Close ad

سلوفاكيا ومولدوفا أكثر المتضررين.. الغاز الروسي يُقسّم أوروبا

22-1-2025 | 01:27
سلوفاكيا ومولدوفا أكثر المتضررين الغاز الروسي يُقسّم أوروباأرشيفية
رشا عامر
الأهرام العربي نقلاً عن

يعود الغاز الروسى بقوة إلى الساحة الجيوسياسية، خصوصا بعد أن أوقفت أوكرانيا السماح له بالمرور عبر أراضيها، ما يشير إلى أن هناك أزمة غاز جديدة فى الأفق مع حلول فصل الشتاء، فلقد أصبح النفط والغاز سلاحين فى الصراعات، مثل الصراعات فى الشرق الأوسط والأزمات المالية والحرب فى أوكرانيا، تطور التقنيات يخلق منتجين جددا وأسواقا جديدة، مثل نمو الغاز الطبيعى المسال وتطوير الغاز الصخرى، الذى بدأته الولايات المتحدة والجهود المبذولة نحو الاعتدال، برغم كفاءة الطاقة خصوصا فى أوروبا وأن كل شىء يتغير، فإن أوروبا تظل تعتمد بشكل كبير على وارداتها.

موضوعات مقترحة
برغم أن الغاز متوافر بكثرة وأقل ضررا بالبيئة من النفط أو الفحم، ويشكل جزءا مهما من مزيج الطاقة الأوروبى، فإنه يشكل منتج حساسا للقضايا الإستراتيجية وسعره آخذ فى الارتفاع، وقبل بدء الحرب فى أوكرانيا، كانت أوروبا تستورد ما يقرب من نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا، أما اليوم فهى لا تستورد سوى ٪10 من استهلاكها، لكن مع وجود تباينات كبيرة بين البلدان، فدول مثل النمسا والمجر وسلوفاكيا ومولدوفا، لا تزال تعتمد على الغاز الروسى، ويبدو أنها لم تخطط لبديل لتوريد الغاز الروسى عبر أوكرانيا، وقد فكرت المجر فى طريق أقل خطورة، يمر عبر البحر الأسود ومنطقة البلقان.
ويتجه آخرون إلى الغاز الشمال إفريقى والنرويجى، أو الأمريكى المستورد بواسطة ناقلات الميثان، فى صورة مسالة مثل فرنسا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا، مع العلم أن هذه الأخيرة لا تزال تتعامل مع روسيا، وتملك روسيا ما يقرب من ٪20، من إجمالى احتياطيات الغاز الطبيعى فى العالم فى عام 2020، بواقع 37.4 تريليون متر مكعب، وهذا ما يفسر لماذا من الصعب على أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسى؟

نزاع أوروبى
كانت هذه القضية بالفعل، مصدرا للتوتر خلف أبواب القمة الأوروبية فى بروكسل، بعد أن أعلن الرئيس الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، أنه سيغلق صنابير أنابيب الغاز التى تعبر بلاده، لتزويد الأوروبيين بالغاز الروسى، وقد سبق وأعلنت أوكرانيا الصيف الماضى، أنها لن تجدد عقدها مع روسيا حتى نهاية العام، لنقل الغاز الروسى إلى أوروبا عبر شبكتها الواسعة من خطوط أنابيب الغاز، معتبرا أن قراره هذا هو قمة الصدق والانفتاح والشفافية، لأنه لا يريد أن يمنح روسيا الفرصة لكسب المزيد من المليارات، لسفك المزيد من الدماء وإزهاق أرواح مواطنيه، استغلت أوكرانيا دورها الإستراتيجى كدولة عبور، حيث كانت بنيتها التحتية بمثابة جسر للطاقة بين روسيا وأوروبا الغربية، واضعة بذلك خط النهاية لعقود من الزمان، كانت روسيا هى المورد الرئيسى للطاقة للاتحاد الأوروبى، ما سمح لموسكو بجنى إيرادات كبيرة، فى حين استفادت الدول الأوروبية من الطاقة الرخيصة نسبيا.
تكشف الأزمة الحالية، عن هشاشة موازين الطاقة الأوروبية، ويسلط هذا الوضع الضوء على تحديات التحول الأوروبى فى مجال الطاقة، والتوترات التى يولدها بين الدول الأعضاء، على الرغم من أن الوحدة لا تزال حاسمة فى مواجهة التحديات الجيوسياسية الحالية، فإن قرار أوكرانيا بوقف عبور الغاز الروسى إلى الاتحاد الأوروبى فى 1 يناير 2025، تسبب فى صدمة دبلوماسية، حيث اتخذ رئيس الوزراء السلوفاكى، روبرت فيكو موقفا هجوميا، ولوح بالعديد من التهديدات ضد كييف، لإجبار أوكرانيا على استئناف تدفقات الغاز، بعد تقدير خسائره بنحو 500 مليون يورو، فسلوفاكيا تسيطر على 60٪، من الصادرات الأوروبية إلى أوكرانيا، ولديها قدرة فريدة على توفير الكهرباء فى حالات الطوارئ للدول فى حالة حرب، ما جعل الزعيم السلوفاكى لا يتورع عن التهديد بتعليق المساعدات الإنسانية، وإمدادات الكهرباء الحيوية لأوكرانيا التى تم تدمير ما يقرب من نصف محطات الطاقة الخاصة بها خلال الحرب، كما لم يتردد الزعيم السلوفاكى فى استخدام حق  الفيتو على القرارات الأوروبية الكبرى، مثل قبول أعضاء جدد أو فرض عقوبات على روسيا.
إستراتيجية التهديد هذه تأتى فى وقت تحاول فيه المفوضية الأوروبية تهدئة الأوضاع، كما يتضح من إنشاء مجموعة عمل بعد الاجتماع بين المفوض الأوروبى للطاقة، والزعيم السلوفاكى المعروف بقربه من موسكو.
وصول الغاز الروسى إلى سلوفاكيا، يعد أمرا حيويا بسبب موقعها الجغرافى، فهى دولة غير ساحلية، كما أنها لا تستورد الغاز الروسى الذى يصل إلى نحو 3 مليارات متر مكعب، لكن لأنها أيضا تحصل على 500 مليون يورو، مقابل نقل هذا الغاز إلى دول أوروبية.
وبناء على كل ما سبق ظهر الزعيم السلوفاكى - والذى تحظى بلاده بعضوية الاتحاد الأوروبى - فى الكرملين مصافحا الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ومثيرا عاصفة من الغضب فى اليوم التالى للقمة الأوروبية التى أكدت فيها الدول الـ27 دعمها لأوكرانيا، وليصبح بذلك الزعيم الأوروبى الثالث الذى يزور الكرملين، منذ أن بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا فى فبراير 2022، بعد المستشار النمساوى كارل نيهامر فى إبريل 2022، ورئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان فى يوليو الماضى.
عدم تجديد اتفاقية تمرير الغاز الروسى من أوكرانيا إلى أوروبا، سيكلف القارة العجوز 800 مليون دولار، لكن يتم تقديمه على أنه "واحدة من أكبر هزائم موسكو"، فى حين أن الواقع يقول إن الكرملين غير منزعج لأن التدفقات تغطى الآن 5٪ فقط من الاحتياجات الأوروبية، وفى الوقت الذى تدعو فيه بروكسل إلى الهدوء، من خلال تحديد أن مخزونات الشتاء موجودة بالفعل، وأن قنوات الإمداد البديلة ستحل محل المخزون الروسى، لكن الأسواق تحكى حقيقة أخرى تتعارض مع الرسالة التى تحاول المؤسسات الأوروبية نقلها، هذه الحقيقة مفادها أن مصالح أوكرانيا لا تتطابق دائما مع مصالح الاتحاد الأوروبى، فبمجرد إلقاء نظرة على اتجاهات الأسعار، نجد أن تكلفة الغاز ارتفعت منذ الإعلان الأوكرانى عن عدم تجديد الاتفاقية مع روسيا، لدرجة أنها اخترقت عتبة 50 يورو، لكل ميجاوات فى الساعة مسجلة مستوى قياسيا منذ أكتوبر 2023.
تطمينات الاتحاد الأوروبى بشأن توافر المواد الخام لفصل الشتاء، والسنوات المقبلة، ليست خاطئة لكنها لا تتعامى عن إحدى النقاط الرئيسية للمشكلة، وهى الزيادة فى الأسعار بسبب فقدان الغاز الرخيص فى ظل الاعتماد الأكبر على الموردين الذين يتقاضون أسعارا أعلى بكثير لتصبح المسألة بمثابة لدغة جديدة فى الأفق الأوروبى، إذ كان يتعين على أوروبا أن تحافظ على مصالح مواطنيها فى المقام الأول، بدلا من أن تكون العواقب وخيمة على سكان الدول الأعضاء الـ 27 مختلفة مع ارتفاع أسعار الطاقة، والتى يمكن أن تؤدى إلى زيادة أخرى فى أسعار الضروريات الأساسية، وزيادة تكلفة إنتاج بعض السلع والخدمات.

مولدوفا ترتجف
أكثر من تأثرت بسبب انقطاع إمدادات الغاز الروسى، هى مولدوفا التى ترتجف بعدما تضررت بشدة بسبب ما حدث، فهذه الدولة الصغيرة الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا، هى ضحية جانبية للحرب الدائرة على حدودها، وهذا الصراع على الطاقة بين روسيا وأوروبا له ضحية جانبية واحدة هى مولدوفا التى يقل عدد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة، كما أنها عالقة بين أوكرانيا إلى الشرق ورومانيا إلى الغرب، ولذلك فعندما أوقفت شركة غازبروم، إمدادات الغاز إلى محطة الطاقة فى مولدوفا توقف إنتاج ٪75، من استهلاك الكهرباء فى البلاد، ولذلك صوت برلمان البلاد هناك على إعلان حالة الطوارئ لمدة ستين يوما، ومع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر هذه الأيام، فإن الاعتماد الكبير على الغاز الروسى يسبب صدمة غير مسبوقة.
ومن الغريب أن الجزء الموالى لروسيا من البلاد، هو الأكثر تضررا، فمنطقة ترانسنيستريا المنشقة، التى أعلنت استقلالها هى موطن للقوات الروسية على أراضيها، ولعدم وجود بديل، اضطرت إلى إغلاق مصانعها باستثناء مصانع إنتاج الأغذية، وحذر الممثل المسئول عن الاقتصاد من أن القطاع الصناعى لا يملك موارد طاقة.
وقد  تمت دعوة سكان ترانسنيستريا، البالغ عددهم 450 ألف نسمة إلى "ارتداء ملابس ثقيلة"، و"التجمع فى غرفة واحدة"، وعدم استخدام وسائل التدفئة المنزلية لمنع خطر الحرائق، وهو مصير يشبه إلى حد كبير مصير جيران أوكرانيا، حيث تتعرض البنية التحتية للطاقة هناك لقصف الجيش الروسى، وفى بقية مولدوفا يساعد الدعم الذى تقدمه رومانيا فى الحد من الأضرار، وإن كان يمكن تفسير إغلاق صنابير الغاز على أنها محاولة جديدة لزعزعة استقرار البلاد، التى أعيد انتخاب رئيستها المنتهية ولايتها مايا ساندو، فى بداية شهر نوفمبر الماضى، والتى برغم تأييدها العلنى لأوروبا، وعلى الرغم من الشكوك القوية بشأن التدخل الروسى فى العملية الانتخابية، فإنها هزمت المرشح الذى دعمه الاشتراكيون المؤيدون لروسيا، وبرغم أن أزمة الطاقة تؤثر فى المقام الأول على ترانسنيستريا المنشقة، فإن التضخم الذى قد ينتج عن النقص من المرجح أن يؤدى إلى تآكل شعبية مايا ساندو، وهذا هو هدف موسكو.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: