اتسمت الشهور القليلة الماضية بحركة مصرية ملحوظة لاجتذاب الاستثمارات العالمية مع التركيز على القطاع الصناعي.
رهان مصر على قطاع الصناعة هو خيار إستراتيجي لا يجب الحياد عنه فالمنافسة الشديدة على اجتذاب الاستثمارات العالمية تشهد حراكًا مستمرًا وسريعًا، يستلزم التعاطي معه بنفس السرعة، ومحاولة أخذ زمام المبادرة، بتقديم حوافز تعكس ما لدينا من مزايا نسبية لا تتوافر لدى المنافسين.
تبني الحكومة منذ شهور مضت نظام الرخصة الذهبية، التي يتم منحها للمشروعات في قطاعات إستراتيجية تحددها الدولة، توجه ناجح ساعد على اجتذاب مجموعة من الشركات العالمية الكبرى، ومع ذلك فإن تأسيس المستثمرين المصريين أكثر من ٢٥٠٠ شركة خارج الحدود المصرية، كما صرح محمد الأتربي رئيس البنك الأهلي، أمر يجب التوقف أمامه ودراسته بالجدية الشديدة؛ لأن الأسباب التي دفعت هذه الشركات للخروج من السوق المصرية، مهما اختلفت من مستثمر إلى آخر، فإنها جميعًا تؤشر إلى وجود بعض المعوقات بمناخ الاستثمار المصري بوجه عام.
بين مزايا الرخصة الذهبية وغيرها من الرخص المرتبطة بالأنشطة الاستثمارية توجد آلاف الشركات والمصانع التي تعمل في ظل مناخ استثماري يحتاج إلى تنقيته من مشكلات ومعوقات عديدة؛ مثل كثرة الإجراءات وتشابكها وتعدد جهات الولاية.
تطبيق نظام الرخصة الذهبية على جميع المشروعات قد يبدو عادلًا، لكنه يتطلب موارد وإصلاحات تنظيمية كبيرة، وهذا أمر غير واقعي وصعب التحقق، وليس مطلوبًا تطبيق الرخصة الذهبية على كل المشروعات، ولكن على المسار نفسه لا يجب أن تكون الفوارق بين الحالتين كبيرة وبشكل واضح.
يمكن تبني نظام يكفل تبسيط عملية إصدار التراخيص للجميع؛ لتقليل البيروقراطية دون تمييز، أو إنشاء نظام مشابه للرخصة الذهبية بمزايا أقل للمشروعات التي لا تقع ضمن القطاعات الإستراتيجية، ولتكن البداية بالمشروعات المتعثرة، وهي، وفقًا لتصريحات الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، تبلغ حوالي 12,000 مصنع، منها 5,800 مصنع قائم، ولكنها متوقفة عن العمل، و5,500 مصنع في مرحلة البناء تعثرت قبل بدء الإنتاج.
النجاح في حل مشكلات المصانع المتعثرة يمكن أن يكون رسالة إيجابية تؤكد جدية الدولة في دعم ومساندة القطاع الصناعي، وفي الوقت نفسه تمثل تحفيزًا للاستثمار المحلي؛ باعتباره أحد أهم العوامل المرجحة للمستثمر العالمي عندما يفكر في الاستثمار في أي دولة، علاوة على أن التجارب العالمية لم تسجل حتى الآن النجاح في تحقيق طفرة استثمارية، اعتمادًا على الاستثمار الأجنبي الوافد فقط، بدون أن تكون الاستثمارات المحلية هي نقطة الانطلاق.
فهل تشهد الأيام القادمة ما يترجم صدق رهان الحكومة على تحقيق طفرة كبيرة بقطاع الصناعة؟