ليس عيبا، ومادمت غير مقصر نهائيا في عملي الجامعي فليس من حق أحد التدخل في حياتي الخاصة، كما أنني مثل طلابي.. أيضا مازلت أعتبر نفسي طالب علم، وحصولي علي الدكتوراه بالمناسبة هو جزء من طموحي العلمي لكن لا علاقة بالأمر بالتدرج الأكاديمي الوظيفي، فأنا لست من هواة ذلك ولا أبحث عنه.

د.خلف الله عسران


ربما قديما كان د.خلف الله عسران يعمل في الحقول من أجل توفير مصاريف الحياة، ورغم تحسن أحواله المادية مقارنة بالماضي لكن المسألة عنده تحولت إلي "عشرة وآلفة" بينه وبين الأرض، فهو يعتبر الفأس عكازه الذي يصلب ظهره أمام ضغوط نفسية كثيرة، لذلك يترك مكتبه المكيف في عز الصيف ويذهب سعيدا للعمل بالساعات تحت الشمس، يقول: عندما تتمرد علي الأرض نعتبرها عندنا نوعا من "قلة الأصل"، ولذلك في مرة عندما كنت في "الغيط" التقطت لي صورة ونشرتها لكي أعبر عن سعادتي، واندهشت لأن البعض اعتبرها أمرا قد أخجل منه، بالعكس.. فأنا نشرتها وأنا فخور جدا وأعرف جيدا أنه سيراها طلابي وزملائي أساتذة الجامعة، وحتى عندما كان يعلق كثيرون جدا بأن هذه الصورة تعكس "التواضع" كنت أكرر بأنه تواضع لم أقصده أو أصنعه.. فقط هذه هي حياتي وأحبها وأفتخر بها، لا يهمني كلام الناس ودائما أعيش الحياة لحظة بلحظة.

د.خلف الله عسران


بعيدا عن الأرض.. نتوقف مع أستاذ علم النفس، د.خلف عسران له سلسلة فيديوهات تحظي بمشاهدات عالية علي السوشيال ميديا تحت عنوان "نفساويات"، يقول: هي فكرة إرشادية لتقديم بعض الأفكار للطلاب بالأساس ولمن يريد بصفة عامة، فهي منصة تعليمية لمحاضراتي، خاصة أنه حاليا كل من "هب ودب" يقول إنه اخصائي نفسي ويقومون بالحديث عن المشاكل الاجتماعية والنفسية، أو يقولون إنهم خبراء في التنمية البشرية أو "مدرب حياة" وغيرها من المسميات التي أساسها البيزنس، وفعلا مندهش من عدم وجود رقابة لأن أغلبيتهم غير مؤهلين، خاصة أن علم النفس صعب ويحتاج لدراسة وتطبيق، وفي رأيي أن "الوعي" هي أكبر مشكلة تواجه الشباب حاليا، خاصة عندما يجد شخصا لم يتعلم ولكنه أصبح مشهورا علي السوشيال ميديا.. فبديهي أن تجده يقول: لماذا أتعلم أصلا؟ ونصيحتي للشباب أن المظاهر هي بداية معظم المشاكل.. عيشوا ببساطة وتوكلوا علي الله.


أخيرا، سألته: عندما تكون في القرية ممسكا بالفأس لتزرع الأرض أو تقف لتصطاد في الترعة، هل أهالي القرية يتعاملون معك بأنك (الدكتور خلف) أم بلدياتهم البسيط؟ رد مبتسما: "في البلد حاجة تانية خالص"، أجلس علي الأرض وملابسي بسيطة.. لدرجة أن أي شخص غريب عن القرية عندما يعرفونه عليّ بأنني أستاذ جامعي قد لا يصدق، ودهشتهم هذه لا تضايقني.. بالعكس تسعدني جدا، "الدكتور" بعلمه فقط ليس بملابسه، وفي مرة كنت أراقب في الامتحانات مرتديا بدلة آخر شياكة.. ووجدت أحد السعاة يأكل علي الأرض جبنة قديمة "مش" وعيش شمسي، فجلست لأكل معه بدون أي كسوف أن يراني أحدا، من تواضع لله رفعه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة