Close ad

377 عامًا إلى الوراء

22-1-2025 | 15:18
الأهرام العربي نقلاً عن

استعدوا، اربطوا الأحزمة، نحن الآن على ارتفاع 377 عامًا إلى الوراء، وبسرعة 202 عام، لا توجد عوائق تمنع الطائرة من الوصول إلى المكان والزمان المحددين. 

قائد الطائرة، الرئيس الأمريكي السابع والأربعون دونالد ترامب، يحييكم ويتمنى لكم رحلة سعيدة وآمنة لزيارة منطقة ويستفاليا في ألمانيا، عشية العام 1648، حيث وُقِّعت معاهدة ويستفاليا التى أنهت حرب الثلاثين عامًا، واستكشاف مبدأ الرئيس الأمريكي الخامس جيمس مونرو في عام 1823. 

بين ويستفاليا ومونرو، يستعيد ترامب زمناً آخر، تختلط فيه الأوراق والإمبراطوريات.

معاهدة ويستفاليا جمعت الأطراف المتحاربة بتوقيع اتفاقية أنهت حرب الثلاثين عامًا، التى استمرت من 1618 إلى 1648، وأسفرت عن مقتل نحو ثمانية ملايين شخص بين قتلى في الحرب وضحايا للأمراض والمجاعات. كانت حربًا دينية وسياسية بين الكاثوليك والبروتستانت، ضاعت فيها الشعوب، ولم تجد القوى المتحاربة مفرًا من توقيع اتفاقية تضمن سيادة الدول والقوميات على أراضيها، وعدم الاعتداء أو الغزو. ومنذ تلك اللحظة، نشأ القانون الدولى الحديث الذى رسّخ

مفهوم الدول القومية، وأسس لنشوء المنظمات الدولية التى تحكم عالم اليوم.

لا تزال معاهدة ويستفاليا حجر الأساس للقانون الدولى الحالي، لكنها في هذا السيناريو الخيالى تواجه تحديًا من الرئيس ترامب، الذى يتطلع إلى ضم كندا وجزيرة جرينلاند، والسيطرة على قناة بنما، بينما ينصحه ديمترى ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، بضم الجزر البريطانية أيضًا! 

إعلان ترامب عن هذه الطموحات يعكس رغبة في العودة إلى ما قبل نظام ويستفاليا، سواء عبر ضم ودى أم اتفاق أم حتى بالقوة، وهو بذلك يستحضر مبدأ مونرو لعام 1823، الذى دافع فيه الرئيس جيمس مونرو عن القارتين الأمريكيتين ضد التدخل الأوروبي، بينما ترامب يتجاوز الطابع الدفاعي لذلك المبدأ، معتبرًا أن معاهدة ويستفاليا فشلت في تحقيق نظام دولي مستقر، ويرى ضرورة إعادة ترتيب العالم. 

عالم ما قبل ويستفاليا كان يقوم على التوسع المستمر بلا ضوابط، وعندما أُبرمت المعاهدة، تحول النظام الدولي إلى نظام قائم على احترام السيادة الوطنية، وإذا سعى ترامب للعودة إلى ما قبل هذا النظام، فإن العالم سيواجه نموذجًا إمبراطوريًا جديدًا يفوق ما سبق، فإذا نجح في ضم كندا بمساحتها البالغة نحو عشرة ملايين كيلومتر مربع، وجرينلاند التى تبلغ أكثر من مليوني كيلومتر مربع، وسيطر على قناة بنما، الشريان البحرى الحيوى بين المحيطين، الهادئ والأطلسي، فلن يتبقى أمامه سوى المكسيك بمساحتها التي تقارب مليوني كيلومتر مربع، إلى جانب دول أمريكا الوسطى.

وقد يمتد طموحه لاحقًا إلى ضم أمريكا الجنوبية، التي تبلغ مساحتها نحو 18 مليون كيلومتر مربع، ما يعني استحواذه على نحو أكثر من 42 مليون كيلومتر مربع من مساحة العالم، ليُحوِّل نصف الكرة الغربي إلى نطاق أمريكي خالص، ويقترب من مساحة أوراسيا التي تبلغ 54 مليون كيلومتر مربع. وهنا، يظهر طيف الرئيس جيمس مونرو في المكتب البيضاوي، كأنه يراقب ما يحدث بدهشة. 

استعدوا، اربطوا الأحزمة، فنحن على موعد مع رحلة عبر الزمن، حيث تتشابك الطموحات والسياسات في عالم يختلط فيه الخيال بالتاريخ.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة