Close ad

أحلام ترامب "غير المشروعة"

22-1-2025 | 18:26

على الرغم من أننا جميعًا ندرك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -دائمًا- ما يحدث ضجة كبيرة في العالم عندما يتحدث عن قضايا خارجية، إلا أن ما قاله قبل توليه السلطة مباشرة، بشأن ضم كندا وجزيرة جرينلاند وقناة بنما، لم يكن أن يتخيله أحد، خاصة أن ما أثاره بعيد تمامًا عن القوانين الدولية والتقاليد والأعراف الدبلوماسية المعمول بها في العالم، التي تدعي أمريكا احترامها وعدم المساس بها منذ سنوات بعيدة، وهو ما يؤكد ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بقولها إن السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة ترامب الأولى تميزت بـ"الانحرافات شبه المستمرة" عن الاتفاقيات الدبلوماسية والالتزامات الدولية السابقة، وتم تحديدها من خلال سياسة "حافة الهاوية" غير المتوقعة سياسيًا واقتصاديًا.

وبالتالي، فإن ما قاله ترامب حول ضم كندا للولايات المتحدة، وجعلها الولاية رقم ٥١؛ حيث قال إن "إزالة الخط الافتراضي بين كندا والولايات المتحدة سيخلق شيئًا عظيمًا"، يعكس "عدم فهمه لما يجعل كندا قوية"، وفقًا لتصريحات وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، التي أكدت أن بلادها "لن تتراجع أمام تهديدات ترامب"، مشيرة إلى أن كندا لن تكون أبدًا جزءًا من الولايات المتحدة؛ ولذا فإن ترامب بدأ معركته مع كندا مبكرًا، وسوف يتيح له ذلك فرض المزيد من الرسوم والضرائب على المنتجات الكندية؛ بهدف ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة الكندية، وهي ضغوط -في رأيي- لن تنجح، بل سيكون لها رد فعل سلبي تجاه إدارة ترامب وعلاقاتها الدولية، وخاصة مع كندا.

ولم تتوقف مفاجآت ترامب عند كندا، بل أبهرنا عندما كشف عن رغبته في ضم جزيرة جرينلاند (أكبر جزيرة في العالم، والتي تتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة الدنماركية) لما تمتلكه -حسب قوله- من أهمية إستراتيجية بسبب موقعها الجغرافي والمعادن الثمينة التي تحتويها وإن كان الهدف الأساسي من ذلك هو مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في تلك المنطقة وهو ما يجعل ترامب يكثف من ضغوطه على الدنمارك ورئيس وزراء الجزيرة -الذي رفض تصريحات ترامب، وقال إن الجزيرة ليست للبيع ولن تباع أبدًا- لمحاولة تنفيذ ما يريد إلى جانب إحداث "ثورة إعلامية" داخل أمريكا وخارجها يكون هو محورها الأساسي، وبالتالي يصبح دائمًا وأمام أنصاره الباحث عن تحقيق النفوذ الأمريكي، وعودة أمريكا قوية إلى سابق عهدها وكأن أمريكا الآن دولة ضعيفة وتبحث عن مصادر للقوة. 

وأعتقد أن كلام ترامب عن قناة بنما يسير في نفس السياق؛ حيث قال إن "قناة بنما ضرورة للأمن الاقتصادي الأمريكي، وأنها بنيت في الأصل لخدمة الجيش الأمريكي"، ولكن هدفه الأساسي هو إحكام السيطرة الاقتصادية على الصين في هذا الاتجاه، في ظل الأهمية القصوى للقناة كممر مائي إستراتيجي للتجارة الأمريكية والصينية، أيضًا بين المحيطين الهادي والأطلنطي، وبالتالي فالسيطرة الأمريكية عليها سوف تضع مزيدًا من الضغوط الاقتصادية على الصين، التي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تحركات ترامب، وإن كانت تحركات غير مشروعة، وفي ظل الرفض القاطع لرئيس بنما لتصريحات ترامب. 

والمؤكد أن تلك الأحلام والآمال التي يسعى ترامب لتحقيقها، بالإضافة إلى سعيه لتحقيق السلام في العالم، ووقف الحروب والنزاعات هي "حق يراد به باطل"؛ فهو لا يسعى لدعم الاستقرار الاقتصادي والأمني في العالم؛ بل يسعى لتحقيق مجد شخصي، ودعم مصالح أمريكا، دون النظر لمصالح الشعوب الأخرى، مستغلًا القوة والنفوذ الأمريكي في العالم، ودون الوضع في الاعتبار التقاليد والأعراف الدولية والدبلوماسية المتعارف عليها، والمعمول بها في العالم، ولذا فإننا يمكننا، وبكل ثقة، القول إن ما يقوله ترامب ويسعى لتحقيقه هي مجرد أحلام، ولكنها غير مشروعة، ولن يسمح له العالم بتنفيذ ما يسعى إليه.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة