على مدار عشر دورات استطاع برنامج «أمير الشعراء»، أن يحفر لنفسه مكانة عالية، لدى جمهور الشعر، ووسط البرامج الأدبية والثقافية الهادفة فى الوطن العربى، ذلك البرنامج الذى انطلقت أولى فاعلياته بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2007، ليصبح أهم حدث ثقافى، يتوج بالإعلان عن فوز شاعر من المشاركين فيه بلقب «أمير الشعراء».
موضوعات مقترحة
أسهم البرنامج منذ مسيرته التى بدأت من أبو ظبى، وتنظمه هيئة التراث على مدى عشرة مواسم فى اكتشاف 245 شاعرا وشاعرة، شاركوا فى الحلقات بشكل مباشر وفاعل، جاءوا من 25 دولة، وتتابع على لجان التحكيم العديد من المثقفين البارزين فى الوسط الثقافى العربى، من أبرزهم الدكتور على بن تميم، رئيس مركز أبوظبى للغة العربية، وهو من أوائل المحكمين فى هذا البرنامج، والناقد المصرى د. صلاح فضل والدكتور عبد الملك مرتاض من الجزائر، ومن الأردن الدكتور أحمد حسن خريس والشاعر نايف الرشدان ود. أمانى فؤاد، فى الموسم العاشر.
فى الموسم الحادى عشر، تكونت لجنة التحكيم من الدكتور على بن تميم، والناقد المغربى، د. محمد حجو، أستاذ التعليم العالى بجامعة محمد السادس، والدكتور وهب رومية، ناقد وأكاديمى من سوريا، وتشمل آلية التنافس الخاصة بمسابقة “أمير الشعراء”، أربع مراحل للوصول إلى إمارة الشعر وفقا لمعايير محددة.
يحمل هذا البرنامج فى طياته العديد من الأهداف التى تستلهم التراث العربى العريق، فهو يهدف إلى ترسيخ مكانة العاصمة أبو ظبي، وتعزيز دورها فى توطيد التفاعل والتواصل الشعرى بين الشعوب، وإحياء الاهتمام بالشعر العربى لدى الأجيال الجديدة، وتقوية ارتباطهم بموروثهم الشعري، ودعم جهود النهوض بالشعر الفصيح واللغة العربية، وتعزيز الاهتمام بالشعر بين المتلقين، وتعريفهم بأدوات الكتابة الشعرية، مثل الأوزان والقوافى والمدارس الشعرية المختلفة، والارتقاء بالذائقة العربية عند عشاق الأدب العربى حول العالم.
تختتم فاعليات هذا البرنامج فى 5 فبراير المقبل ليتم إعلان الفائز بلقب أمير الشعراء هذه المرة، وقد فازت بها العام قبل المنصرم الشاعرة العمانية عائشة السيفى، التى ألقت قصيدة افتتاح الدورة الحادية عشرة، والتى كانت بعنوان “الشعر يجمعنا” مع الشاعرة نجاة الظاهرى، وقد انطلقت الخميس الماضى فاعليات المرحلة الثانية، من الموسم الحادى عشر للبرنامج من مسرح شاطئ الراحة بأبو ظبى، قدم حلقات البرنامج هذه المرة المذيع “نيشان” بحضور كوكبة من الشعراء والإعلاميين، من مختلف دول العالم، والتى تنافس فيها الشعراء جبريل آدم جبريل من تشاد ، حسين على آل عمار من السعودية ، علا خضارو من لبنان، المختار عبد الله صلاحى من موريتانيا، ويزن عيسى من سوريا.
جاء قرار لجنة التحكيم بتأهل الشاعر يزن عيسى من سوريا بحصوله على 47 درجة من 50، بينما أحرز المختار عبد الله صلاحى 44 درجة، علا خضارو 43 درجة وجبريل آدم جبريل 42 درجة ، حسين على آل عمار 40 درجة، وسيتأهل واحد منهم بتصويت الجمهور وفق آلية التنافس فى المرحلة الثانية.
أكملت الشاعرة سرى علوش من مصر عقد المتأهلين إلى المرحلة الثانية بفضل تصويت الجمهور الذى أعلنت نتيجته فى بداية الحلقة، وأسفرت عن حصولها على 66 من 100 درجة، ليكتمل بذلك عدد شعراء المرحلة الثانية التى يتنافس فيها 15 شاعرا فى ثلاث حلقات بواقع خمسة منافسين فى كل حلقة، تؤهل منهم لجنة التحكيم شاعرا واحدا مباشرة إلى المرحلة المقبلة.
حول أهمية برنامج “أمير الشعراء” فى المشهد الثقافى العربى، خصوصا بعد الحديث لفترات طويلة عن أزمة الشعر العربى، وقد أفرز هذا البرنامج العديد من الشعراء الشباب الذين يؤكدون أن المشهد الشعرى بخير، وإذا كنا فى زمن الرواية لأنها الأعلى مبيعا، فالشعر هو الإمارة التى يحلم بها كل الشعراء، وبرنامج “أمير الشعراء” و”شاعر المليون” أكدا ذلك وأن الشعر هو أدب المحبة وبلاغة السلام.
يقول الدكتور أبو الفضل بدران، أحد أعضاء اللجنة الاستشارية للموسم الحادى عشر للبرنامج فى تصريح خاص لـ«الأهرام العربى»، إن المعيار الوحيد لاختيار الشاعر هو الموهبة والكفاءة، وأن برنامج “أمير الشعراء” يصالح الشعر مع الجمهور، فهذا الموسم يعد من أكثر المواسم التى يشارك بها عدد كبير من الشعراء من مختلف دول العالم العربى، وهذا فى رأيه – يعد مكسبا للغة العربية، والاهتمام بها ويوسع دائرة الثقافة العربية.
يوضح د. بدران، أن هذا البرنامج وأشباهه يعيد مكانة الشعر، ويصالحه مع الجمهور بعد قطيعة مع الشعر، فما نراه من اهتمام الناس والتفافهم، حول التلفاز لسماع البرنامج وتشجيع من يحبونه من الشعراء.
ويعتبر د. بدران أن جميع الشعراء فائزون لأنهم يكتبون قصائدهم، تعبيرا صادقا عما يجيش فى نفوسهم، والبرنامج نافذة مهمة لوصول شعرهم إلى الناس.
سألت الدكتور محمد حجو (وهو أكاديمى مغربى وأحد أعضاء لجنة تحكيم برنامج “أمير الشعراء”).
> كيف ترى الموسم الحادى عشر لمسابقة أمير الشعراء؟
بالنظر إلى الوضع الذى يعيشه العالم العربى حاليا، يمكن القول إن انعقاد الموسم الحادى عشر من مسابقة أمير الشعراء، واجهة من واجهات الصمود ضد الإحباط النفسى العام الذى نحسه جميعا فى كثير من معايشتنا اليومية، ذلك أن الفن بكل أشكاله، يعزز فى الناس القدرة على مواجهة الألم وتخطى صعاب الحياة، لما يشعه فى الروح من توازن نفسى وروابط إنسانية، تجعلهم يشتركون فى هذه المواجهة، ولو عن غير وعى بذلك، ولعل للشعر فى ثقافتنا العربية الكثير من هذا المنحى، هذا من جهة، أما من جهة القيمة الفنية والأدبية لهذا الموسم، فإن له نكهته الخاصة به، كما هو الشأن فى سالف المواسم؛ إذ لكل موسم “شخصيته” التى ينسج معالمها مجموع الشعراء، الذين يشاركون فى أطواره من أول حلقة إلى حلقة التتويج، وذلك بحضورهم وثقافات بلدانهم ومواضيع تجاربهم الشعرية.
> وأنت ضمن لجنة التحكيم، ماذا عن كواليس هذه المسابقة؟
هذه المسابقة، ليس لها من كواليس سوى ما يجرى فى أسرار اللغة الشعرية، أو ما يسرى فى نفوس الشعراء نتلقى نحن، لجنة التحكيم، هذه الأسرار، ونحاول أن نفتحها لأنفسنا وللجمهور، استنادا إلى خلفياتنا المعرفية والنقدية، ثم نصرِّف هذا التلقى درجات قدر المستطاع فى التذوق والقيمة الفنية الشعرية.
> تأهل الشاعر السورى فى المرحلة الثانية، فكيف ترى موهبته؟
لهذا الشاعر لغته المميزة وأسلوبه الخاص، بمعنى أنه يخرج عن النمط التعبيرى السائد ليرسم لنفسه، شخصية تتشرب الموروث الشعرى العربى، دون أن تستلب بأنماطه وأساليبه فى التصوير والأداء اللغوى، إنما تسير بموازاة هذا الموروث بحمولة ثقافية تجديدية، متشبعة بالطرافة والابتكار، وهذا لا يمكن إلا أن يثرى تجربته ويبرز موهبته، فأعز ما يطلب فى الفن هو أن نحس بانتماء “القطعة الفنية”، لصاحبها شكلا ومضمونا.
> هل لعبت مسابقة أمير الشعراء دورا فى إثراء المشهد الشعرى؟
بالتأكيد، وقد أسهمت فى إحياء الحركة الشعرية الأصيلة بين الشعراء الشباب بشكل خاص، وبين سائر الأعمار الشعرية والمهتمين بالشعر والنقد العربيين، بمختلف مدارسهم وتوجهاتهم الفكرية، بشكل عام. ويتجلى هذا الإثراء فى إحياء الجدل المعرفى والفكرى، حول مفاهيم الشعر والنظم والموسيقى واللغة الشعرية، وغيرها من القضايا الجوهرية فى مجال نقد الشعر ونظرية الشعرية، يضاف إلى هذا أن المسابقة أصبحت مرجعية ذات قيمة مهمة، بالنسبة لمن عاشوا تجربتها من الشعراء، ليس فقط من الناحية الفنية الشعرية، بل تولّدت منها رابطة روحية بين سائر هؤلاء الشعراء، فكأن المسابقة أنتجت عائلة ممتدة العروق فى سائر الأقطار الناطقة بالعربية، من العرب وغير العرب، وهذا معطى إنسانى جوهرى لصيق بروح الفن فى بعده التطهيرى الكبير.
> ما رأيك فى الشعراء الشباب المتقدمين للمسابقة؟ هل هذا يبشر بأن المشهد الشعرى فى تعاف؟
يخطئ من يعتقد أن هؤلاء الشعراء لا يحركهم فى شد الرحال إلى المسابقة إلا الجائزة، محركهم الأول والأساس هو السعى إلى النجاح، إن لهم أجنحة لا يعرفها، أو لا يراها، إلا الآباء حين ينظرون إلى أطفالهم يقفزون فرحا للانتصار على الخوف وقهر التردد.
هكذا هم شعراء المسابقة، وهكذا نراهم نحن؛ يسافرون فى الزمن واللغة من أجل الضوء، من أجل الانتصار على عتمة الحياد القاتل، أى على اللا معنى، يسافرون محملين بالقلق والسؤال والرغبة والرهبة، متشبعين بالأمل والحلم ونور العقل، وهذا كله نتاج للجمال، ولا يمكن لمُنتَج الجمال الفنى، فإنه يسهم فى بلورة مسار التعافى الشعرى، ما دام هذا الاجتهاد والتنافس يخلقان مساحة للتطوير وتأصيل التجارب الشعرية.